مجلس الوزراء التركي الجديد وتحديات المستقبل

بانوراما 2023/06/13
...

 غول تويزوز

 ترجمة:  بهاء سلمان

أدت الحكومة التركية الجديدة القسم أمام الرئيس رجب طيّب أردوغان، إيذانا بما أسماه {فترة مجد جديدة}للجمهورية التركية مع بداية قرنها الثاني، والتي يأمل أن تعزز حكمه على البلد الذي يبلغ تعداده 85 مليون نسمة.

وتلمّح التعيينات الوزارية إلى العودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية، مع الحفاظ على مسار السياسة الخارجية، بينما يمضي الرئيس بعقده الثالث في السلطة. على الصعيد الاقتصادي، كانت عودة "محمد شيمشك" وزيرا للمالية، وهو المنصب الذي شغله سابقا بين عامي 2009 و2015 قبل أن يصبح نائب رئيس وزراء أردوغان، متوقعا بفارغ الصبر في الأوساط الاقتصادية. فعندما سلم سلف شيمشك "نور الدين نباتي" حقيبته الوزارية رسميا، التقطت الميكروفونات صوت تنهداته، كإشارة للشعور بالراحة. لم يكن ذلك مفاجئا بالنظر إلى حالة الاقتصاد التركي، فقد أدت سياسات أردوغان الاقتصادية غير التقليدية خلال السنوات الماضية إلى غلاء المعيشة وهبوط حاد في الليرة التركية. وأدت الجهود المبذولة للدفاع عن العملة المتداعية إلى انخفاض احتياطيات البنك المركزي التركي إلى مستويات قياسية؛ وهذا ما سيواجهه شيمشك عندما يتولى منصبه.

قد يكون الوزير الجديد قادرا على إقناع المستثمرين الأجانب، وغرس الأمل داخليا لإبقاء اقتصاد مجموعة العشرين متماسكا. لكن معركته الحقيقية الشاقة قد تكون في إقناع أردوغان نفسه، فتنوه الترجيحات بأن يكون شيمشك هو المهندس الرئيس لسياسة اقتصادية جديدة، وتشير التعيينات الأخرى للرئيس إلى أنه ربما يستفيد من رؤى اقتصادية مختلفة، وفقا ل"محمد جليك"، مدير التحرير لصحيفة ديلي صباح الموالية للحكومة، إذ إن نائب الرئيس، "جودت يلماز"، هو بيروقراطي وخبير اقتصادي محترف، كما إن وزير التجارة "عمر بولات" من خلفية تجارية، وبذلك، "كانت الاختيارات استراتيجية، لذا، سيكون هناك توازن جديد،" بحسب جليك.


دبلوماسي الظل

دوليا، حشدّت تركيا سياسة إستعراض عضلات تم تنفيذها من خلال وزارتي الخارجية والدفاع، مع المخابرات التركية التي وسعت نطاقها إقليميا، وحققت لتركيا طريقا مستقلا كعضو في حلف الناتو، ومن المرجح الإستمرار في هذا التوجه.

يعد وزير الخارجية الجديد شخصية معروفة للأتراك واللاعبين الدوليين الذين تفاوضوا مع تركيا مؤخرا. "هاكان فيدان"، الذي شغل منصب رئيس وكالة المخابرات منذ عام 2010، كان حاضرا في جميع المناقشات الخاصة بالسياسة الخارجية التركية خلال السنوات الماضية. ولكن نادرا ما يذكر اسمه، فهو دبلوماسي الظل للسياسة الخارجية لأردوغان، الذي خطط 

لعب فيدان دورا مركزيا في تشكيل السياسة الخارجية، فضلا عن المتحدّث الرسمي السابق والمستشار الفعلي للأمن القومي "إبراهيم كالين"، الذي تولى الآن وظيفته القديمة كرئيس للمخابرات. وقال فيدان في حفل تسليم السلطة: "سأواصل تحسين رؤيتنا الوطنية للسياسة الخارجية، والتي تقوم على الإرادة السيادية لشعبنا واستقلال دولتنا عن جميع مجالات النفوذ."

ووضعت السياسة الخارجية للبلاد أنقرة في مسار تصادمي مع جيرانها وحلفائها وشركائها، بما في ذلك اليونان، التي تربطها بها علاقات متوترة في شرق البحر المتوسط، والدول الغربية، بسبب التهديد المحدق من الجماعات الكردية المدعومة أميركيا في شمال سوريا.

يقول جليك: "هناك استعداد من تركيا لوضع نهاية لحمايتها عندما يتعلّق الأمر بالغرب، لكن عندما يقوم الغرب بأخذ كل شيء بلا مقابل يذكر، لن ترغب تركيا بالاستقرار على هذا الحال، وستواصل تثبيت موقفها والوقوف بالضد من حالة فرض الاملاءات عليها".

لن يكون من السهل إصلاح هذه العلاقات المتوترة، لكن فيدان كان بارعا في دوره السابق كرئيس للمخابرات في إيجاد طرق للتفاوض وتحقيق تقدمات مفاجئة في العلاقات الصعبة، فقد كان له دور مهم بإصلاح العلاقات المتوترة مع دول الخليج، ومثل قوة دافعة وراء التقارب البطيء بين دمشق وأنقرة.

وستتجه كل الأنظار إلى فيدان بتعامله مع محاولة السويد للانضمام إلى الناتو، فبينما كانت الولايات المتحدة وأعضاء الناتو الأوروبيين في عجلة من أمرهم لقبول الدولة الاسكندنافية، أوقفت تركيا عضويتها بسبب ما قالته أنقرة عن إيواء السويد لحزب العمال الكردستاني (PKK) المحظور في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وأقرّت السويد بأن أنشطة المجموعة في البلاد كانت "واسعة النطاق"، و"مشكلة أكبر مما أدركنا."


وزير داخلية يتحدث بلطف

في وزارة الداخلية، تم استبدال "سليمان صويلو"، وهو الرجل ذو الشخصية القوية، ببيروقراطي محترف وحاكم اسطنبول السابق، "علي يرليكايا"؛ الذي سيركز مجالات اهتماماته الرئيسة على مواجهة آثار الزلزال، التي أودت بحياة خمسين ألف جنوبي تركيا، وترتيب أوضاع نحو اربعة ملايين لاجئ سوري، وجهود مكافحة حزب بي كي كي. فالحرب على الإرهاب، والتي تحظى بتأييد واسع عبر الطيف السياسي في تركيا، ستبقى على الأرجح على وضعها، لكن نبرة الوزارة سيشوبها التغيير، وفقا لجليك. ويعد يرليكايا سياسي أكثر مرونة، وقد أدار الأمور بهدوء منذ عام 2018، وقد لا يحاكي أسلوب صويلو الخطابي القاسي. وقد يعمل التحوّل في النبرة على سد بعض الانقسامات الاجتماعية التي ابتليت بها تركيا في السنوات 

الأخيرة.

ومع ذلك، فإن أعضاء الحكومة المنتهية ولايتهم بعيدون عن التقاعد، حيث إن صويلو، ووزير الدفاع السابق "خلوصي أكار"، ووزير الخارجية السابق "مولود جاويش أوغلو"، هم جميعا نواب ينتمون لحزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان، وأدوا اليمين لفتراتهم الجديدة في البرلمان، ما يسلّط الضوء على قوة الحزب الهائلة هناك. ومن المرجح أن يتردد صدى أصواتهم أعلى من أصوات نواب المعارضة، الذين سيواجهون الآن أوقاتا أصعب في إقناع الناخبين بمواقفهم المعارضة داخل الهيئة التشريعية.

بشكل عام، تشكّل الحكومة الجديدة خروجا عن التعيينات السياسية التي أطرّت حدود الفترة التي أعقبت محاولة انقلاب 2015، فبدلا من ذلك، اعتمدت على مجموعة قوية من التكنوقراط.

يبدو أن أردوغان يستخدم نهج العودة إلى الأساسيات. ومع ارتفاع الاستقطاب الاجتماعي إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، وتأزم وضع الاقتصاد، وكثرة الصعوبات بالمنطقة، تمتلك التشكيلة الوزراية الجديدة القدرة على إعادة ضبط بعض الهفوات الاقتصادية في السنوات السابقة، مع الحفاظ على السياسة الخارجية. لكن الكثير سينتهي إلى ما يريده أردوغان، لأن المسؤولية في تركيا تتوقف عنده.

موقع سي أن أن الأميركي