{ الصباح } عند مزار السيد إبراهيم بن الحسن

ريبورتاج 2023/06/25
...

  عامر جليل ابراهيم


  إعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية

شرف الله عزَّ وجل أرض العراق وميّزها أن جعل أرضها مثوى للأئمة الأطهار وذراريهم (عليهم السلام)، فكل بقعة من هذه الأرض لا تخلو من مزار أو ضريح شاهد على سلالة النبوة المحمدية، "الصباح" وضمن سعيها للتعريف بالأماكن السياحية الدينية، زارت أحد المراقد الشريفة، وهو مزار السيد إبراهيم بن الحسن المثنى الملقب بـ (أحمر العينين). الواقع في منطقة بني عارض على بعد عشرة كيلومترات من مدينة الرميثة في محافظة المثنى (السماوة)، والتقت الأمين الخاص للمزار الشريف الحاج هاتف حسين إبراهيم. الذي حدثنا قائلا:

يعود نسب السيد ابراهيم بن الحسن إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهو إبراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام). 

كانت ولادته على وجه التحديد في سنة 97هـ وقيل 100هـ، أما استشهاده فكان في 25/ ذي القعدة / سنة 145هـ في واقعة باخمرى. 


قيادة

وعن حياة السيد ابراهيم يقول الحاج هاتف: كانت أرض العراق منطلقاً لثورات الثائرين من أهل بيت النبوّة (عليهم السلام)، الذين اقتدوا بثورة جدهم الإمام الحسين (عليه السلام) واستناروا بها، إذ رفضوا الظلم واختاروا الموت تحت ظلال السيوف، وقد روى لنا التاريخ، ما شهده عصر المنصور الدوانيقي من حركات شيعية كبرى كان لها دور بارز في محاولة إرجاع الحق المغتصب إلى أهله، ومنها ثورة شهيد باخمرى السيد إبراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى، إذ استطاع السيطرة على كثير من الأمصار الإسلامية وقيادتها كالبصرة، والأهواز، وواسط، والمدائن وغيرها.

حتى قضّ مضجع المنصور الدوانيقي، فتركه حائراً مفكراً في الفرار، بعد اتساع الخروق عليه من كل جانب، ما يوحي بقوة الثورة وتأييدها من قبل عامة الناس وخاصتهم، الذي سُمي أبوه بـ (المحض)، لأنه كان شيخ الطالبيين وكبيرهم، وكان يحمل الشرف الكبير، ولأن أمه بنت الحسين (عليه السلام) وأباه ابن الحسن (عليه السلام)، فهو صاحب شرف عالٍ ومنزلة رفيعة تميز بالهيبة والوقار، وأما السيد إبراهيم ابنه فقد سُمي (إبراهيم أحمر العينين)، وهو يُعرف بـ (أحمر العينين)، لأن حدقة عينيه كانت حمراء، اشتهر بالشجاعة والإقدام وهو من أهل الدين والتقى والعلم، وعُرف ببلاغته الخطابية ونظمه للشعر العربي، وقد خرج على المنصور الدوانيقي وتغلب على البصرة وفتحها، وقوي أمره فيها حيث تجمع عنده أكثر من عشرة آلاف محارب من البصريين، وأرسل إبراهيم جيشاً إلى الأهواز وبلاد فارس ليفتحها، ولما وصل الخبر إلى المنصور خشي على ملكه وسلطانه، فجهز إليه الجيوش والتقى الفريقان في موضع (باخمرى)، فانهزم جيش المنصور بقيادة عيسى بن موسى وتقهقر حتى وصل الكوفة.


"عـدى العرمات"

بعد انهزام جيش المنصور في (باخمرى) أرسل المنصور جيوشاً أخرى للقاء البصريين من وراء ظهورهم، فأحاطوهم وأُصيب ابراهيم بسهم في قلبه أوصله لجنة المأوى، إذكان يُقاتل في المقدمة أمام جيشه بكل شجاعة وبسالة كان قد ورثها من أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ذلك البكاء في المحراب ليلاً، والضحاك إذا اشتد الضراب، وكانت الواقعة سنة (145هـ)، وعندما استُشهد السيد إبراهيم حُمل رأسه إلى المنصور في الكوفة، ليعيد إلى الذاكرة ما جرى في طف كربلاء، فهذا الأسلوب أموي النشأة عباسي الاستمرار، وذكر عبد الحسين الشبستري في كتابه (أصحاب الإمام الصادق عليه السلام): رُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه ترحم عليه كما نجد أن دعبل الخزاعي شاعر أهل البيت (عليهم السلام) نعاه ورثاه في قصيدته المعروفة بـ (تائية دعبل) التي ألقاها في مجلس الإمام الرضا (عليه السلام) والتي يقول في مطلعها:

مدارس آيات خلت من تلاوةٍ 

ومنزل وحي مقفر العرصات


وقد ترحّم عليه الإمام (عليه السلام) وبكاه حينما قال دعبل:

وقبـرٌ بـأرض الـجـوزجـان محلّه 

وقبـرٌ ببـا خمـرى عـدى العرمات.


الحجر البركاني الأسود

يمضي الحاج الأمين الخاص للمزار بالقول: مر المرقد بعدة مراحل، إذ يتجاوز عمر البناء أكثر من  700 سنة، أي قبل الاحتلال العثماني للعراق بدليل أن البناء على القبر وجد عليه الحجر البركاني الأسود الذي يؤتى به من الحجاز في زمن الحكم العباسي، علماً أن العباسيين استخدموا هذا الحجر لبناء نقاط حراسة الجيش وكان القبر عامراً أثناء ثورة العشرين، في سنة 1940م هدمت القبة وتم بناؤها من قبل الخدمة لكن لم تدم أكثر من 5 سنوات وسقطت على إحدى النساء لكنها معجزة أنها خرجت وهي على قيد الحياة بقي المرقد بدور البناء لغاية 1955م وبعدها وبمساعدة مرجعية السيد الحكيم بالاكتفاء للناس وأهالي المنطقة بدفع الخمس لبناء المرقد وتم البناء والدليل هو وقوف السيد محمد حرز الدين سنة 1968م على المرقد وهو عامر وأخذ صورة المرقد والخدمة والكلام موثق في الجزء الأول ص 11 كلام المعارف للسيد محمد حرز الدين، وبعد ذلك التاريخ استبدل الصحن والأواوين والملحقات الأخرى، وفي سنة 2008م انضم المرقد إلى الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة، والآن هو في طور الإعمار، إذ شمل بحملة حشد وإعمار المزارات التي تقوم بها الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة.


صرح إسلامي

وأثناء تجوالنا بالمزار التقينا المهندس المنفذ للعمل علي ذياب علي مسؤول الشعبة الهندسية لمزارات الديوانية والمثنى ليحدثنا عن تفاصيل البناء حيث يقول: شرعت الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة المتمثلة بالقسم الهندسي التابع للأمانة بإكمال الخرائط  والشكل الهندسي للمزار الشريف وبعد أن حصلت الموافقة بالهدم وعلى شكل مراحل، عندما انتهينا من الهدم، بدأنا بصب الأسس، إذ بدأ العمل الجدي ليكون صرحاً إسلامياً يليق بصاحب المقام حيث تبلع مساحة المزار الكلية  27 دونماً ومساحة البناء حوالي 650م2  تشتمل على حضرة كبيرة بمساحة 550م2 وبارتفاع 6م يتم اكساء وتغليف أرضيتها وجدرانها إلى مستوى الإزارة بالمرمر الاونكس، وتتقدم هذه الحضرة الشريفة فسحة رحبة (طارمة) بمساحة 100م2 وعلى جانبيها مئذنتان اسطوانيتان بأقطار مدرجة تبدأ بـ2.5م وبارتفاع كلي 27م ستكون مغلفة بالكاشي الكربلائي، ويتوسط  الحضرة القبر الشريف وتعلوه قبة بارتفاع 20م ذات عنق  بارتفاع 2.5م محاط بالشبابيك الصغيرة على شكل أقواس إسلامية، مغلفة بالكاشي الكربلائي الفيروزي المزخرف بالنقوش الإسلامية والنباتية، وتبلغ مساحة الصحن الشريف 1300م2 تطل عليه الايوانات من الجانب الغربي والجناح الإداري والخدمي من الجانب الشمالي، تمت المباشرة بإعادة إعماره أواخر سنة 2021 وقد وصلت نسبة الإنجاز في الأعمال المنفذة 75 % تقريباً والعمل ما زال مستمراً إن شاء الله تعالى، كما يتم وضع المخططات للغملاء الحضري بالكامل لهذا المزار بهدف شمول أكبر مساحة معمارية تشتمل على البنى التحتية والخدمية الممكنة له وتحويل باقي المساحة إلى ساحات خضر.


نشاطات ثقافيَّة

مسؤول الفتاوى الشرعية  في المزار الشيخ طاهر هلال محل حدثنا عن أهم النشاطات الثقافية والدينية في المقام قائلاً:  تقام نشاطات عديدة في المزار الشريف منها القرآنية والثقافية، ودورات لتعليم القرآن، ودورات تقوية للمدارس الابتدائية، وتعليم التلاوة والحفظ، والمزار يزدهر بجميع النشاطات وعلى مدار السنة، وهو يخدم أهالي المنطقة بشكل كبير، وفي أيام أشهر رجب وشعبان ورمضان تقام جلسات قرآنية ومحافل تتم فيها دعوة قراء من المحافظات الأخرى وحضور حافل من المؤمنين والرواديد وبدعم من الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة وتوزيع أكثر من 10 آلاف وجبة غذائية.


مباركة

وعن زائري المزار وأعدادهم حدثنا المعاون الثقافي للمزار السيد كامل زيارة كاظم قائلاً: يتوافد على المرقد الشريف زائرون من مختلف مدن العراق، لغرض الزيارة والتبرّك خاصة، ومن سائر الدول العربية والإسلامية، إذ يستقبل المرقد الطاهر يومياً ما يقارب 500 زائر وفي أيام الجمع والمناسبات الدينية والزيارات المليونية في العاشر من محرم وأربعينية الإمام الحسين (ع) وباقي المناسبات، تتزايد الأعداد لتصل إلى أكثر من عشرة آلاف زائر، أما في ما يخص مبيت زائري المرقد، فلا يوجد مبيت للزائرين في الوقت الحاضر لأن المزار في طور الإعمار، على الرغم من وجود فرش وأغطية لمبيت الزائرين عند جاهزية المزار واكتمال إعماره.

نختم زيارتنا بالعودة للحاج هاتف حسين ابراهيم الأمين الخاص للمرقد الذي أبدى رغبته بأن يتم توسيع المزار مستقبلاً وبناء دار للضيافة، وإقامة مشاريع مستقبلية خاصة بالمرقد تخدم المزار والزائرين.