الشعر الشعبي وجدل الحياة

ثقافة شعبية 2023/06/22
...

 وجدان عبدالعزيز    

الأنواع الابداعية في الأدب عموما تحمل في داخلها جدل الحياة والتحول لتكون التعبير الحي والقريب جدا من الواقع بما يحمل من ضغوطاته، فالابداع.. فن الاكتشاف، وهو نوع من الايمان، كونه اكتشاف للذات وخفاياها والتعرف على الروح، فالناس المبدعون لديهم حاجة قوية للتعبير عن أنفسهم، عن أمنياتهم، عن رغباتهم، عن عدم رضاهم عما حولهم، والمبدعون يكافحون من أجل حقهم في التعبير عن ذواتهم، ومن أجل الإبداع وإدراكه، فهم يحولون الثورة، والتمرد على النفس، اوالمحيط، لكي يأتي الجديد، وكي يقولوا نحن هنا، وتماشيا مع المشروع الثقافي العراقي.
فالشعر الشعبي العراقي أحتل مكانته في التراث الشعري العراقي، بل والعربي، ومنه قد ترجم إلى لغات اجنبية، كونه يمثل حالة وجدانية عبّر من خلالها الشاعر عن كل الأحداث، التي تدور حوله، حيث كانت هذه الاشعار تحمل الكثير من الهموم السياسية والاجتماعية والعاطفية، فالقصيدة الشعبية تحولت عندنا إلى عوالم شعرية أكثر انفتاحا، لاسيما في زمن العولمة وانفتاح الثقافات على بعضها البعض، حتى غاصت في أعماق الإنسان وجسدت معاناته ومشكلاته الروحية، ولهذا أحتلت أهمية كبيرة في حياة العراقيين وتاريخهم، ومثلت ثقافتهم واتجاهاتهم في مسيرة الحياة، وكذلك ميزت الشعب العراقي عن غيره، فالعراق يمتلك موروثاً شعبياً جميلاً وثرّاً، ولاشك أن هذا الموروث أتى من تاريخ طويل، ومثل ثقافة وجمال وذوق، والحقيقة التي لابد من وضعها نصب أعيننا أن الشعر الشعبي، كانت وفادته ابتداءً إلى البادية، ثم بعد ذلك دخل إلى الحاضرة، ولا أحد يعرف متى بدأ ونشأ هذا الشعر الشعبي، ولكنه قديم النشأة، كما نعرف، ولو غابت النصوص القديمة، فإن هذا الشعر الشعبي المعاصر ما هو إلا امتدادا لذلك الشعر القديم؟
ولا نشك في أنه لم يأت دفعة واحدة، ولكن أقدم من تحدث عن الشعر البدوي، هو المؤرخ العربي المسلم ابن خلدون المتوفى عام 808 هـ ، فقد أورد عدة نصوص شعرية في مقدمته نُسب بعضها إلى شعراء بني هلال، وكان ذلك خلال القرن الثامن الهجري، وأقدم نص يرونه من الشعر النبطي على لسان عليا حبيبة أبي زيد الهلالي في القرن السابع الهجري، أرسلته إليه وهو في بلاد المغرب يقاتل البربر، وكما أسلفنا اعلاه لايختلف اثنان بأن الشعر الشعبي العراقي امتلك قدرة الحضور في ذهنية المثقف وذهنية الآخر وأخذ يترجم إرهاصات الإنسان ويلتصق بمجمل قضاياه الوطنية والاجتماعية، والشعر الشعبي العراقي هو الأقرب إلى الفصيح من الشعر العربي، ثم أنه طُبع بطابع الحزن والوجع، حتى الذي قيل في مسرّات الناس وأفراحهم، وهي ثيمة تاريخية ألتصقت بإنسان وادي الرافدين الخصب، كون هذا الإنسان، قد ابتلي من غابر الأزمان بالويلات والمصائب لسببين رئيسين هما: خيرات الأرض وطيبة إنسانها، أي أنه تعرض لهجمات بربرية همجية بدفع من السببين آنفي الذكر، ولا أريد أن أدخل أبواب التاريخ وعلم الاجتماع، انما غايتي تبرير تحليلاتي لهذا النوع من الابداع الأدبي، حيث أبدع شعراء العراق في هذا النوع من الشعر، وكانت صور الواقع والحياة اليومية، اي جلسات الفقراء وتجمعات الفلاحين وحوارات الكادحين أكثر ما كانت تشغل شعراء هذا اللون من الشعر، وقال عنه الشاعر زهير كاظم عبود: (يشكل الشعر الشعبي العراقي بكل أنواعه وبحوره العشرية معلما من معالم الثقافة الشعبية الأكثر انتشارا في العراق، ويعد الشعر الشعبي وسيلة لغوية عميقة التأثير واشارة واضحة المعالم في ايصال الصورة والغاية بشكل خال من التعقيد والتبطين اللغوي، ولم يكن الشعر الشعبي في العراق يوما ما، الا الوسيلة الأساس، التي يستعملها البسطاء والفقراء من الناس في بوحهم بأحاسيسهم وشكواهم وتعبيرا عن مكنونات أرواحهم وتعبيرا عن دقائق حياتهم وعملهم وقدرتهم في تصوير الحالات الإنسانية بشكل مختزل ودقيق وواسع.
ولهذا تعكز المجتمع الشعبي في العراق على الكثير من قصائد وأبيات الشعر الشعبي ليصير أمثالا عامة يستعملها الناس في الاشارة إلى قضية ما أو حدث أو تعبير عن مكنون نفسي.) وبقي الشعر الشعبي والشاعر الشعبي همه الوطن وقضايا الإنسان الأخرى، كالهموم الاجتماعية وقضايا الفقر، وزخرت القصيدة الشعبية بدلالة المكان، فلكل مكان لهجته الخاصة، ورغم أنه قريب من اللغة الفصحى، إلا أنه حمل نكهة اللهجة المحلية، (ويبدو أن الشعر كان يتلازم مع الإنسان منذ بدايات استعمال اللغة، أو اللهجة على الأكثر، كما يبدو أن الشعر الشعبي كان الأكثر حظوة من بين صنوف الثقافة بالنظر إلى سهولة حفظه وفهمه وسرعة انتقاله، وضرورة انتقاله مع المهوال من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة) وكانت الهموم العراقية واحدة هي التخلص من العبودية وتحرر الإنسان والتخلص من الاستعمار والحكومات اللاوطنية المرتبطة بالاجنبي، والسعي إلى التحرر والانفتاح نحو افق الحياة الجميلة، ولاشك أن هذا النوع ألتصق بذات، فعبر من خلاله عن الحب والجمال والقضايا الأخرى كما اسلفنا..