اغتيال زوجات الشعراء
باسم عبد الحميد حمودي
قبل أن يكون الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر وزوجته السيدة نفيسة محمد قنديل زميلين معي في مجلة (الأقلام) عام 1980، كنت على علاقة وطيدة بهما وهما في مصر يسكنان قرية (رملة الأنجب) التابعة لمحافظة المنوفية عن طريق صديقي أحمد المهدي الذي كنت أراسله منذ الخمسينات.
المهدي ابن خالة السيدة نفيسة وعن طريقه وما أكتب له عن نشاطاتي الثقافية، وأنا بعد في سني التكون عرف عفيفي ونفيسة كل شيء عني.. قبل أن أقرأ لعفيفي الشاعر الكبير في ستينات القرن الماضي، وقبل أن يزاملني في مجلة (الأقلام) منذ تشرين الأول عام 1980 عندما نسبت سكرتيرا لتحريرها.
كنت أجلس في غرفة مجاورة لغرفة رئيس التحرير طراد الكبيسي وتجلس معي السيدة نفيسة محمد قنديل زوجة الاستاذ عفيفي المتخصصة بالفلسفة والدراسات الاسلامية.
الغرفة الأكبر في المجلة كانت تضم محرري المجلة الأساتذة: محمد عفيفي مطر وغالب هلسا وخيري منصور وخليل الأسدي. كانت شقة (الأقلام) في الطابق الرابع من البناية التابعة إلى دار الجاحظ التي كان مديرها العام الاستاذ موفق خضر، وكان دار الجاحظ يجمع مجلات (الثقافة الأجنبية) و(المورد) و(الطليعة الأدبية)، وفي طابقين من ذات البناية تقع مديرية الثقافة العامة ومديرها الاستاذ سامي مهدي، وتضم مديرية التأليف والترجمة والنشر، ومديرها يومذاك الكاتب محمد شمسي ثم الكاتب ماجد اسد.
بعد وفاة المرحوم موفق عام 1981 أعيد تشكيل المديرية العامة للثقافة بدمج دار الجاحظ بها..حتى تم عام 1986 دمج دار آفاق عربية بالشؤون الثقافية لننتقل بمجلاتنا واقسام الدار من بنايتها في منطقة الشورجة إلى بناية(آفاق) الجميلة، التي صار مديرها العام الدكتور محسن جاسم الموسوي.
كانت غرفة المحررين: عفيفي ومنصور وخليل وغالب مركز اجتماعاتنا الدائم مع الأدباء والكتاب الزوار، وكانت السيدة زينب منتصر (التي غادرت الأقلام وبغداد) جزءا من فاعلية النقاش الثقافي اليومي قبل مغادرتها العراق، لكن السيدة نفيسة لم تكن تحضر النقاشات مكتفية بمجلسها الخاص.
ربما لا يهم القارئ كثيرا القول أن السيدة زينب منتصر هي شقيقة الفنانة المهمة سهير المرشدي التي كانت مقيمة في العراق مع زوجها الفنان الكبير كرم مطاوع بسبب رفضهما قرار التطبيع وأن الاستاذ مطاوع وزوجته الفنانة المرشدي، كانا بطلي مسلسل إذاعي كتبته بعنوان (الف ليلة وليلة) وأخرجه عبد الحميد عمر مخرج الدراميات الشهير في قنوات ماسبيرو الأذاعية في مصر، واننا كنا نعقد جلسات قراءة في بيت مطاوع قبل التجسيد الاذاعي وقد قمت بتعديل النص بناء على مقترح مطاوع لإعطاء مساحة لتجسيد عذابات الملك شهريار، (التي جسدها مطاوع إذاعيا)، وهو يقوم بالقتل المستمر حتى أوقفته شهرزاد بحكاياتها عن الاستمرار في جرائمه.
كان (الدواء) هو الـ (القص) وهو رواية وقائع ساحرة لملوك وجان وأخيلة وبحار ومصائر وعشق وخيانات واشكال وفاء كثيرة، جسدتها تلك الحكايات العجيبة، التي احببتها شخصيا منذ الصغر، وسميت ابنتي الكبرى على اسم راوية الحكايات الجليلة.
أردت القول أيضا إن الاستاذ سعد المسعودي عام 1979 وهو عام انتاج هذا المسلسل كان أحد شباب المخرجين في أاذاعة بغداد، وأنه عمل مساعدا لاخراج المسلسل وطار به إلى استديوهات مونت كارلو بعد هذا وبثه كاملا في موسم رمضاني.
وأردت القول (وعلى الهامش) إن الأعلامي المصري أحمد عز الدين، كان يعمل معي في الإذاعة، وكانت والدته رحمها الله، قد زارت بغداد من أجله وهي شقيقة الناقد الكبير محمود امين العالم وقد استضافتها المرحومة ام شهرزاد مرحبة، وعادت إلى القاهرة بعدأن أطمأنت على ولدها وابلغته شوقها وشوق خاله العالم.
غادرنا في (الأقلام) غالب هلسا إلى لبنان لفترة، وغادرنا طراد الكبيسي ملحقا ثقافيا في برلين وتوليت رئاسة التحرير عام 1981.
اخترت معي الاستاذ حسب الشيخ جعفر لفحص النصوص الشعرية والدراسات، اضافة لوجود عفيفي واخترت الاستاذ عبد الاله عبد الرزاق لفحص النصوص القصصية والنقدية مع سكرتير التحرير سليم السامرائي، ووضعت اسماء هيئة التحرير بارزة في الصفحة الثالثة من المجلة اعترافا بفضلهم ,وتلك خطوة اضطرت رؤساء التحرير الآخرين في مجلات (المورد) و(الطليعة الادبية) و(الثقافة الاجنبية) و(التراث الشعبي)، إلى وضع أسماء المحررين في المجلة جنب أسمائهم رغم كراهة بعضهم الامر!
بعد ذلك في جاري الأيام جرت مياه جديدة في الاعوام التالية، ورحل عفيفي وقنديل عائدين إلى مصر, ورحل أحمد عز الدين وزينب منتصر ايضا إلى القاهرة بعد رحيل السادات، وحل في الاقلام الدكتور علي جعفر العلاق رئيسا للتحرير، والدكتور حاتم الصكر سكرتيرا للتحرير، ونقلت إلى الادارة العامة معاونا للمدير العام ومسؤولا اداريا عن شؤون المجلات والشؤون المالية! بينما بقي الاستاذ موسى كريدي رئيسا لتحريرالموسوعة الصغيرة ومشرفا على لجنة التاليف والترجمة، باعتباره معاونا للمدير العام الاقدم. بعد عام أي عام 1985 استلمت مجلة (التراث الشعبي) وغادرنا خيري منصور وزوجته أمل منصور إلى الأردن، ليغدو اشهر كاتب سياسي هناك حتى ان أخر كتبه كان عن مستقبل العلاقة بين العرب والصين حتى وفاته رحمه الله في19 ايلول2018 لتقتل بعده زوجته السيدة أمل منصور بعد وفاته باربعين يوما!
كان اسم (أمل منصور) قبل الزواج هو (أمل مرشد أبو صلاح)، وقد ولدت عام 1939 في طولكرم ودرست في مدارسها ثم عملت في بنك التسليف بالكويت بين عامي1967- 1974، حيث اقترنت بخيري منصور ثم عادت إلى الاردن لتعمل في وزارة شؤون الارض المحتلة حتى عام 1977, ومنها إلى بيروت مصاحبة لزوجها منصور لتعمل في مجال التعليم حتى رحلا إلى بغداد عام 1978 محررة ومترجمة في دار ثقافة الأطفال، ومنتجة لعدد من كتب الاطفال وقصصهم، بينما عمل خيري منصور محررا للشعر والدراسات في مجلة (الأقلام)، متمتعا بحضور ثقافي بارز هو عفيفي وغالب هلسا.
في صباح يوم 31 تشرين الاول 2018 كانت السيدة أمل تستعد، لإقامة مراسم اليوم الاربعين على وفاة زوجها الشاعر عندما هاجمتها خادمتها الاوغندية وطعنتها، ثماني طعنات قاتلة فسقطت وسط جريان الدم، لتحاول الخادمة الرحيل عن طريق مطار علياء الدولي في ذلك الصباح.
في المطار امسكت بها السلطات واتصلت بهاتف الدار، دون أن يرد احد فقد قتلت صاحبة الدار، فاتصلت السلطات بولدها المهندس اصيل خيري الذي اكتشف رحيل والدته غدرا في اليوم الاربعين لرحيل والدته.
المحكمة الكبرى في عمان حكمت على القاتلة بالسجن المشدد عشرين عاما، وانتهت بذلك صفحة دامية من حياة السيدة منصور رحمها الله.
نفيسة قنديل
ولدت السيدة نفيسة محمد قنديل في العشرين من شباط – فبراير 1946 في قرية رملة الانجب مركز أشمون من اعمال المنوفية، وكان والدها شاعرا معروفا، وقد اكملت نفيسة دراستها الجامعية في الفلسفة، اضافة إلى دبلوم عال في الدراسات الاسلامية.
كان الصديق أبو لؤي- محمد عفيفي مطر شاعر الحداثة والفكر والتجريب، قد اقترن بالسيدة نفيسة في الستينات وهو من نفس منطقتها وكتب عنها في (أوائل زيارات الدهشة)، متحدثا عن كيفية أختياره لها، وعن حبه واحترامه لها.
كانت نفيسة ناقدة وباحثة من طراز خاص يميني التوجه، كتبت دراسة تحت عنوان (فيلق النساء)، تعرضت فيه بالنقد لتوجهات النسوية الحرة واصطدمت في جدل متصل بنوال السعداوي، واقفة مع توجهات بنت الشاطئ- عائشة عبد الرحمن الفكرية. بعد وفاة عفيفي في 28 حزيران – يونيو2010، بقيت السيدة نفيسة في رملة الانجب وحيدة، إلا من زيارات ابنها لؤي والبنتين ناهد ورحمة، وقد تعرضت إلى سرقة أولى في 29 مايس2017 لم تفصح عنها، وكان الجاني نفسه (عادل السيد محمد يونس) و(السيد) هنا اسم لا صفة أو دليلًا على مكانة روحانية.
عادل هذا يعمل في القرية صنايعيا في البايسكلات وزوجته تعمل خادمة عند السيد نفيسة، ويبدو أنها قد مهدت له الطريق ودلته على مكان النقود القليلة التي تحتفظ بها الراحلة، فدخل الدار ليل 19 -3-2019 ليسرق المال، فأحست به السيدة قنديل فهددها وقام بتقييدها، وهي تصرخ فقام بقتلها بآلة حادة كانت بيده وطعنها بمفك في صدرها وضرب وحشي على رأسها أدى بها إلى الوفاة.
يقول القاتل إن سبب قتلها إن المغدورة قد تعرفت عليه، وهو يسرق وصرخت بوجهه وقاومته فقتلها.
وحكمت المحاكم المصرية عليه بالإعدام شنقا، جزاء لجريمته، التي لم تكتشف هويته فيها، إلا بعد دفن الضحية بخمسة أيام نتيجة تحقيقات قامت بها الأحهزة الأمنية.
هكذا أزهقت روح السيدة نفيسة وبعدها بسنوات السيدة أمل، زوجة خيري منصور.. كانت المرحومتان تلتقيان في مكتبي في (الأقلام)، عندما كانت السيدة (أمل) تزورنا بين حين وآخر قادمة من دار ثقافة الأطفال.
جاكلين الياس رزوق
قبل ذلك بسنوات وتحديدا في العام 1966 قتلت السيدة جاكلين الياس روزقي- زوجة الاستاذ الشاعر الفريد سمعان في ظروف غامضة، وقد قام بقتلها واحد ممن كانت تحدب عليهم، وهي المربية الفاضلة، فغدر بها في دارها، حيث كانت وحيدة إلا من ايمانها بالخير، وتولى خنقها وسرقة المال القليل، الذي تملكه ام شروق رحمها الله.
كتب عنها زوجها الشاعر ديوانا تحت عنوان (أم شروق.. رحلة الحب والتعب)، وكان سمعان أمينا عاما للاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، قبل استقالته، وقد اتعبته الشيخوخة وتوفي في الخامس من كانون الثاني 2021 في عمان، ورثاه رجال الثقافة والأدب والأوساط الشعبية والرسمية.
وبعد.. ما الذي نريد قوله بعد هذا العرض الوثائقي الشحي عن الموت المجاني بالاغتيال لنسوة أعطين كل شيء، من اجل جذوة الشعر لدى ازواجهن وقتلن غيلة بيد شاذين استهوتهم، شهوة السرقة وقتل سيدات أمنات قصد السرقة، وفورة نوازع الجريمة النكراء.