البرازيل ترسل آلاف المهاجرين الفنزويليين إلى الجنوب

بانوراما 2023/06/25
...

 ريجينا جارسيا كانو

 ترجمة: بهاء سلمان

مع شروق الشمس، نزل "ميغيل غونزاليس" وزوجته "ماريليس رودريغيز" وأطفالهم الأربعة الصغار من حافلة ركاب بعد رحلة استغرقت 18 ساعة جنوباً قادما من تجمّع سكني يقع شرقي فنزويلا. تفحص الوالدان حقيبتين من القماش الخشن، والاحتياجات قبل دخول المحطة: تغيير حفاظات الطفل الرضيع، وتدبير أمر دورة المياه للأطفال الكبار، وكيفية التوجه إلى البرازيل. "تاكسي؟ تاكسي؟" سأل سائقو سيارات الأجرة بصوت عال كل شخص يسير في محطة سانتا إيلينا دي أويرن، حيث يسير آلاف الأشخاص كل شهر عبر الأراضي الفنزويلية للمرة الأخيرة. بعد نصف ساعة تقريبا، أصبحت عائلة غونزاليس، مثل عشرات آخرين كل يوم، مهاجرين لأول مرة عندما خرجوا من سيارة أجرة في منطقة باكاريما بالبرازيل.
وكان أكثر من سبعة ملايين شخص قد غادروا فنزويلا منذ بدء الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد العقد الماضي، حيث ذهب معظمهم إلى البلدان الناطقة بالإسبانية في أميركا الجنوبية، بضمنهم مليونان ونصف مليون في كولومبيا وحدها، والعديد منهم إلى الولايات المتحدة واسبانيا. وكذلك البرازيل الناطقة بالبرتغالية.

لكن البرازيل أصبحت خيارا شائعا للعديد من الفنزويليين، ويعود جزء من السبب إلى برنامج أمده خمس سنوات يوفر للمتقدّمين المؤهلين تصاريح عمل وحتى رحلات طيران مجانية إلى أجزاء بعيدة من الدولة المترامية الأطراف؛ وتزايد الطلب على البرنامج في فترة ما بعد الجائحة.

يقول غونزاليس، الذي بدأ التخطيط للهجرة بعد أن شهدت منطقة عمله اشتباكات عنيفة حول منطقة منجم الذهب، ويقول: "أريد أن أمنح أطفالي حياة هانئة، فلا توجد حياة في فنزويلا، لأن الأسرة إذا بقيت هناك، فلن يدرس الأطفال، ولن يكون لهم 

مستقبل."

تتقدّم عائلة غونزاليس بطلب لبرنامج "الداخلية" في البرازيل، الذي تم اطلاقه سنة 2018 لتخفيف الضغط على ولاية رورايما أقصى شمال البلاد، بعد أن أصبح نقص الغذاء والدواء في فنزويلا حادا. وينقل البرنامج المهاجرين إلى مدن أخرى تتمتع بفرص اقتصادية أفضل، خاصة الولايات الجنوبية الغنية بالبلاد؛ فقد استقبلت نحو مئة ألف فنزويلي من أصل 426 ألف شخص هاجروا إلى البرازيل خلال الأزمة، مع أعلى معدل شهري بحدود 3400 

مهاجر. 

باعت عائلة غونزاليس الثلاجة والمروحة وأدوات المطبخ والسرير وقطع أثاث أخرى، ووضعت الملابس والحفاظات في أكياس من القماش الخشن وحقائب الظهر، وبدأت رحلة الهجرة من منطقة سكناهم في سان فيليكس بمبلغ 500 دولار للوصول إلى باكاريما، حيث تقدموا بطلب للحصول على

البرنامج.


الخيار الصعب

قررت العائلة الهجرة، برغم إن الأب كان يعمل بأحد أكثر الأعمال المدرّة للمال داخل البلاد، حيث كان يكسب نحو 600 دولار في أسبوعين، وأحيانا ضعف المبلغ، أكثر بكثير من الحد الأدنى للأجور الشهرية في البلاد البالغ خمسة دولارات. لكن التجمعات السكنية لمناجم التعدين باتت خطيرة، ويعود السبب إلى الجماعات المسلحة التي يعتقد بتواطئها مع السلطات. "هناك الكثير من الجرائم. أنت على قيد الحياة في لحظة واحدة وميّت في اللحظة التالية"، بحسب 

غونزاليس. 

ويتلقى الذين يتم قبولهم في برنامج الداخلية الوثائق والمأوى المؤقت واللقاحات ورحلات إعادة التوطين، كما يعطون دروسا عن سوق العمل في البرازيل، والقوانين والحقوق. 

ويبلغ الحد الأدنى للأجور الشهرية في البرازيل حاليا 265 دولارا، وأظهر مسح شمل 800 أسرة تضم 3500 فنزويلي يعيشون في البرازيل منتصف العام الماضي أن 76 بالمئة منهم حصلوا على الحد الأدنى 

للأجور. في صباح باكر لأحد أيام نيسان الماضي، وصلت "ماريا رودريغيز"، ووالدها وزوجها وابنتها وابناها وحفيداها وأربعة أقارب آخرين من بين مئات الأشخاص إلى معبر باكارايما الحدودي، وتنقلوا ضمن خطوات البرنامج، وسط بهجة وسرور العائلة بنهاية طريق 

التعب.

عند بزوغ الفجر، يشكل المهاجرون طوابير ينتظرون فيها تقديم المعلومات، وهم يهتفون فرحا عندما يتم اخبارهم والمهاجرين الجدد أنه يمكنهم صعود حافلات الركاب المنتظرة المتوجهة على بعد 200 كيلومتر تقريبا جنوبا إلى بوا فيستا، حيث سيستقلون 

رحلات جوية إلى المناطق الجديدة.


انتظار مقلق

كانت مجموعة رودريغيز قد انتظرت بالفعل ستة أسابيع في باكارايما، محتمية من أشعة الشمس الحارقة تحت ظل خيمة مؤقتة، وباتوا الليالي في أحد الملاجئ. وكانت العائلة قد أغلقت نشاطها البسيط في صناعة الجبن قبل أشهر، وقررت الانضمام إلى أقارب آخرين يقيمون داخل ولاية بارانا جنوب البرازيل، حيث يخطط الرجال للعمل في البناء. وتقول ودريغيز، 45 سنة، إن أحد أبنائها المقيم هناك منذ فترة قد تحسنت حاله خلال وقت قصير. وتقول: "أحفادي يتعلّمون في مدرسة جيدة، لكن أبنائي الآخرين يعانون. بصفتنا بالغين، يمكننا أن نقاوم طوال اليوم حتى بمجرّد خبزة الذرة، ولكن هؤلاء الأطفال، كيف يمكنك إخبارهم بعدم وجود طعام؟"

يوما ما، كانت فنزويلا واحدة من أكثر الدول ازدهارا في أميركا اللاتينية بفضل مليارات الدولارات النفطية، لكن سوء الإدارة وانخفاض أسعار النفط الخام أغرقاها في أزمة طيلة العقد الماضي، كما عملت العقوبات الاقتصادية الأميركية الهادفة إلى الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو على زيادة تفاقم 

الأوضاع. 

في أماكن أخرى من نصف الكرة الأرضية، يقوم الفنزويليون برحلتهم الثانية أو حتى الثالثة مع تضاؤل الفرص الاقتصادية في البلدان المضيفة الأولية. ويقول الراهب "اغنالدو بيريرا دي أوليفيرا"، مدير الخدمة للمهاجرين واللاجئين في البرازيل، إن معظم القادمين عبر الحدود إلى البرازيل يهاجرون لأول مرة، فقد صمدوا حتى الآن ولم يعد بإمكانهم ذلك. وهم آخر من قاوموا في فنزويلا بسبب ارتباطهم بأعمالهم وبديارهم. لسان حالهم يقول "لدي وظيفة، لكن الظروف المعيشية لم تعد موجودة" .


موقع اذاعة صوت اميركا