روسيا ترسل دبابات المتاحف إلى ساحة الحرب

بانوراما 2023/06/11
...

 فاسكو كوتوفيو وكلير سيباستيان ومارتن بورك

 ترجمة: بهاء سلمان

يسير قطار شحن محمل بالدبابات، محدثا ضوضاء تحت شمس الربيع الهشة. "رائع"، قالتها إمرأة كانت توجه كاميرة هاتفها نحو القافلة، "هذا هو القطار الثاني، كان هناك قطار مثله من قبل،" تقول المرأة نفسها. يظهر الفيديو، الذي تم تصويره على ما يبدو في أواخر مارس، دبابات سوفيتية قديمة يتم نقلها في مكان ما داخل روسيا. 

وعرف عن موسكو إخراجها لمعدات عسكرية قديمة من المخازن لمساعدتها على متابعة الحرب في أوكرانيا، لكن هذه المعدات مختلفة، فهي دبابات من طراز تي 55، النموذج الذي تم ترخيص إنتاجه لأول مرة من قبل الجيش الأحمر للاتحاد السوفيتي في عام 1948، بعد وقت قصير من نهاية الحرب العالمية الثانية.


إنها قديمة جدًا، ويمكنك العثور عليها في المتاحف. يقول المؤرخ "جون ديلاني"، أمين المتحف الإمبراطوري للحرب في دوكسفورد، كامبريدج، وهو يعرض إحداها للصحافة: "كانت هذه أول دبابة قتال رئيسية يستخدمها الإتحاد السوفيتي في حقبة الحرب 

الباردة". 

يواصل ديلاني حديثه: "حتى تلك اللحظة، كان لدينا ثلاثة أنواع مميزة جدًا من الدبابات، خفيفة ومتوسطة وثقيلة، والتي كان لها أدوار مختلفة في ساحة المعركة. من منتصف الخمسينيات فصاعدا، كان هناك هذا المفهوم الذي حاول ابتكار دبابة يمكنها فعل 

القليل من كل شيء وأصبحت تعرف باسم دبابة القتال الرئيسية."


انتاج غزير

بالنسبة للجيش الأحمر، كانت هذه هي دبابة تي 55 ومتغيراتها العديدة، والتي أصبحت فيما بعد الدبابة الأكثر إنتاجا على نطاق واسع في العالم، حيث صنع منها نحو مئة ألف قطعة. ولكونها رخيصة الثمن وموثوقة وسهلة الاستخدام وسهلة الصيانة، كانت تمثل دعامة عسكرية أساسية من مصر إلى الصين إلى السودان، حيث لا تزال قيد الاستخدام.  

في أوروبا الشرقية، استخدمت لقمع الانتفاضات في دول حلف وارسو السابقة، حيث تجوّلت في شوارع المجر سنة 1956، ثم براغ، عاصمة ما كان يعرف آنذاك بتشيكوسلوفاكيا، سنة 1968. لكن في العقود التالية، عندما تم نشرها ضد الدبابات التي صنعها الغرب، في بعض الصراعات العربية الإسرائيلية، ثم في حرب الخليج، لم تكن دبابة تي 55 لتجاري قدرات الدبابات الغربية 

الصنع.  يقول ديلاني: "في حرب الخليج الأولى سنة 1991 على سبيل المثال، كانت الدبابات الأميركية والبريطانية تعطل دبابات تي 55 العراقية من مسافة 23 كيلومترا".

تم تصنيع النسخة الموجودة داخل قاعة الحرب البرية، التابعة للمتحف الامبراطوري، خلال الستينيات، وتعود ملكيتها إلى جيش ألمانيا الشرقية. تم التقاطها من قبل المتحف بعد إعادة توحيد ألمانيا، حيث فضّلت حكومة برلين النسخ القياسية المعتمدة من حلف الناتو، مثل ليوبارد 1 ومن ثم ليوبارد 2، التي أرسلتها مؤخرا إلى أوكرانيا، وقررت تنحية المعدات السوفيتية القديمة. ويشير ديلاني إنه بحلول الوقت الذي بدأت فيه روسيا إيقاف تشغيل تي 55 الخاصة بها في الثمانينيات، كان لا يزال هناك ما يزيد عن 28 الف منها، مضيفًا أنه تم تخزينها بدلاً من تحويلها إلى خردة، موضحا أن "السوفييت لم يرموا أي شيء أبدا، ومن المحتمل أن يكون هناك عدد كبير منها مركونة في المستودعات تنتظر اعادة تشكيلها." ويبدو أن روسيا 

مستعدة للقيام بذلك بالضبط.


من التخزين إلى ساحة المعركة

تشير صور الأقمار الصناعية إلى أن روسيا قد سحبت عشرات الدبابات من مخازنها داخل قاعدة في أرسينييف، الواقعة أقصى شرق روسيا. 

وتظهر الصور المتاحة للجمهور أن إحدى الدبابات المخزنة في القاعدة هي تي 55. يقول ديلاني: "كانت الدبابات جاثمة هناك لمدة عقد أو أكثر، وهي بحاجة إلى قدر كبير من العمل لإعادتها لوضع عملي 

جيّد."

وبعد ظهور لقطات من قطار مليء بالدبابات على وسائل التواصل الاجتماعي في أواخر شهر مارس، كان "فريق استخبارات الصراع"، وهو فريق من المتطوعين يوظف معلومات استخباراتية علنية المصدر للتحري عن النزاعات في أوكرانيا وسوريا، كان أول من أبلغ عن هذه الأنباء التي تفيد بأن دبابات تي 54 و55 قد أخرجت من مخازنها في ارسينييف. 

وصرّح مسؤولون غربيون لوسائل الاعلام شهر نيسان الماضي إنهم لاحظوا الدبابة المسنّة تظهر بالقرب من خط المواجهة العسكرية.

لم تؤكد روسيا أنها ستنشر تي 55 في خط المواجهة، ولم ترد وزارة الدفاع في موسكو على طلب الصحفيين بالتعليق. لكن، في الأسابيع الأخيرة، نشر مدونون لديهم صلات وثيقة بالكرملين صورا تظهر هذه الدبابات، حسبما ورد، داخل الأراضي التي تحتلها روسيا في أوكرانيا.

ويقول موقع أوريكس للمعلومات الاستخبارية العلنية المصدر ومقره هولندا إن لديه دليلًا مرئيًا على أن روسيا فقدت أكثر من 1900 دبابة منذ بداية الغزو، أي ما يقرب من ثلثي الأسطول الأساسي الذي يبلغ قوامه حوالي ثلاثة آلاف قطعة. وبغض النظر عن الكمية، فإن الأمر اللافت للنظر هو سرعة الإطاحة بالدروع الروسية وتدميرها.

يقول "روبرت لي"، المجنّد السابق في مشاة البحرية الأميركية، والزميل الأقدم في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومقره الولايات المتحدة: "بشكل عام، فقدت روسيا الكثير من المعدات، ومن الصعب انتاج معدات جديدة. 

إنهم يصنّعون بعض الدبابات الجديدة، حيث لا يزالون ينتجون دبابات تي 90، ولكن على النطاق المفترض، هم يحتاجون إلى معدات أكثر مما يمكنهم إنتاجه، لذا فهم يعتمدون على الدبابات الأقدم والأقدم للتعويض."

يقول "تريفور تايلور"، مدير برنامج الدفاع والصناعات والمجتمع في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن العقوبات الغربية تعمل أيضًا على إبطاء إنتاج الأسلحة الروسية. "لدينا عدة أدلة على أن الصناعة الروسية، التي تم منحها حق الوصول إلى التكنولوجيا الغربية في التسعينيات، تعاني بالفعل من القيود، وتصلنا أخبار عنهم بأنهم يأخذون الرقائق الالكترونية من غسالات الملابس. عندما تفعل ذلك، فمن الواضح أنك بالفعل تواجه صعوبات كبيرة."


"سهولة توظيف" المجندين

كان لي يتابع الغزو الروسي لأوكرانيا منذ البداية، مستخدماً تكنولوجيا علنية المصدر لجمع المعلومات حول القتال في أوكرانيا. وقد زار منذ ذلك الحين الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، ومع استمرار روسيا في حالة الدفاع، كانت المعارك المشتملة على مواجهات الدبابات نادرة حتى الآن، وهو يعتقد إن استخدام تي 55 سيكون محدود النطاق. "

من المحتمل أن يتم استخدام بعض هذه الأنظمة في منطقة خلفية في البداية، لذا، ليس من الضروري أن تمضي الدبابات قدمًا إلى الأمام، ولكنها توفر نوعا من إطلاق النار البعيد المدى."

إذا كان هذا هو هدفهم، يعتقد ديلاني أن تي 55 ربما تبقى مفيدة، ويقول: "من بين الأمور التي يمكنك استخدام هذه الدبابة من أجلها هي إذا كنت تحاول تجنّب اشتباك دبابة مقابل دبابة فعليك حفر موضع لها، وتضعها في مواقع دفاعية، وتجلس الدبابة في الحفرة كي تتمكن فقط من رؤية البرج، ومن ثم يمكن استخدام ذلك للدفاع عن خط أمامي ضد أي هجوم مضاد. إذا كنت بحال الهجوم في الحرب، واضطررت فجأة لأن تكون في موقف دفاعي، فسيكون هذا فعالا للمواقف الدفاعية الثابتة."

وبينما تستعد القوات الروسية لتحمل وطأة هجوم أوكراني متوقع على نطاق واسع ومجهز بمعدات وفرها حلف الناتو، يتعيّن عليهم الاعتماد على جيش مجنّد، أقل استعدادا من جيش خصمهم.

وبالنسبة للجنود غير المدربين، توفر تي 55 شيئا لا توفره الدبابات الحديثة، إلا وهو سهولة الاستخدام. "

إذا كان لديك الكثير من المجنّدين الذين انضموا إلى جيشك، وهو ما يحصل حاليا مع القوات الروسية، فسيكون تدريب الأفراد على استخدام هذه الدبابات أسهل وأسرع من استخدام نموذج أكثر حداثة للمعركة. من السهل حقا إدامة هذه الدبابات مع وجود جيش مجنّد، وهذا ما يتم البحث عنه، فالمفروض البحث عن القدرة على إبقاء هذه الأشياء جاهزة للعمل،" بحسب ديلاني. 

وفي واقع الأمر، لدى أوكرانيا أيضًا نسخة معدلة من دبابات تي 55 ضمن ترسانتها العسكرية، وهي عبارة عن 28 دبابة من نوع M-55 حديثة للغاية قدمتها 

سلوفينيا.


الأمر يتعلّق بأوكرانيا

بينما تستعد أوكرانيا للهجوم المضاد المتوقع في الربيع، تواصل روسيا استعداداتها لصد الهجوم، حيث كشفت صور الأقمار الصناعية عن الخطوط الدفاعية الواسعة التي بنتها قوات موسكو عبر المناطق التي تواصل احتلالها. 

يعتقد لي أن الهجوم المضاد الناجح سيعتمد على قدرة المخابرات الأوكرانية في العثور على الموقع المثالي للمضي قدما. ويقول: "هذا ليس مستحيلاً، لكن نسبة كبيرة من الموضوع يتعلق بايجاد أوكرانيا لنقاط ضعف في أحد خطوط المواجهة، لتحاول اختراقه بشكل 

ضيق." وهذا هو اللقاء الذي يمكن أن تفصح فيه معدات الناتو الحديثة والأكثر تطورا، بدروع أفضل ونطاقات أطول وقدرة أكبر على المناورة، عن تفوّقها، خصوصا عندما تواجه معدات سوفيتية أقدم بكثير.

يقول تايلور: "اعتقد أنه في مواجهة الأسلحة الغربية، ينبغي على الروس ترقّب حصول خسائر فادحة للغاية إذا كانوا يتوقعون تواصل استخدامهم لنظام تي 55. إنها خطوة يأس حينما يتم استخدام أسلحة من هذا الطراز القديم."

وعلى الرغم من ندرة معارك الدبابات، فإن أوكرانيا لديها ميزة إذا حدثت بالفعل. يقول ديلاني عن دبابات تي 55 الروسية: "إذا كان لديك منطقة كبيرة مفتوحة، وكنت تقاتل في معركة ضخمة مع دبابات مدرعة على مساحات شاسعة من الأرض، فإن هذا سيكون في وضع غير مؤات للغاية، فإذا تكون المواجهة مباشرة بين الدبابات، ضد دبابة ليوبارد أو دبابة تشالنجر، فدبابة تي 55 ستكون الخاسرة في كل مرة."


وكالة سي أن أن الاخبارية الاميركية