كبار السن.. بحاجة إلى الرعاية والاهتمام
بدور العامري
تصوير: نهاد العزاوي
إن اليد المجعدة والشعر الأبيض والعيون الغائرة والجسم النحيل والذاكرة المتعبة، كلها من علامات التقدم بالسن طبيا وعلامات الشيخوخة بالنسبة للتصنيفات العمرية، لكنها من منظور آخر تعني سنوات الخبرة وعلامات التجارب ودلالات الوصول للنجاح، الذي ليس بالضرورة نجاحا ذاتيا، بل كثيرا ما يتمثل بنجاح أبنائهم وأحفادهم، أنهم كبار السن.
إحلال السلام
بكلمات لامست شغاف القلب تحدثت الشابة زينب ياسين إبراهيم طالبة جامعية حول التضحية ونكران الذات، لبعض كبار السن من الآباء والأمهات الذكرى السنوية لليوم العالمي للتوعية ضد الإساءة لكبار السن، التي تصادف يوم 15 من شهر حزيران في كل عام، وبحسب الباحث في علم الانثروبولوجي الدكتور يحيى حسين أن لكبار السن دورا محوريا في إحلال السلام داخل مجتمعاتهم، فضلا عن المهام التي يقومون بها تجاه أفراد أسرهم، كونهم يتصفون بالحكمة والتجربة الحياتية والمواقف، وقد تعرفت الدراسات الأنثروبولوجية في العديد من المجتمعات، لا سيما التقليدية بتكوينات أو جماعات لكبار السن من زعماء القبائل، حيث يجتمعون في الاحداث والأزمات ويقومون بحل المشكلات، التي تعترض حياة الافراد في مجتمعاتهم والحفاظ على النسيج الاجتماعي وبنيته واستمراره في الحياة.
حقوق ناقصة
وبحسب أستاذ علم النفس في الجامعة العراقية الدكتور محسن الزهيري، أن أصل تلك الخبرات التي يمتلكها كبار السن جاءت نتيجة تعرضهم للأحداث وتزايدها مع تقدم العمر، وباكتساب هذه الخبرات وتعلمها، يحدث نوع من التكامل في تنظيم النسق القيمي، الذي يبرز أدوارهم في المجتمع، والمجتمع العراقي له خصوصية في هذا المجال، لما يمتلك من ارث قيمي وعادات وتقاليد اجتماعية، مبنية وفق مجاميع عشائرية بينها مواثيق وتعهدات معينة، كان لكبار السن فيها دور محوري في الاصلاح وفك النزاعات، في جميع الميادين السياسية والاجتماعية والدينية، ونبه الزهيري على أهمية تثمين هذه الفئة من المجتمع من قبل الدولة، وعدم اقتصار اهتمامها بتوفير راتب تقاعدي هو ربما لا يكفي لسد الحاجات الأساسية للمسن، ما يجعله يبحث عن عمل آخر لا يناسب وضعه الصحي والاجتماعي، ولربما نجد البعض من المعدمين يمتهنون التسول للحصول على لقمة العيش.
عقوق
ويتحدث المواطن ليث محمد، بألم شديد عن موقف مر به في أحد الأيام لامرأة كبيرة في السن، عندما كان يزاول عمله كسائق تكسي، حيث شاهد امرأة مسنة تستند إلى احد أعمدة الكهرباء في وسط شارع تجاري في بغداد، وكانت تبدو عليها ملامح الحزن والخذلان، بعد أن استوقفته سائلة عن دار قريبة لرعاية المسنين، ليقف ويسألها أين أهلها وأبناؤها إن كان لها أبناء، فأجابته إن لديها ولدا واحدا، وكانت تعيش معه وزوجته وأطفالهم، إلا أن الزوجة بدأت تتثاقل من وجود أم زوجها معهم في البيت، ليصل الحال بالولد أن يرمي أمه وسط الشارع، من دون مبالاة أو رفة جفن عليها. وغيرها من القصص التي تحمل بين طياتها سلوكيات وممارسات، لا تمت بالأخلاق ومبادئ الدين الإسلامي بصلة.
دور الإيواء
مديرة دار رعاية كبار السن في الديوانية فيان معن نعمة تحدثت لـ(الصباح)، عن واقع حال دور الإيواء الحكومية، التي عدتها في الوقت الحالي غير كافية، لاستيعاب الأعداد الراغبة في الاستفادة من خدماتها، نتيجة لزيادة التفكك الاسري والحروب، التي أوجدت رجالا ونساءً بلا معيل، الأمر الذي أدى إلى استقبال اعداد كبيرة من طالبي الايواء مع استثناء شرط العمر لأسباب إنسانية، علما إن قانون دور الإيواء الحكومية، يحدد عمر المستفيد من الرجال 60 عاماً فما فوق، والنساء بعمر 55 عاما فما فوق، وتوضح نعمة أن جميع الدور بحاجة لإمكانيات مادية كبيرة، إضافة إلى الدعم والاسناد من قبل المؤسسات الأخرى في الدولة، باعتبارها تشكل مجتمعا مصغرا، يتعامل مع فئة مهمة من المجتمع، يذكر أن هناك 13 دار إيواء حكومية للمسنين موزعة بين محافظات العراق حاليا، فضلا عن عدد من الدور الأهلية، حيث تقدم الخدمات الاساسية لكبار السن من ايواء ومأكل وملبس وخدمات صحية ونفسية واجتماعية.
المتقاعدون
هناك شريحة مهمة من كبار السن يعتقد البعض الكثير منهم المهتم بالشأن أنهم تعرضوا للتهميش والاذى بعد تطبيق قانون التقاعد الجديد، الذي حدد عمر الاحالة على التقاعد بعمر 60 عاماً بدلا من 63، اذ يعتقد الحاج أبو محمد أنه لم يكن مستعدا من الناحية المادية والنفسية، عندما احيل على التقاعد قبل ثلاث سنوات، ما تسبب له بمشكلات مالية تركت أثرها في صحته ونفسيته حتى هذه اللحظة، وتابع أبو محمد حديثه حول المعاناة مع معاملة الراتب التقاعدي وتفاصيلها، التي تبدأ ولا تنتهي، وفي السياق ذاته يشير الباحث الأنثروبولوجي الدكتور يحيى حسين إلى عدم وجود مؤسسات تهتم بالمتقاعد بعد أن أصبح خارج إطار العمل والنشاط العملي والفكري، حيث غالبا ما يعتزل الحياة العامة فور احالته على التقاعد، ليظل حبيس الدار أو المقاهي لتمضية الوقت، ويشير الدكتور حسين إلى حال أغلب المتقاعدين، خاصة من الرجال، اذ يتعرضون لأنواع من الامراض النفسية والاسرية بسبب جلوسهم الدائم في المنزل، مع وجود وقت فراغ كبير لديهم، علما أن مختصي العلوم الطبية، يؤكدون أن “جسم الانسان مبني على الحركة لا على السكون، فاذا سكن أصابه المرض والخمول ثم ينتهي بالموت”.
قوانين
رئيسة مركز حقوق المرأة الإنساني الدكتورة مها الصكبان، تقول مع شديد الأسف أن الشخص المسن في بلادنا، يعامل كأنه عبءٌ حتى قبل أن يصل إلى سن الشيخوخة، لكن في واقع الحال أن كبار السن هم ثروة، من الضروري الحفاظ عليها والاستفادة من عصارة خبرتها، لذلك نجد الأمم المتقدمة تهتم بمسنيها وتعمل جاهدة على توفير جميع مستلزمات الحياة لهم، خاصة بعد احالتهم على التقاعد أو وصولهم إلى أعمار كبيرة عن طريق وضع قوانين خاصة برعاية المسنين ودعمهم اجتماعيا وصحيا، وتوفير جميع مستلزمات الراحة لهم، فضلا عن الاستعانة بخبراتهم التي امتدت لسنوات طويلة حسب اختصاصهم الوظيفي والمهارة، حيث نجدهم كمستشارين وحكماء وشيوخ أعيان يتم الرجوع اليهم في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
الوعي المجتمعي
التعامل مع كبار السن بحاجة إلى برنامج ثقافي متكامل، كما يعتقد الدكتور يحيى حسين الذي كانت له تجربة خاصة بهذا المجال، تمثل بتأليفه لكتاب تحت عنوان (انثروبولوجيا المجتمع العراقي)، من المؤمل أن يصدر قريبا، اذ يحتوي جزء منه على برنامج رعاية كبار السن، إضافة إلى تعليم الشخص القراءة والكتابة وزجه في دورات ثقافية تناسب عمره، كما ناقش المؤلف مسألة التعامل مع الفئات العمرية الأخرى، وقضايا أخرى من شأنها خلق وعي ثقافي لدى المجتمع واحترام القيم الإنسانية وكبار السن، وكيفية التعامل معهم وتوقيرهم كذلك تهيئة الجو المناسب لراحتهم.
بينما يعتقد الدكتور محسن الزهيري، أن هناك تباينا واضحا على مستوى الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع، اذ كثيرا ما يتأثر الجيل الحالي بما يسمعه ويراه من وسائل التواصل الاجتماعي المباحة للجميع، إذ وفر سهولة الحصول على المعلومة الإيجابية والسلبية على حد سواء، مما افرز بعض السلوكيات الخاطئة حول التعامل مع كبار السن، من خلال تغيير لمعظم مزاجيات الشباب وقيمهم واتساع رقعة التباعد في عملية الاتصال الاجتماعي، الأمر الذي أوجد نوعا من التعامل السلبي والإناني لكبار السن، ويرى الزهيري أن الموضوع لا ينطبق على جميع الشباب، فمنهم الواعي الذي يقدر قيمة كبار السن، ويسعى إلى الاستفادة من خبراتهم والتعامل الحسن معهم، باعتبارهم قدوة له.