الشبابيك وباب المدير

الصفحة الاخيرة 2023/06/12
...

عبد الهادي مهودر

إذا سألت العراقي عن أكثر شيء يكرهه سيجيبك على الفور ( أكره مراجعة الدوائر)، وهذا الجواب قديم ومتوارث، وليس وليد اليوم لكنه باقٍ، ونرجو ألا يتمدد، وقد وعَدَت الحكومات المتعاقبة بمحاربة الروتين واختصار الوقت، وإدخال الحوكمة وعقدت عشرات الاجتماعات، التي تفرعت منها عشرات التوصيات والمقترحات والإجراءات، وتغيّرت الأمور نسبياً عما كانت عليه، وأصبح إنجاز المعاملات أسرع من ذي قبل، بسبب التحوّل الالكتروني والدوام المسائي، وإلغاء الكثير من الحلقات الزائدة، ومع ذلك ما زال المواطن يكره المراجعة، لأن التغيير لم يحقق الإنسيابية المرجوّة، ولم يصل بعد إلى مرحلة إلغاء الروتين، الذي لم يزل مقدساً يعشعش فيه الموظف الفاسد، الذي يعتاش على الابتزاز والرشى، ويحتال على الإجراءات التنظيمية والتحوّل الالكتروني، وإذا وجدت فرقاً شاسعاً بين دائرة وأخرى في حسن التنظيم وسرعة الإنجاز، فذلك لأن بعض الدوائر الحكومية محظوظة، بوجود مدراء يقدّرون المسؤولية ويتابعون بأنفسهم كل صغيرة وكبيرة، ويستمعون لملاحظات المراجعين في أروقة دوائرهم، ويعدّلون من آليات العمل، وفق ما يسمعونه من المواطن صاحب التجربة، الذي مرّ بجميع الشبابيك، ولم يفتح له باب الخلاص، لكن بعض الدوائر ومراجعيها غير محظوظين بوجود مدراء يقضون أوقاتهم خلف المكاتب، لاستقبال الاتصالات والضيوف الخاصين وإنجاز معاملاتهم بسرعة فائقة، إذ يمكن باتصال من شخص مسؤول تسهيل مهمتك وتحويل كراهية مراجعة الدوائر إلى محبة من بعد عداوة، فحينذاك تدخل معززاً من باب السيد المدير، وقبل أن تنهي "استكان الشاي"، تكون معاملتك قد أنجزت فتشكره على حسن الضيافة وسرعة الإنجاز ويودّعك بابتسامة أعرض من نافذة المراجعين، ومن دون سحر (الواسطة)، يكون لزاماً عليك الوقوف في الطابور حتى تصل إلى النافذة المبجّلة.
وإذا كان هناك مفصل من مفاصل حياتنا يستحق مراقبته بفرق تفتيش ومتابعة دائمة، فهو مفصل إنجاز المعاملات، لأنه منبع التذمر الذي يجب تجفيفه، كما تجفف منابع الإرهاب، وبالأخص في الدوائر الأكثر مساساً بالمواطنين كدوائر إصدار الوثائق الشخصية والتسجيل العقاري، وإجازات البناء وعموم الدوائر البلدية والصحية والخدمية، من أجل أن تكون سرعة إنجاز المعاملات حق للجميع، ولإنهاء  صور التمييز بين المراجعين من الشباك والمراجعين من باب السيد المدير، وحينذاك فقط يمكن رؤية القانون فوق الجميع ورؤية الوزراء والمدراء والنواب والنجوم للمرة الأولى، يقفون في طابور المواطنين دون شعور بالانتقاص والإهانة، بل عسى أن ينتهي مشهد الطوابير الى الأبد، ولا يبقى إنجاز المعاملة نصراً مبيناً ويوماً يحتفل به.