كوارث طبيعيَّة وراء مثلث برمودا

بانوراما 2023/06/20
...

 هيلاري مايل
 ترجمة: شيماء ميران

قبل ثمانين عاما تقريبا، وفي يوم مشمس، أقلعت خمس طائرات تابعة للبحرية من قاعدتها في فلوريدا في مهمة تدريب روتينية، تعرف بالرحلة (19). وفجأة فقد أثر الطائرات وطواقمها ولم تشاهد مرة أخرى. ومن هنا جاءت أسطورة مثلث برمودا، ولم يحتفظ أحد بالإحصاءات، لكن خلال القرن الماضي، اختفت الكثير من السفن والطائرات فيه دون اي أثر. وقد لوحظ في الماضي بعض الميزات غير العادية للمنطقة. إذ تضمنت ذلك كتابات "كريستوفر كولومبوس" عن اتجاهات البوصلة الغريبة فيها. وحتى آب 1964 لم تحصل المنطقة على اسمها، حتى وضع "فينسينت جاديس" مصطلح مثلث برمودا على غلاف قصة لمجلة "ارغوسي- Argosy" تدور حول اختفاء الرحلة 19، محفزا لتأليف القصص عن صناعة الأساطير.
تُعزى حالات الاختفاء إلى عدة افتراضات مثل هجوم وحوش البحر الضخمة او الحبار العملاق او الاختطاف من قبل كائنات فضائية، او وجود بُعد ثالث غامض اوجدته كائنات غير معروفة، أو انتفاخ المحيط الذي يقذف فجأة كميات كبيرة من الميثان المحصور. يوضح الكثيرون بأن الطبيعة احيانا، والخطأ البشري في التصميم، وقد يكون مجرد سوء حظ معين هو ما يفسر حالات الاختفاء تلك. يقول "جون ريلي"، مؤرخ البحرية الاميركية: "ان الرحلات عبر المنطقة كثيرة، وكانت مفترق طرق مزدحم منذ الايام الاولى للاستكشاف الاوروبي"، أما الملازم "أم راسل"، فقد كتب في الرد الرسمي لخفر السواحل الاميركي عن استفسارات حول مثلث برمودا: "إن تجربتنا عن قوى الطبيعة المشتركة وعدم القدرة البشرية على التنبؤ تتفوق على قصص الخيال العلمي عدة مرات سنويا".

اختفاء الرحلة 19
ستظل اسطورة مثلث برمودا مرتبطة إلى الأبد بتاريخ الخامس من كانون الاول 1945 للرحلة المشؤومة.
انطلقت الرحلة (19) من المحطة الجوية البحرية الاميركية الواقعة في فورت لودرديل بولاية فلوريدا، إذ اقلعت في الساعة الثانية وعشرة مساء تقريبا خمس طائرات قاذفة طوربيدات من طراز (تي بي أم افينجر) في مهمة تدريب ملاحية روتينية، بقيادة المدرب الملازم "تشارلز تايلور". كانت المهمة الطيران على طريق مثلث ثلاثي الاضلاع، مع بعض ممارسات القصف فوق شعاب المرجانية الضحلة "هين آند جكن- Hen and Chickens". وفُقد الامل بالعثور على الملازم "تايلور" بعد فترة قليلة من عملية القصف. إذ كان الطيارون آنذاك يعتمدون على البوصلة ومعرفة المدة والاتجاه والسرعة التي يحلقون بها فوق الماء قبل أن يصبح نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" مألوفا للملاحة. ويبدو أن البوصلتين في طائرة "تايلور" كانتا معطلتين، وتشير سجلات اتصالات الطيار إلى أنه لم يكن يرتدي ساعة، فضلا عن عدم وجود معالم وسط المحيط.
حلّقت الطائرات في اتجاه واحد ثم تحولت إلى اتجاه آخر، وكأن ضوء النهار المعتدل تحول إلى بحار عاصفة في الظلام.
سُمع عن تايلور وهو يضع خطة، انه بمجرد انخفاض مستوى وقود الطائرة الأولى إلى أقل من عشرة غالونات، فان جميع الطائرات الخمس ستهبط إلى البحر.
كانت طائرة "الافينجر" معروفة بقوتها. يوضح "مارك إيفانز"، المؤرخ في فرع تاريخ الطيران البحري في المركز التاريخي البحري، ان الطيارين احيانا يسمونها بـ"الطيور الحديدية". مضيفا: "لقد تم تصنيعها وكأنها دبابة، فكانت دائما تعود من المعركة وقد تعرضت لسيل من الاطلاقات النارية لكنها لا تزال تعمل، لذلك يفضلها الطيارون". كما كانت ثقيلة جدا، إذ تزن وهي فارغة  أكثر من (4535 كغم)، وحين تحط  "الافينجر" على سطح الماء تنزل بقوة وبسرعة، لذا فإن احتمالية بقاء أي شخص على قيد الحياة في البحار ضئيلة، وفرصة النجاة في الليل وسط المياه الباردة معدومة، واحتمالية نزول الحطام سريعا إلى القاع مرتفعة. ورغم عمليات البحث المكثفة برا وبحرا، لم يتم العثور لا على الجثث ولا الحطام. ما زاد من مأساوية الامر، اختفاء احدى طائرات الانقاذ، من طراز"مارتين بي بي إم مارينر" الملقبة بخزان الغاز الطائر، مع طاقمها المكون من ثلاثة عشر رجلا، إذ ان اي شرارة او عود كبريت مشتعل قد يُحدث فيها انفجار، اضافة إلى ابلاغ سفينة في المنطقة عن رؤية كرة نارية ضخمة وعبور بقعة زيت في الوقت والمكان لموقع الطائرة.  
جاء في تقرير البحرية النهائي أن سبب اختفاء الرحلة 19)) كان خطأ من الطيار. ما جعل عائلة "تايلور" تحتج على ذلك، وبعد عدة مراجعات تم تغيير الحكم إلى  عبارة (اسباب غير
معروفة).

مقبرة المحيط الأطلسي
تمتاز منطقة مثلث برمودا بصفات غير اعتيادية، فهي احد مكانين على الكرة الارضية، إذ يُطلق على الاخر اسم "بحر الشيطان" يقع قبالة الساحل الشرقي لليابان، ويتمتع بسمعة غامضة مشابهة، إذ يصطف فيه الشمال الحقيقي وشمال المغناطيس ما يجعل قراءة البوصلة غير صحيحة. كما تعد موطنا لبعض أعمق الخنادق تحت الماء في العالم، ويمكن ان يستقر الحطام في قبر مائي على عمق اميال تحت سطح المحيط. يبلغ عمق البحر في مثلث برمودا (5791 مترا)، وينخفض قرب الطريق الجنوبي له خندق بورتوريكو إلى (8229 مترا) تحت مستوى سطح البحر. بحسب خفر السواحل فانه يمكن العثور على الشعب المرجانية والمياه الضحلة على طول الجرف القاري. وأن تولد التيارات القوية فوقها باستمرار له مخاطر ملاحية جديدة، اضافة إلى الطقس. يقول "ديف فيت"، رئيس فرع التنبؤات البحرية في مركز التنبؤ البحري الأميركي: "أن أكبر مشكلات تلك المنطقة هي تعرضها عادة للاعاصير، لكنها ليست منطقة لتولدها".
ومع ذلك، اشار "فيت" إلى ان تيار الخليج يتحرك على طول الساحل الغربي للمثلث، ويشبه التيار نهرا يتراوح عرضه بين (64 إلى 80 كم) وسط المحيط الذي يدور شمال المحيط الاطلسي. ما يجعل المياه الدافئة والتيارات الثنائية تخلق انماطا مناخية تظل موصلة بداخلها.
يوضح "فيت": "ان كانت الظروف الجوية مناسبة، ستحصل على أمواج عالية بنحو غير متوقع.  فاذا كان ارتفاع الموجة ثمانية أقدام خارج تيار الخليج، فيمكن أن تكون أعلى مرتين أو حتى ثلاثة أضعاف. ويمكن للبحارة أحيانا التعرف على تيار الخليج من خلال السحب والعواصف الرعدية فوقه." كما يشير خفر السواحل إلى أن العواصف الكاريبية الأطلسية غير المتوقعة يمكن أن تسفر عن اندفاعات مائية تتسبب بكارثة للطيارين والبحارة. مع ان الاختيار بين فكرة مخالب الحبار العملاق المروعة ومصارعته سفينة مسالمة والتتسبب بغرقها إلى قاع البحر، او اختطاف اجنبي، او خطأ بشري، او الهندسة الرديئة، ومزاجية الطبيعة، يمكن لها جميعا مقاومة أسطورة مثلث برمودا.

عن موقع ناشينال جيوغرافيك