دعاوى قضائيَّة ضد مواقع التواصل الاجتماعي
مانويل باسكوال
ترجمة: فجر محمد
تواجه شبكات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة انحدارا هائلا. اذ تمت محاصرتها من قبل مجموعة من الدعاوى القضائية التي اقامها أفراد ومؤسسات تعليمية ومدعون عموم بتهمة الاضرار المتعمد بالصحة العقلية للشباب، وليس بسبب المحتوى الذي تسهم بنشره وحسب، بل لأن تصميم المنتج نفسه يسعى لإدمان الشباب للايقاع بهم في شراك مختلفة. فكلما زاد الوقت الذي يقضيه الأشخاص في الاتصال بالشاشة، زادت معه الفوائد الاقتصادية من الإعلان. ويرى المدعون بأن لهذه الحلقة المفرغة آثارا هائلة في الأطفال والمراهقين، الذين يعانون من الاكتئاب أو اضطرابات الأكل أو حتى الميول الانتحارية.
في الأخبار، أصيبت فتاة من ولاية يوتا تبلغ من العمر 16عاما بالهوس بجسدها بشكل كبير بعد أن أصبحت مدمنة على انستغرام لدرجة أنها بدأت تصاب بفقدان الشهية والشره المرضي.
ويقضي صبي من ولاية مشيغان عمره تسع سنوات ليالي طويلة في مشاهدة”يوتيوب وتيك توك”، حتى انتهى به الامر إلى تحميل صور مسيئة له لتنتشر بسرعة لاحقا. بينما تعاني فتاة من ولاية كونيتيكت تبلغ من العمر 11 عاما من إدمان شديد على انستغرام وسناب تشات قبل أن تقع فريسة الأرق والاكتئاب الذي يدفعها للانتحار.
هذه القضايا المروعة التي أبلغت عنها بلومبيرغ العام الماضي، هي من بين مئات الدعاوى القضائية الخاصة المرفوعة ضد الشبكات الاجتماعية مؤخرا.
إذ انضم مئتان منهم معا ضمن دعوى قضائية جماعية رفعت في المنطقة الشمالية من كاليفورنيا في آذار الماضي، متهمة شركات مواقع ميتا وانستغرام وسناب تشات وتك توك ويوتيوب بإلحاق ضرر خطير بالصحة العقلية للشباب الأميركان.
ومن المقرر أن تحسم المحكمة الأميركية العليا بإمضاء الدعوى أو رفضها.
تم الاتصال بشركات التكنولوجيا الأربع للاستعلام عن موقفها من هذه العملية. لكنها رفضت التعليق على الدعوى القضائية تحديدا، باستثناء التأكيد على أن مسؤوليها يتخذون خطوات لتعزيز التحكم في المحتوى بمستوى أكثر فعالية.
ويشير انتيجون ديفيس؛ المدير العالمي لامن ميتا؛ إلى تطوير أكثر من 30 وسيلة لدعم المراهقين وعائلاتهم، بما في ذلك الميزات التي تسمح للآباء بتحديد الوقت والمدة التي يمكن لأطفالهم استخدام انستغرام.
وتوصلت الشركة التي يقودها مارك زوكربيرج إلى تسوية خارج المحكمة لتعويض مستخدمي فيس بوك الذين تم تسريب بياناتهم إلى كمبرج أناليتيكا (شركة خاصة تعمل على الجمع بين استخراج البيانات، وتحليلها ثم الوصول لاستنتاجات عند العمليات الانتخابية - المترجمة) التي أنشئت عام 2013 كفرع من الشركة البريطانية الأم مجموعة (أس سي أل) المشاركة والحاضرة في السياسة الأميركية.
(وكانت قيمة التعويض 725 مليون دولار.
تسونامي دعاوى
يقود جوزيف فانزاندت، من شركة بيزلي ألين القانونية، الدعوى الجماعية.
ويقول فانزاندت: “كل شيء بدءا من طريقة عرض مقاطع الفيديو والمنشورات وترتيبها، إلى تصميم الايقونات ووضعها، مصممة لتعزيز الإدمان والحفاظ على عودة المستخدمين إلى المنصة مراراوتكرارا”.
“بالإضافة إلى تصميم الشبكات الاجتماعية نفسها، يؤثر الطلب على كيفية عمل خوارزميات الأنظمة الأساسية. لقد تم تصميم تلك الشبكات لجذب اكبر للمحتوى الذي يزيد من التفاعلات والمشاركة على المنصة.
كما يؤكد فانزاندت ان كل ذلك يهدف زيادة عائدات الإعلانات.
ويوضح انه لاختبار هذا الامر يجري العمل مع شبكة واسعة من الخبراء لمناقشة كيفية عمل “سبرنغ وورك” (مشروع لاستدعاء واجهات برمجة التطبيقات نيابة عن المستخدمين المترجمة).
فضلا عن تأثير الشبكات على الشباب. وهم واثقون من قدرتهم على إثبات تعرض الزبائن للأذى بسبب هذه الخدمات كما يؤكد فانزاندت “.
كانت الحالة الأولى التي قبلها فريق فانزاندت هي بريانا موردين، البالغة من العمر 21 عاما التي بدأت باستخدام الشبكات الاجتماعية في سن العاشرة.
“وبعد سنوات من التعرض للمحتوى من مختلف المنصات التي اختارتها الخوارزميات، تعرضت لسيل من الإشعارات على مدار الساعة، فأصيبت بعدها بالاكتئاب، والأرق، واضطرابات الأكل، فضلا عن مشكلات أخرى.
منتصف العام الماضي، رفع عدد من الأفراد دعوى قضائية ضد ميتا ومنصات أخرى. وبعد أسابيع، تلقى مكتب فانزاندت العشرات من الالتماسات المماثلة. وقد حدث الشيء ذاته في مكاتب أخرى. وسرعان ما تحول سيل تلك الدعاوى القضائية إلى تسونامي لا يتوقف. ثم تقرر رفع دعوى قضائية جماعية مطلع هذا العام من قبل مدارس سياتل العامة ضد (تيك توك وفيسبوك وانستغرام ويوتيوب وسناب تشات)، وقد اتهمت المدارس تلك المواقع بتدمير الصحة العقلية للمراهقين.
وهي المرة الأولى التي تتخذ فيها مؤسسة عامة إجراءات قانونية ضد الشبكات الاجتماعية.
وبعد سياتل اتخذت مؤسسات في ولايات اخرى اجراءات مماثلة،بحسب جيم ستاير، رئيس منظمة “كومن سينس ميديا” غير الحكومية المعروفة تقوم بتقييم تأثير التكنولوجيا والإعلام على الأطفال، مضيفا: “يبدو أن الشبكات الاجتماعية ستواجه دعاوى قضائية في عموم الولايات الأميركية”.
ويناقش موجز الدعوى المقدمة من مدارس سياتل، التي تمثل أكثر من 100 مدرسة وتضم 50 الف طالب تقريبا أن خوارزميات هذه المنصات تُظهر محتوى ضارا وتتسبب بتأثيرات عاطفية سيئة.
ويقال أيضا إن ضحايا الشبكات الاجتماعية الذين يعانون من “إدمان شديد” يمكن أن يتأثروا “بمشكلات عقلية وجسدية”.
وتقول الدعوى المقامة ضد تلك الشبكات أن المدارس غير قادرة على تعليم الأطفال بشكل صحيح بسبب إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وضاعفاتها، ويوضح غريغ نارفر، رئيس القسم القانوني في المؤسسة التعليمية ان هناك مطالبات بمحاسبة هذه الشركات على أفعالها والأضرار التي
تسببها.
ليس فقط للطلاب، بل وحتى لمدارس سياتل بشكل عام، التي يتعين عليها تحمل تكاليف أزمة الصحة العقلية هذه.
وتشمل تعيين علماء نفس، وتدريب خاص للمدرسين، وتحديث الكتب المدرسية، وإعادة الممتلكات التي تضررت من قبل الطلاب “المضطربين شعوريا”.
فيل محبوس
يلفت تقرير حديث صادر عن وكالة الصحة العامة في البلاد إلى أن “الصحة العقلية للطلاب مستمرة في التدهور”، وأن الكثير منهم يشعر بالسوء أو اليأس لدرجة أنهم لا يستطيعون القيام بأنشطتهم اليومية بشكل طبيعي.
وتستند الدعاوى الجماعية إلى العشرات من المقالات العلمية التي تثبت العلاقة بين الاستخدام المكثف للشبكات الاجتماعية وبعض المشكلات العقلية مثل القلق والاكتئاب والأرق واضطرابات الأكل أو التنمر عبر الإنترنت إلى إيذاء النفس والانتحار.
وكانت محكمة بريطانية قد قضت العام الماضي لأول مرة بأن شبكات التواصل الاجتماعي تقف وراء انتحار إمرأة شابة.
ولذلك قررت ولاية يوتا، التي يحكمها الجمهوري “سبنسر كوكس”، تقييد استخدام الشبكات الاجتماعية بين القاصرين، الذين سيحتاجون إلى موافقة الوالدين لاستخدامها، وكذلك أوقفت تفعيلها بين الساعة العاشرة والنصف مساء والسادسة والنصف صباحا.
لسنوات عديدة كان هناك تجاهل لتأثير المنصات على الصحة العقلية. لقد كان أشبه بفيل محبوس غرفة ثم انطلق فجأة إلى الخارج، بحسب تعبير فرانسيس هوغين، الموظفة السابقة في فيسبوك التي سربت مئات الوثائق الرسمية إلى صحيفة وول ستريت جورنال وأثارت أحد أكبر التحقيقات الصحفية، ونُشرت في ايلول 2021.
وأظهرت الوثائق أن المديرين الفنيين للشركة كانوا على دراية بأن خوارزميات فيسبوك وانستغرام تنشر فقدان الشهية أو حتى الأفكار الانتحارية بين المراهقين، وخاصة الفتيات.
ووفقا لبحث خاص بشركتي فيسبوك وانستغرام، فأن ستة بالمئة من المراهقين الأميركان و13 بالمئة من نظرائهم البريطانيين قالوا إنهم فكروا في الانتحار مندفعين بمنشورات إحدى الشركتين المذكورتين.
في إشارة إلى أوراق هوجين يعترف نارفر بالقول: “نتوقع أن تكون قضيتنا مبررة إلى حد كبير، من خلال وثائق المتهمين الخاصة وشهادة الموظفين الذين تركوا العمل لدى المنصات”.
ويبين فانزاندت “لقد كانت هوغين هي شرارة الموضوع”، مشددا على أنها ساعدت على تحديد حجم المشكلة، ما جعل الأسرة تتفهم ما يحدث لابنائها.
بالنسبة للمحامي الأميركي، فإن موجة الدعاوى القضائية ضد الشبكات الاجتماعية تشبه تلك التي واجهتها شركات التبغ خلال التسعينيات.
ويبدو أن الوثائق التي كشفت عنها هيوجين تشير إلى أن المسؤولين التنفيذيين في فيسبوك يعلمون مدى الأضرار التي تسببها محتويات الموقع.
عملية معقدة
ويتساءل سيرجيو خوان كريكس، المحامي والخبير في القانون الرقمي وأستاذ جامعة أوكلاهوما عن مدى نجاح الدعاوى المقامة ضد الشركات الكبرى.
وهو لا يعرف مدى الاهمية القانونية لما يحصل ولكنه يعتقد ان ما حدث كان بمثابة لحظة وعي لخطورة محتويات تلك المواقع.
ولغاية اليوم ما زال تصميم تلك الشبكات الاجتماعية في ايدي الشركات الخاصة.
ما يعني تاثيرها في الصحة العقلية. لذلك لا بد من تصحيح المسار.
ويوضح كريكس أن أحد مفاتيح القضية هو معرفة ما إذا كانت المحكمة العليا ترى أن المنصات يمكنها الاستفادة من المادة 230 من قانون آداب الاتصالات لعام 1996، والذي يعفي شركات التكنولوجيا من المسؤولية عن المحتوى المنشور عليها بواسطة طرف ثالث.
بينما يرى رودريغو سيتينا، أستاذ القانون في كلية برشلونة للإدارة، كلية إدارة الأعمال بجامعة بومبيو فابرا انه ليس من السهل اثبات وجود صلة بين ميزات المنصة والأنشطة التي تتيحها والضرر الذي يلحق بالصحة العقلية للشباب.
عن صحيفة إلباييس الإسبانية