يوجيتا ليماي
ترجمة: فجر محمد
"أود أن يسمع صوتي احدهم، أنا أتألم، ولست الوحيدة التي تعاني هكذا"، تتحدث إحدى طالبات الجامعة في افغانستان والدموع تترقرق في عينيها. وتتابع قولها "معظم الفتيات في صفي الدراسي لديهن أفكار انتحارية، فنحن جميعا نعاني من الاكتئاب والقلق. وليس لدينا أمل بشيء.
حاولت تلك الشابة وهي في أوائل العشرينيات من عمرها، أن تنهي حياتها قبل أربعة أشهر بعد أن منعت حكومة طالبان الطالبات من الالتحاق بالجامعة. ويتم علاجها الآن من قبل طبيب نفسي.
تقدم كلمات تلك الشابة نظرة ثاقبة لأزمة صحية غير واضحة، ولكنها ملحة تواجه افغانستان.
وتقول الاخصائية النفسية الدكتورة أمل: "نحن نواجه جائحة من الأفكار الانتحارية في افغانستان. الوضع هو الأسوأ على الاطلاق، ونادرا ما يفكر العالم فيه او يتحدثون عنه".
واشارت الدكتورة أمل إلى تلقيها 170 مكالمة للمساعدة خلال يومين من الإعلان عن منع النساء من الجامعات، والآن تتلقى نحو عشر مكالمات جديدة يوميا للمساعدة النفسية، ومعظم مرضاها من الفتيات.
في المجتمع الأفغاني الأبوي العميق، الذي أنهكته أربعة عقود من الحرب، تقدر الأمم المتحدة أن واحدا من كل شخصين معظمهم من النساء كان يعاني من أزمة نفسية حتى قبل استيلاء طالبان على السلطة
سنة 2021. لكن الخبراء يرون إن الأمور الآن أسوأ من أي وقت مضى بسبب قمع حكومة طالبان لحريات المرأة، فضلا عن الأزمة الاقتصادية في البلاد.
يبين "نادر" أن ابنته انتحرت في اليوم الأول من الفصل الدراسي الجديد في آذار الماضي. إذ يقول: "حتى ذلك اليوم، كانت تعتقد أن المدارس ستفتح أبوابها في نهاية المطاف للفتيات. كانت متيقنة من ذلك. ولكن عندما لم يحدث ذلك، لم تستطع التأقلم وانتحرت". ويقول عن ابنته والألم يعتصره: "كانت ذكية، وعميقة التفكير ورغبت بالدراسة وخدمة بلدها، ولكن عندما اغلقوا المدارس شعرت بضيق شديد وكانت تبكي كثيرا".
ويواصل نادر حديثه: "لقد تحطمت حياتنا، لم تعد هناك قيمة لاي شيء، أنا أعيش أسوأ أيام حياتي، وزوجتي حزينة للغاية، ولا يمكنها تحمل البقاء في منزلنا منذ موت ابنتنا".
أمثلة مؤلمة
ولهذا قام الفريق بتأمين التواصل بين عائلته وعائلات متضررة أخرى مع طبيب صحة نفسية.
والد فتاة منتحرة أخرى، تحدث بدموع تتخلل كلماته عن سبب انتحارها: "لقد أرادت أن تصبح طبيبة، وعندما أغلقت المدارس، شعرت بالحزن والانقباض، وبعد عدم السماح لها بالتقديم لامتحان القبول بالجامعة، فقدت كل أمل.. إنها خسارة لا تطاق".
القصص الأخرى التي سمعناها متشابهة ايضا، فهي تخص فتيات وشابات غير قادرات على التعامل مع حياتهن وتوقف مستقبلهن بشكل نهائي.
المعلمة ميهير حاولت انهاء حياتها مرتين. فهي بعد أن اغلقت طالبان الجامعات فقدت وظيفتها، وكانت المعيل لاسرتها. اما اليوم فهي لا تستطيع تحمل النفقات. لقد تأثرت كثيرا اذ اجبرت على البقاء في المنزل، وكانت تتعرض لضغوط مستمرة . وتحطمت كل خططها المستقبلية. فهي تشعر بالارتباك التام، وهي بلا هدف أو أمل. ولهذا حاولت انهاء حياتها، بحسب وصفها.
يقول الدكتور شآن، الطبيب النفسي الذي يعمل في مستشفى عام في أفغانستان: "الوضع كارثي وحرج، لكن لا يُسمح لنا بتسجيل إحصاءات الانتحار، ويمكنني القول بأنه بالكاد يمكنك العثور على أفغاني لا يعاني من مرض نفسي".
أظهرت دراسة أجراها مركز أفغانستان للدراسات الوبائية في ولاية هيرات، ونشرت في اذار الماضي، أن ثلثي المراهقين الأفغان أبلغوا عن أعراض الاكتئاب. ولذلك دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن "انتشار قضايا الصحة النفسية وتصاعد حالات الانتحار".
أما حكومة طالبان فقالت إنها لا تسجل أعداد المنتحرين، ولم ترد ايضا عن الأسئلة المتعلقة بزيادة في تلك الأرقام. وبسبب وصمة العار المرتبطة بهذا النوع من الموت، تحجم عائلات المنتحرات عن التبليغ عن تلك الحوادث.
أملٌ بالتغيير
احدى المراهقات حاولت الانتحار، إذ التقيناها بحضور طبيبها وامها التي لا تدعها تغيب عن انظارها. وتوضح الفتاة والدموع تنهمر من عينيها ان البقاء في المنزل بلا تعليم او مستقبل، يجعلها تشعر بالتفاهة اذ تقول: "أشعر بالإرهاق وعدم المبالاة بكل شيء. لم يعد هناك امر مهم".
وتتحدث هذه الفتاة علانية لاعتقادها انه ربما سيكون هناك تغيير، فاذا بقيت طالبان في السلطة عليها أن تعترف بموضوع زيادة الانتحار، وربما يعيدون فتح المدارس من
جديد.
وتوضح الدكتورة أمل أنه مع تلقي النساء ضربات اكبر، فإن الرجال يتأثرون ايضا، وتقول: "في أفغانستان، أنت تتربى كرجل، ويجب أن تكون قويا، لكن الرجال لا يستطيعون رفع أصواتهم الآن. ولا يمكنهم توفير المال لعائلاتهم.. إنه موقف مؤثر عليهم حقا، وعندما يفكرون هم بالانتحار، فمن المرجح أن يموتوا أكثر من النساء بسبب طريقة تخطيطهم المميتة".
وتقدم الدكتورة أمل النصح لمرضاها بالقول: إن افضل طريقة لمساعدة الذات أو الاخرين، هي الابتعاد عن العزلة والتحدث إلى الاصدقاء ورؤية الجيران وان يشكل الفرد فريق دعم نفسي، على سبيل المثال والدته او والده او اشقائه او اصدقائه. وتختتم حديثها: إني أسألهم من هو قدوتهم، فاذا كان نيلسون مانديلا، مثلا، فإنه قد أمضى 26عاما في السجن، ولكن بسبب قيمه، تمكن من تقديم شيء نافع للناس.. وهكذا أحاول منحهم الأمل والصمود".
عن موقع بي بي سي البريطاني