مناورات وتهديدات

قضايا عربية ودولية 2023/06/14
...

علي حسن الفواز

تحمل المناورات الواسعة لحلف شمال الأطلسي أكثر من مغزى، وأكثر من هدف، وعلى نحوٍ يجعل منها مناورات تتجاوز ماهو عسكري إلى ماهو سياسي، إذ تعكس الوحدة الرمزية لأعضائه، ولطبيعة موقفها الرافض للتوجهات الروسية في فرض سياسات الأمر الواقع.
التوصيف السياسي ينطلق من فكرة تحشيد دولي، يهدف إلى توجيه رسالة إلى القيادة الروسية، بالتزامن مع الهجوم الأوكراني المضاد، وبما يجعل التمثيل العسكري الضخم للمناورات، نظيرا لمناورات سياسية تعكسها التصريحات الساخنة، والعقوبات شديدة الوقع، والبحث عن تحالفات ضاغطة، تعزز "التغيّر الحادث في المشهد الاستراتيجي حول العالم، خصوصا هنا في أوروبا" كما قال الجنرال مايكل لوا مدير الحرس الوطني الأميركي..
تشمل هذه المناورات تدريبات في أجواء ألمانيا والتشيك وإستونيا ولاتفيا، وبمشاركة 250 طائرة عسكرية من 25 دولة، داخل حلف الأطلسي وخارجه، فضلا عن مشاركة 10 آلاف عسكري في عمليات تدريبية تجمع بين الدفاع عن مدن ومطارات وموانئ، والهجوم بواسطة المسيرات والصواريخ، وهذا ما يُعطي لهذه المناورات زخما كبيرا، في إجراءاتها، وفي تأثيراتها التي ستُزيد من حدّة الصراع في القارة الأوروبية، وفي توتير السياسات إزاء روسيا. فبقطع النظر عن التصريحات الألمانية بعدم استهداف أيّ طرف، فإن ما يجري، وبهذه المشاركة الواسعة، يضع الجميع أمام وقائع من الصعب تغييبها، فخطط هذه المناورات، لا تعني بالضرورة التأكيد على التحالف الدفاعي فقط، بل إن لها رسالتها السياسية البليغة، والتي لا تحتاج إلى تورية أو تصريحات تُخفف من ثُقلها الجيوعسكري، وهو ما أشارت إليه إيمي غاتمان السفيرة الأميركية في ألمانيا بالقول " إنه سيكون لهذه المناورات هدف إيصال رسالة، خصوصا إلى روسيا، الذي يُظهر روح التحالف، وماذا تعني قوة هذا التحالف"
هذا التصريح يكفي لتوضيح الطابع السياسي لمناورات الناتو، وللتوجهات التي يسعى إلى تكريسها التحالف الغربي في تعزيز خطاب القوة، وفي إعادة إنتاج سياسات "الحرب الباردة" لكن بمزاج أكثر حدّة، وأكثر تعبيرا عن "استكمال الوجود الدائم للولايات المتحدة في أوروبا" كما أشار إليه الجنرال الأميركي، وكأنه يؤكد بهذا تداولية الطابع الاستعلائي للقوة الأميركية، ومفهومها لـ"الدولة العظمى" القرين بنظرية "نهاية التاريخ وولادة الإنسان الأخير" التي سبق أن طرحها فوكوياما.