الدفعُ الالكتروني يسهمُ بإشاعة الأمان والشفافيَّة
فجر محمد
على الرغم من اختصارها للوقت والجهد، إلا أن الحاج ايوب فاضل ما زال مرتبكا بشأن تجربة الدفع الالكتروني، عندما كان يرافق ولده البكر نجاح، في إحدى محطات الوقود، إذ بدا المشهد غريبا على الحاج نوعا ما، لاعتياده على التعامل الورقي. فإن وجود الجهاز الآلي ودفع مستحقات البنزين فيه، يعد تجربة جديدة غير مسبوقة للحاج أيوب. يتجه العراق اليوم نحو إشاعة ثقافة الدفع الالكتروني، وتقليل استخدام العملات الورقية، وهذا الأمر بالتأكيد يتطلب أولا ثقافة الكترونية، من ثم بنية تحتيَّة رصينة لضمان نجاحه. لذلك أوعز مجلس الوزراء إلى المصارف المجازة، أن تقوم بنشر خدمة التحصيل الالكتروني واستخدام أجهزة الدفع POS، ويتم هذا الأمر عن طريق رخص وأنظمة، وبرامج تدير أجهزة نقاط البيع في العراق، وفق ضوابط وتعليمات توضع من قبل البنك المعني.
حداثة وتطور
تعتقد الشابة أسيل يوسف أن هذه الخطوة، جاءت متأخرة نوعا ما، فمن وجهة نظرها أن التجارة الالكترونية واستخدام بطاقات الماستر كارد، والائتمان هي لغة العصر ووسيلة لمواكبة الحداثة والتطور ومختلف التقنيات، وتقول أسيل “أغلب الدول المتقدمة اتخذت هذا النهج منذ أعوام طويلة، فهي تضمن المصداقية والشفافية في التعامل، بفضل البرامج المصممة والرصينة، التي تضمن عملية تبادل صحيحة وبأخطاء قليلة جدا”.
في وقت سابق أعلنت وزارة المالية اجراءات لاعتماد أنظمة نقاط البيع الالكتروني، في مختلف القطاعات الاقتصادية عبر تحديد مجموعة من التسهيلات، التي تدعم توسيع التغطية اللازمة لهذه الاجهزة، وبالتالي ستقلل من التداول النقدي التقليدي وتحافظ على الأموال أكثر.
وترى المالية أن قرار نشر الأجهزة ينسجم مع قرارات الحكومة، لغرض السيطرة على إدارة الأموال وتطوير القطاع المصرفي، فضلا عن شركات الدفع الالكتروني.
ومن الجدير بالذكر أن هناك مجموعة من الأسس والمعايير والبنى التحتية، سيتم تحديدها بهدف الوصول إلى تقليل التعامل الورقي.
تنمية الاقتصاد
يرى الأكاديمي في كلية الرافدين الدكتور سامر سعيد، أن التعامل مع الاجهزة الذكية، لم يعد أمرا صعبا، خصوصا في ظل انتشار الهواتف المحمولة، ومواقع ووسائل الاتصال الاجتماعي، وهذا بالتأكيد سيسهم ويساعد بانتشار ثقافة الدفع الالكتروني، ويوضح سعيد أن استخدام هذه الآلية في التعاملات اليومية سيسرّع من نسب الانجاز، فضلا عن الحفاظ على الأموال.
ويعتقد سعيد أن نجاح هذه الآلية، يجب أن يكون مقرونا بانتشار هذه الخدمة في جميع مناطق البلاد، أي لا تقتصر على مكان محدد، ومن الجدير بالذكر أن لهذه الخدمة الرقمية ايجابياتٍ متعددةً، منها تقليل حالات السرقة والتزوير، والحفاظ على العملات الورقية.
غالبا ما يثني الخبراء على خدمة التعامل الرقمي، ويعدونه خطوة ايجابية لتحقيق العديد من الانجازات في مختلف قطاعات الدولة، إذ يرى المهندس المدني الدكتور سنان جعفر أن ثقافة الدفع الالكتروني ليست بالمستحدثة، لأن دول العالم المتقدمة سبقتنا بخطوات في هذا الجانب، وهذا ساعدها على ضبط المعاملات اكثر، لا سيما ما بين المواطنين والجهات المختلفة في الدولة، منها المؤسسات والشركات، بالتالي تصبح تلك التعاملات تحت السيطرة ومكشوفة أكثر.
ويوضح جعفر أن هذه التوجهات من شأنها أن تساعد على تنمية الاقتصاد، خصوصا عندما تتحول عمليات البيع والشراء إلى رقمية، بالتالي يصبح الجانب الاقتصادي أكثر وضوحًا وشفافية.
وفي دول العالم المتقدمة تكون الحسابات المصرفية والمالية معروفة للجهات ذات العلاقة، اذ يسمح للمواطنين بالاحتفاظ بمبالغ معينة، في بطاقاتهم المصرفية، واذا زادت عن الحد المسموح، يتعرض الشخص إلى المساءلة عن مصدر تلك الأموال.
غسل الأموال
يلفت الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور رياض مالك محسن، إلى أن التحول نحو التعاملات الرقمية سيعود بالفائدة أولا على المواطن، لأنه سيغنيه عن حمل الكتلة النقدية، وبالتالي سيحافظ على أمواله من التلف والضياع، كما سيمنحه فرصة تسديد كل ما عليه من مستحقات للجمرك أو المرور أو الكهرباء وغيرها من المؤسسات الكترونيا، فضلا عن أن اهمية التحول إلى التعامل الرقمي يتميز بعدة إيجابيات، ومنها اختصار الوقت والجهد لكل من المواطن والمؤسسة المعنية، ويوضح محسن أن التعامل الرقمي سيتيح للجهات المعنية التعرف والتصرف بالكتلة النقدية، اضافة إلى ذلك فإن هذه الآلية، قد تساعد المواطن اذا ما تعرض إلى أزمة أو مشكلة أو خطف، حيث بالإمكان تتبع مساره من آخر مكان قام بسحب الاموال منه، وبالتالي انقاذه.
ويعتقد محسن أن التعامل الرقمي، ربما يسيطر على جرائم غسل الاموال ويحد منها، من خلال تعقبها، وإلى أين تذهب ومن الجهات المستفيدة منها.
خطوةٌ مشجعة
تشجع الأكاديمية والمختصة بإدارة الأعمال الدكتورة هدى هادي حسن خطوات التحول نحو التعامل الرقمي، وترى أن أولى تلك الخطوات للسير نحو نظام الدفع الالكتروني في العراق، كانت من خلال توطين رواتب الموظفين، الذي امتد أثره للقطاع الخاص أيضا.
إذ إن الحكومة العراقية تهدف من خلال هذه الخطوة إلى سحب الكتلة النقدية المتداولة والاستفادة منها في تمويل المشاريع الاستثمارية، فضلا عن البنى التحتية.
كذلك يعد هذا النظام عند تطبيقه أداة إصلاح للاقتصاد، ومكافحة الفساد المالي والاداري داخل المؤسسات.
لافتة، إلى أن هذه الآلية الجديدة ستسمح للشركات بتجاوز المسافات في ما بينها، حيث إن الدفع الالكتروني سيفسح المجال للشركات والأنشطة الاقتصادية، بالتوسع والانتشار في ما لو تمَّ تطبيقه بالشكل الصحيح، كما أنه سيقلص القيود وينشط الاقتصاد، اذ يقوم بفتح باب للتجارة الالكترونية أمام دول العالم أجمع، لتبادل الموارد والخدمات بحرية، بعيدًا عن القيود الاقتصادية المفروضة على الدول، التي من شأنها أن تعيق حركة التجارة بين هذه الدول، كما أنها تسعى إلى تقليص الضرائب المترتبة على حركات النقل والاستيراد.
دعمٌ تقني
عندما يحاول مجتمع ما الانتقال بتعاملاته اليومية من الورقي التقليدي إلى الالكتروني، بالتأكيد سيحتاج إلى حزمة من الاجراءات، ومنها ما أشار إليها الدكتور سنان جعفر، وهي استشارة ذوي الاختصاص والحصول على الدعم التقني من المؤسسات الرصينة الموثوقة، لافتا إلى أن أي مشروع جديد بالتأكيد سيواجه تحديات، ولكن التعاملات الالكترونية، ليست بغريبة على المجتمع، ومن الممكن أن تصبح في غضون سنوات أمرا شائعا ولا يشكل أي تحد.
أزمة ثقة
ويبين الدكتور رياض مالك محسن أنه نظرًا للعلاقة المتوترة، التي تربط المواطن والمصارف، وأزمة الثقة بينهما فإن هذا الأمر دفع أغلبية المواطنين إلى الاحتفاظ بأموالهم داخل المنازل، ومنهم من وضعها في شركات الاستثمار أو الصيرفة، لذا لا بدَّ من استعادة الثقة بين المصارف والمواطنين، كي تنجح الآلية الرقمية.
بينما تنوه الاكاديمية الدكتورة هدى هادي حسن، بوجود عدة معوقات قد تعترض هذه الآلية، منها وجود القيود على خدمات الشحن والتوصيل، ففي الحقيقة لا توجد في العراق شركات أو مكاتب شحن يمكنها استيعاب الكم الهائل من الموارد، التي يمكن أن تتدفّق في حال تمَّ تفعيل نظام التجارة الإلكترونية، وذلك نظرًا للقيود المفروضة على النظام الاقتصادي العراقي، الذي يمنع عنه دخول الكثير من المواد إلى الأسواق، كما أوضحت أن لثقافة السكان دورا في إنجاح هذه الآلية، إذ إن خبرتهم بمزايا الدفع الإلكتروني قليلة جدا، لأنهم يعتمدون إلى حدٍ كبيرٍ على أنظمة الدفع التقليدية في جميع جوانب حياتهم، كما أنهم لا يثقون بالدفع الرقمي، خوفًا من عمليات النصب والاحتيال، التي تتم عبره، مع الإشارة إلى انعدام الأمن الالكتروني، حيث إن العراق من الدول التي لا يوجد فيه أمن الكتروني كاف، يضاف إلى كل ما سبق هناك ضعف بالمؤهلات والبنى التحتية، حيث لا نمتلك أرضية قوية ومناسبة يمكن الانطلاق منها لتعميم التجارة الإلكترونية، والتحول إلى اقتصاد رقمي تختفي فيه الأوراق المالية كليًا، علاوةً على ذلك فإن شبكات الاتصالات والإنترنت ضعيفة جدًا، ولا يمكنها تحمّل كل الضغط، الذي يمكن أن يفرضه نظام الدفع الرقمي.