عبد الزهرة محمد الهنداوي
يلاحظ المراقب وجود تراجع في معدلات النمو السنوية للسكان في العراق، وقد يكون هذا الأمر حالة عامة تشمل أغلب بلدان العالم، نتيجة اتخاذ الكثير من السياسات والإجراءات بغية تغيير الصورة القاتمة التي تنتظر البشرية بعد مئة عام لو استمر السكان يتكاثرون بهذا المستوى.
ولكن على الرغم من تراجع النمو السكاني، وانخفاض نسبة الخصوبة لدى النساء لدينا، الأمر الذي دفع بالعراق إلى ترك موقعه بين البلدان (عالية النمو جدا) إلى أخذ مقعده بين (87) دولة في العالم تسمى (عالية النمو)، أقول رغم هذا التراجع (الطفيف) إلا أن الزيادات السنوية للسكان ما زالت مرتفعة، إذ تشير أرقام وزارة الصحة إلى تسجيل نحو (1.3) مليون ولادة في العام الماضي، وهو رقم ليس بالقليل، مقابل انخفاض معدلات الوفيات، وارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة بين النساء والرجال، ولكن أجد مع هذه الزيادة العالية إلى حد ما أنها تبدو طبيعية، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن أكثر من نصف السكان هم في سن الزواج، التي تفترض أن عدد الولادات يبلغ ثلاثة أضعاف المُسجّل حاليا، وعند ذاك يمكننا أن نصف ما يحدث بـ(الانفجار السكاني).
مقابل ذلك وبصرف النظر عن توصيف النمو السكاني، إن كان يمثل زيادات طبيعية أم يدخل في خانة الانفجار، فإن الأمر بحاجة إلى سياسة سكانية بعيدة المدى، تتبناها الحكومة، وتتولى مؤسساتها كافة تنفيذها، وصولا لاستيعاب حجم السكان وتحويل الزيادات إلى محركات تنموية وليست أعباءً اقتصادية، ومثل هذه السياسة، ينبغي لها أن تغطي جميع الشرائح العمرية من الطفل إلى الكهل، ولا تغفل أي قطاع أو مفصل من قطاعات التنمية ومفاصل الحياة كافة، من الغذاء والدخل والتشغيل، والفقر والبطالة، إلى السكن، والتعليم، والصحة، والطرق، والماء والكهرباء والمجاري، والتغييرات المناخية، وكل تلك السياسات تتطلب وضعها وفقا لصورة الفجوات على مستوى كل قطاع من قطاعات التنمية.
وقد توجهت الحكومة فعلا نحو وضع مثل هذه السياسة السكانية، لتكون موجهة لإجراءات مؤسساتها كافة، ولكن تنفيذها بحاجة إلى جهود كبيرة، يشترك بها الجميع من دون استثناء لتحقيق أهدافها، وبخلاف ذلك، فإن الصورة تبدو قاتمة جدا، وتنذر بالكثير من التداعيات غير محمودة العواقب.