سعد الله ونوس في الذاكرة

منصة 2023/06/12
...

  هويدا محمد مصطفى

عندما يدرك الإنسان أنه يقف على حافة الموت في تلك اللحظات تصبح الحياة صغيرة جدا.. ينفصل العالم في الحاجز الوهمي فيصبح أكثر تشبثاً بالحياة مثل الشراع عندما تعترضه عاصفة يبقى يقاوم حتى يكون المنتصر
هكذا كان /سعد الله ونوس/ رغم الموت إلا أنه كان متوجاً بالحياة تفتح آفاقاً حتى بعد موته، فكثيرون ممن لجؤوا إلى عزاء ما تحت وطأة الخوف من الفراغ، لكن سعد الله اخترع عزاءه بيديه كان شجاعا يحدق في الفراغ ويعتبره مقدساً، وبقي محكوماً بالأمل ويردد «إننا محكومون بالأمل» والحياة قيمة ومعنى فقد نادى بالانطلاق خارج حدود المألوف والمعتاد، فالبعض يجعل الحياة مجرد رحلة قسرية بلا غاية، كان مؤمناً بالذات الإنسانية وبأن تغيير العالم ضرورياً، فقد كان بين الحياة والموت يرتب العالم من خلال نفسه، ففي أحد مؤلفاته عن الذباب اكتشف أنه يؤلف كتاباً عن البشر، فالذباب موجود حيث الإنسان.
سعد الله ونوس شغل المسرح وكان الخشبة وما زالت تتوانى بالحياة بعد تأسيس المسرح التجريبي وإدارته من قبل سعد الله ونوس، جاءت مسرحية الملك هو الملك قام بإخراجها ليقف أمام نصه ويحاكمه ويعرف إلى أي مدى يمكن لهذا النص أن يصل إلى عقل المشاهد، وإلى أي أرضية سيعيد البناء «الملك هو الملك» نص اشتق من ألف ليلة وليلة، وفي منمنمات تاريخية يخلق سعد الله ونوس شخصية ابن خلدون جديدة تعدت شخصية العالم والمفكر، الذي أبدع نظرية جديدة في الفكر البشري وكشف جوانب أخرى حقيقة تجاهلها الآخرون وأمعنوا في الإشادة بالماضي، دون النظر إلى سلبياته «طقوس الإشارات والتحولات» عالم من الشخصيات المتصدعة، التي تبدو ظاهريا فنية ولكن في لحظة تتهاوى أمام أدنى ظاهرة تصيبها مجتمع تسوده الكراهية والدسائس وعلاقات مأزومة والناس مكبوتة، أراد التخلص من الموروث والأهواء المقحومة، فكان سعد الله ونوس يدعو إلى التحرر
الكامل من المجتمع والإنسان عبر التحرر المطلق للجسد الإنساني وإطلاق مكبوتاته، من أجل الدخول في عالم الحرية، فشخصيات ونوس ثائرة متمردة يفتح آفاق الضوء للمنكسر، وإلى من تهاووا نحو الخيبة والفجيعة، حمل ونوس ذاتاً قلقة طامحة
نحو الحرية وسعى لبناء مسرح عربي عبر طرح أشكال نصوصه في تلك الفترة «منمنمات تاريخية» «طقوس الإشارات والتحولات» «الأيام المخمورة»، رحلة في مجاهل موت عابر وتواصل مع العالم، وفتح صراعاً مع الزمن، لتصبح كتاباته وثائقية البقاء فكانت الحياة عنده تنفي الموت ليتحقق البقاء المنتصر، هكذا غيب الموت جسداً وبقي روحاً تناجي هذا الفضاء، بكل مكوناته من خلال تاريخ ما زال يحمل بين طياته صورة سعد الله ونوس وكلماته المترسخة على أبواب المسرح القومي وفي ذاكرة كل إنسان، سعد الله ونوس ليس مجرد كاتب، بل كان قضية فكرية لها أبعاد وحدود ورغم صراعه مع المرض، إلا أنه كان متحديا الموت بإرادته فقد أصيب بمرض السرطان، حين كان عمره أربعين عاماً وبقي عشر سنوات وهو يبدع وقلمه لم يجف حبره بعد مرضه، بل بقي حتى آخر لحظة ينادي بالحياة في حزيران توفي
 1995 / 6 / 5 واسدل الستار ليبقى في ذاكرة التاريخ «سعد الله ونوس» مدرسة الأجيال القادمة ولكن ماشدني للكتابة أكثر أن المسرح القومي موجود فعلا، لكن أين نصوص سعد الله ونوس على مسارحنا.. هل يكفي أن نكرم مفكرا على مستوى العالم، دون أن يستيقظ المسرح من غفوته؟.