مدينة حماة.. جارة العاصي وأم النواعير

منصة 2023/06/18
...

 سريعة سليم حديد

من يمر في مدينة حماة السورية التي تقع وسط البلاد، فلا بد له من أن يستطيب هواءها، ويستمتع بجمال نواعيرها وبهاء خضرتها، وربما ينتابه شعور بالعودة إلى زيارتها، لأنها مميزة في موقعها وغنية بآثارها وطيبة بمواسمها المتنوعة وفاكهتها الشهية. واللافت فيها معاملة أهلها وبساطة عيشهم وظرافتهم المستمدة من جارتهم مدينة حمص المشهورة بالبداهة والطرافة والظرافة، والرابط الجميل بينهما نهر العاصي. فلا بأس أن نتعرَّف على أهم المميزات التي تشتهر بها مدينة حماة، وخاصة الأثرية .


لمحة تاريخية غن مدينة حماة:
ــ حماة مدينة أثرية، يعتبرها بعض علماء الآثار من أقدم المدن في العالم، فيها الكثير من المساجد والكنائس والقصور والحمامات، والتكايا، والخانات، والأسواق المسقوفة والمكتبات والنواعير..
ــ سكن مدينة حماة عدد من الشعوب، منها الأموريون والكلدانيون
والحثيون، وتعاقب عليها الحكام والسلاطين كالسلوقيين ووصل إليها الرومان، وكذلك فتحها أبو عبيدة الجراح سنة 18 هجرية، وتولاها الصحابي عبد الله بن الصامت، وفي العصر العباسي احتلها القرامطة سنة 291 هـ واستعادها المستكفي العباسي، ثم فتحها عماد الدين الزنكي، ومن ثم أعادها الظاهر بيبرس، وهكذا توالت عليها الحكام وصولاً إلى الحكم العثماني، ومن ثم الدولة
السورية.
ــ سبب تسمية حماة بهذا الاسم:
 قيل: سميت حماة بسبب وجود التلال والجبال المحيطة بها التي تحميها من الغزاة.
ويقال: إن اسمها مأخوذ من اسم النبي (حام) المدفون فيها، وهذا سبب يحتاج إلى كثير من الدقة التاريخية.
وقد ورد اسم سورية في العهد القديم باسم (حمت) نسبةً إلى أهم بلد فيها وهي حماة.
وهناك أيضاً وجهات نظر عدة حول التسمية، فحماة تعني القلعة، وقيل سميت حماة بهذا الاسم نسبة إلى قلعتها، وقد طرأ تغير على اسم المدينة حيث أطلق عليها في زمن السلوقيين سنة 301 اسم (ابيفانيا) نسبة للإمبراطور ابيفانيوس.

ــ ألقاب مدينة حماة:
من اللافت إطلاق ألقاب عدة على مدينة حماة، هذا ما يدل على سعة جمالها وعمق أهميتها لدى الناس ومنها:
مدينة النواعير: على الرغم من انتشار النواعير على نهر العاصي الذي يمر في مدن عدة من سورية، إلا أن لمدينة حماة العدد الأكبر منها، وبأحجام كبيرة مميزة.
ــ لقد درج طقس سنوي لدى سكان المدينة القدماء، فقد كانوا يقدمون القرابين لأكبر ناعورة لديهم، ويقال اسمها أم الحسن، حيث كان يسقط طفل في المياه كل سنة، هذا ما يدل على تأثير تلك النواعير في نفوس الناس وخاصة من الناحية الدينية.
ــ كذلك دعيت حماة بمدينة «أبي الفداء» نسبة إلى ملكها الأيوبي العالم والمؤرخ والجغرافي «عماد الدين إسماعيل « الملقب بأبي الفداء شوقد توج ملكاً عليها، وتوفي عام 732هـ ودفن في مسجده المعروف باسمه.  وتأكيداً لهذه التسمية أنشأت جريدة محلية في عهد الدولة السورية باسم جريدة «أبي الفداء».

ــ النواعير:
 ــ أهم ظاهرة يمكن للمرء أن يشاهدها في حماة هي النواعير، وكانت الغاية المهمة من اختراعها، هي حاجة الناس إلى تطوير سقاية المزروعات، وتقليل الجهد المبذول لذلك، فظهرت النواعير بأجمل منظر.

ــ لماذا سميت النواعير بها الاسم؟
ــ يعود سبب تسمية الناعورة بهذا الاسم من حيث اللغة من فعل نعر بمعنى أحدث صوتاً فيه نعير، والنعير هو صوت يصدر من أقصى الأنف وسميت بالناعورة لصوتها، فيسمع صوت دورانها وصوت طقطقة الأوعية التي تحمل الماء، وهي معلقة بجنازير صغيرة مناسبة.
وقد أُدخلت في القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1999.

ــ صفات الناعورة:
ــ الناعورة عبارة عن دولاب كبير مصنوع من الخشب بارتفاع مقداره عشرة أمتار، وتدور بقوة المياه بشكل دائم، وتكون مجهزة بأوعية معلقة حول إطارها الكبير، فتغرف الماء عند دورانها من النهر، ثم ترتفع الأوعية لتصب الماء في قناة ذات قناطر متعددة، وتسقى به البساتين والحقول، كما يصل الماء عبر أقنية خاصة إلى الحمامات وبعض الدور والجوامع والخانات والمقاهي.
ــ قديماً، كانت تمتلك مدينة حماة حوالي 116 ناعورة في بداية القرن السادس عشر، لم يبق منها سوى 19 ناعورة فقط داخل المدينة وناعورتان في قرية شيزر.
ــ يعود تاريخ صناعة النواعير إلى عهد الآراميين، وظلت هذه الصناعة مستمرة عبر الزمن، والناعورة تحتاج إلى إصلاح وتبديل أجزاء منها من مدة لأخرى، وما زال بعض المهنيين في حماة حتى الآن يمتلكون الخبرة الكبيرة في ذلك، وكانت تصنع من خشب الجوز على وجه التحديد.  وهناك منحوتات أثرية على شكل ناعورة كالآثار الموجودة بالقرب من قلعة شيزر. وكذلك وجدت العديد من اللوحات التي تمثل الناعورة أيضاً، مثل اللوحة الموجودة في متحف دمشق الوطني.  
ــ ذكرها عدد من الرجالة مثل ابن جبير وابن بطوطة، وكذلك فعل المؤرخ «أبي الفداء»، الذي كان ملكا على حماة فقد ذكرها في كتاباته أيضاَ.

ــ المعالم الأثرية الأخرى التي تمتاز بها مدينة حماة:
توجد في مدينة حماة الكثير من المظاهر الأثرية كالقلاع والقصور والمساجد والكنائس والحمامات والتكايا والأحياء القديمة والأسواق وغيرها، وكلها دلائل حية على التاريخ المزدهر الذي كانت تعيشه تلك المدينة على مر العصور.

- قلعة حماة:
 تقع وسط المدينة، وقد بنيت خلال القرن الثالث قبل الميلاد في عهد الملك «سلوقس» وهي من أقدم القلاع بنيت على تل كبير، يحيط بها خمدق مملوء بالمياه، وقد بني فوقه خمسة جسور، يمكن الوصول من خلالها إلى باب القلعة.
وقد دلّت التنقيبات الأثرية على أن المدينة تعود إلى الألف الخامس قبل الميلاد، وشهدت ازدهاراً كبيراً في الألف الأول ق. م حيث كانت عاصمة مملكة «حماث» الآرامية.

ــ الجامع الكبير:
 وكان يسمى الجامع الأعلى.
يقع في وسط المدينة، بني في بدايته كمعبداً رومانياً لآلهة «جوبيتر» ثم عدّل بالكامل إلى كاتدرائية، وقد حولها أبو عبيدة بن الجراح إلى جامع، ويعتبر من أقدم الجوامع في العالم.
ــ كذلك تمتلك مدينة حماة جوامع كثيرة منها: الجامع النوري، وكان يسمى الجامع الأدنى وجامع أبي الفداء الذي يقع في حي باب الجسر بناه أبو الفداء ملك حماة عام 726هـ، ويعرف باسم جامع الحيات بسبب وجود أعمدة منحوتة على شكل حية.
وهناك جامع السلطان، وقد بناه السلطان حسن شقيق الملك أبي الفداء.
وجامع الحسنين الذي يقع إلى الجنوب من القلعة، وقد بني في القرن الرابع الهجري.

ــ الكنائس في مدينة حماة:
ــ من أبرزها كنيسة حماة القديمة، فقد بنيت في العصر الآرامي، كما تدل اكتشافات القاعدة الحجرية لتمثال على هيئة أسد منحوت من الحجر البازلتي خلال أعمال الترميم التي جرت لبناء الكنيسة، وكانت عبارة عن معبد للإله الآرامي «حدد» ثم حولت إلى كنيسة خلال القرن الثالث الميلادي ومازالت مستخدمة حتى الآن.  
كذلك هناك كنيسة مار الياس وكنيسة جورجيوس وكنيسة يواكم وحنا وكنيسة السيدة العذراء وكلها تقع في منطقة محردة التابعة إلى محافظة حماة. كذلك كنيسة القديس جورجيوس - كفر بهم - محافظة حماة وكنيسة رقاد السيدة العذراء.
ــ كما تشتهر مدينة حماة بتعدد خاناتها، ومنها: خان اسعد باشا العظم، وخان رستم باشا، كذلك هناك خانات كثيرة بنيت في سوق الطويل مثل خان الحنة وخان الجمرك وخان الصحن.. وفي حي الحاضر الذي يقع وسط المدينة نجد خان برهان وخان عجيل.
ــ كلك تمتلك حماة العديد من الأسواق التاريخية، وأهمها: سوق المنصورية وسوق البرهان وسوق النحاسين وسوق الحدادين وسوق الجزماتية وغيرها.

ــ القصور:
ــ تمتلك مدينة حماة عدداً من القصور منها: قصر اسعد العظم الذي بناه اسعد باشا العظم وقد بني على مراحل عدة، تابع البناء ابن أخ أسعد باشا العظم وهو نصوح باشا وأتمه مؤيد العظم.
ويتألف من أربعة أقسام منها: الحرملك والسلاملك والحمام وقد حول القصر إلى متحف عام 1956.

ــ الحمامات:
في الربع الأول من هذا القرن، كان يوجد في حماه ستة عشر حماماً، ما زال بعضها قائماً حتى الآن، منها: حمام الدرويشية في محلة المرابط بناه بنو الأعوج، وحمام الأسعدية في سوق المنصورية، ويدعى أيضاً (بسوق الطويل) وقد بناه أسعد باشا العظم وحمام العثمانية في حي الطوافرة وحمام السلطان شمال جامع النوري بناه الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر، وكان حمامه الخاص به والحمام حالياً بحاجة إلى الترميم، وحمام المؤيدية ويقع في حي الطوافرة، وحمام الحلق الموجود في حي الدباغة، وحمام العبيسي في البارودية بناه المؤيد عماد الدين أبي الفداء.

أبواب حماة القديمة:
- حماة مثلها مثل أية مدينة سورية قديمة محاطة بسور كبير، ولها أبواب عدة منها: باب العدة ومكانه جنوبي القلعة، وسمي بذلك لإدخال عدة القتال منه إلى القلعة وباب النهر، وهو الباب المؤدي إلى نهر العاصي، والباب الغربي الذي يقع في القسم الغربي من السور، وباب المغارة يقع في الجراجمة، أما الباب القبلي فيقع في الجهة الجنوبية لسور المدينة وهناك باب العميان، وقد سمي بهذا الاسم لكثرة خروج العميان منه إلى سوق المنصورية لشراء حاجياتهم.