اليخاندرو دي لاغارزا*
ترجمة: أنيس الصفار
ترسل الحرائق الكبيرة التي اندلعت في مناطق شرق كندا أعمدة هائلة من الدخان زاحفة عبر الحدود لتكتنف آلاف الأميال المربعة في شمال شرق الولايات المتحدة وأعالي الغرب الأوسط وتحجب السماء بغمامة ممتدة من ويسكونسن إلى منيسوتا ثم نيويورك.ففي أقليم كويبك تستعر حالياً مئات الحرائق خارج نطاق السيطرة، رغم أن السلطات قد أفلحت في السيطرة على حريقين مشتعلين في "نوفا سكوتيا".
كل ذلك الدخان ليس مجرد ازعاج ومضايقة بل هو خطر صحي صريح، لذا حفزت السحب الآخذة بالانتشار واسعاً الجهات الحكومية المسؤولة عن إطلاق تحذيرات تتعلق بجودة الهواء وصلاحيته من الناحية الصحية.
أجسامنا مزودة بوسائل دفاعية، مثل شعر الأنف، مصممة لمنع دخول الدقائق الغريبة إلى رئاتنا عند التنفس، بيد أن جسيمات "PM2.5" لها من دقة الحجم ما يمكنها من تخطي تلك الحواجز والوصول إلى الرئتين والاستقرار فيهما، وهذا هو مصدر القلق من تلك الدقائق بشكل خاص.
من مكانها ذاك قد تتمكن الدقائق من الدخول إلى مجرى الدم، وهذا ينطوي على احتمالات تخريب أجزاء أخرى من الجسم مستقبلاً.
هذا هو السبب في إطلاق التحذيرات بخصوص جودة الهواء لتوعية السكان وتنبيههم إلى ضرورة البقاء في منازلهم عند ارتفاع مستويات "PM2.5"، مع التأكيد بشكل خاص على ضرورة الحرائق خارج نطاق السيطرة، ولو ان السلطات قد تمكنت من احتواء حريقين اندلعا في منطقة "نوفا سكوتيا". كل هذا الدخان ليس مجرد ازعاج ومضايقة بل هو خطر صحي صريح، لذا حفزت السحب الآخذة بالانتشار واسعاً الجهات الحكومية المسؤولة على إطلاق التحذيرات المتعلقة بجودة الهواء وصلاحيته من الناحية الصحية.
دقائق "PM2.5"
تنتج حرائق البراري المستمرة انواعاً كثيرة من الجسيمات والدقائق المختلفة، والعديد من هذه ليست في صالح صحتك. بيد أن ما يشغل بال السلطات الصحية والباحثين أغلب الوقت ويقلقهم هي تلك التي تقل أقطارها عن 2,5 مايكرومتر، والتي يرمز اليها بـ "PM2.5"، ولغرض المقارنة نذكر أن شعرة الانسان يتراوح قطرها بين 17 و180 مايكرومتر.
الامتناع عن ممارسة التمارين الرياضية في الخارج تحت مثل هذه الظروف للحد من كمية دقائق "PM2.5" التي يستنشقونها إلى أعماق رئاتهم.
هذا الأمر له اهمية خاصة في حالة الأطفال وكبار السن ومن يعانون اصلاً من مشاكل في القلب او الرئتين.
التعرض لمثل تلك الدقائق على المدى القصير يمكن أن يسبب تهيجاً في العينين والحنجرة والأنف والرئتين، كما يمكن أن يسبب السعال والعطاس او الشعور بضيق في التنفس. الدقائق المذكورة قادرة ايضاً على التسبب بتأثيرات أشد خطورة، مثل تحفيز نوبات الربو، وتظهر الدراسات أن مستويات "PM2.5" حين تزداد تتجه حالات الاصابة بالامراض القلبية والرئوية نحو الازدياد هي الاخرى.
التعرض على المدى الطويل
اما التعرض على المدى الطويل لدقائق "PM2.5"، على نحو ما يحدث لسكان المدن في أجواء الضباب الدخاني، فله مخاطره الخاصة، حيث ثبت أنه يعيق نمو الرئة عند الاطفال كما يمكن ان يرفع خطر الاصابة بسرطان الرئة او امراض القلب.
لذا ينطوي التعرض طويل الأمد لدقائق "PM2.5" على ارتفاع خطر الوفاة بالنسبة للاشخاص الذين يعانون من أمراض القلب او الرئتين المزمنة.
تعد دقائق "PM2.5" مصدر قلق جدي على الصحة العامة في مختلف انحاء العالم، وفي الولايات المتحدة فرض المشرعون ضوابط تحد من تعرض الناس لها، لاسيما وكالة حماية البيئة الأميركية، وكانت نتيجة ذلك اتخاذ اجراءات مشددة ادت بالفعل إلى خفض مستويات "PM2.5".
الاستثناء الوحيد لذلك كان دقائق "PM2.5" التي مصدرها حرائق الغابات، فرغم انخفاض مستويات هذه الدقائق على مستوى البلاد عموماً أدت حرائق الغابات إلى حدوث ارتفاع اجمالي في مستويات "PM2.5" في مناطق شمال غرب الولايات المتحدة المعرضة خصوصاً لهذ النوع من الحرائق.
التلوث الناجم عن حرائق الغابات، مثل ذلك الذي شهدته مناطق واسعة من الولايات المتحدة مؤخراً، مهيأة للتصاعد على مدى السنوات المقبلة بسبب تغيرات المناخ التي خلقت ظروفاً أكثر سخونة واشد جفافاً وجعلت حرائق الغابات أكثر احتمالاً.
دخان حرائق الغابات هو الأخطر
لا تفرق معايير جودة الهواء عادة بين دقائق "PM2.5" المختلفة على اساس المصادر التي جاءت منها، ولكن ثمة ادلة مقلقة تشير إلى أن تلك التي مصدرها حرائق الغابات تكون أكثر خطورة من مثيلاتها المتأتية من مصادر التلوث الاخرى. جاء هذا الدليل من دراسة أولية اجريت على الفئران، ولم يتيقن الباحثون بعد من اسباب هذا التأثير، ولو أنهم يعتقدون أن للأمر علاقة محتملة بالخصائص الكيميائية لدخان حرائق الغابات التي تتسبب بالتهابات اشد وتراكم للسموم في الرئتين.
ما قلناه قد لا يكون مبعث راحة لملايين الاشخاص الذين تأثروا بدخان حرائق الغابات الكندية الأخيرة، ولكن افضل ما ننصحهم به هو أن يعوا حقيقة الخطر ويبقوا متابعين للتحديثات والارشادات التي تصدرها السلطات الصحية المحلية بشأن أفضل الطرق لحماية صحة عوائلهم واحبتهم. فإذا ما قال المسؤولون المحليون أن من الأفضل المكوث في المنزل وجب الالتزام بذلك وابقاء الأبواب والنوافذ مغلقة للمساعدة في درء التلوث ومنعه من الدخول. اجهزة تنقية الهواء المنزلية يمكن أن تكون مفيدة ايضاً في هذه الحالة، واذا ما اضطر المرء إلى الخروج فإن ارتداء الكمامة الواقية سيكون فكرة سديدة لحماية
نفسه.
*عن مجلة تايم