حصاد التجارب العالمية يؤكد أن لا نهضة او تنمية مستدامة من دون صناعة، وهكذا تنافسوا بحيث سعى كلّ طرف ان يجهض صناعة الآخر لضمان انسيابيّة منجته الصناعي، وهذه طبيعة الامور في الاقتصاد والسياسة، لتصبح الغلبة لمن استحوذ على مخرجات التصنيع.
نحن الآن في هذا الخضم على الاقل مع دول الجوار، اذ من المنطقي ان لا يصنعوا لنا صناعتنا وغير مجدٍ لهم اقتصاديا احياء وتشغيل 100 الف مشروع ومعمل وورشة بين متلكئ ومتوقف، وهم يصدرون لنا منتجات هذه المشاريع، وهكذا يطمحون لزيادة صادراتهم الينا بمليارات الدولارات وهذه من بديهيات العمل التجاري.
ولكن العنقاء العراقية نفضتْ بعضا من رمادها بحماية 84 منتجا محليا، وتبشّرنا وزارة الصناعة والمعادن بتشغيل 150 معملا ومصنعا، اما التصنيع الزراعي فالامور ايضا تبشّر بخير في جوانب الثروة الحيوانية ومنتجاتها.
نخلص من ما تقدّم ان الشعوب لا تتعلّم من خلال استنساخ التجارب (ربما تسترشد) وليس الاقتداء بالغير، هذا لمسناه في تجارب الراسمالية والاشتراكية وصولا لتجربة نمور اسيا واميركا اللاتينية.
من المعلوم أنّ صناعتنا تعرّضت لتدمير منظّم منذ العام 1991 وعسكرتها قبل ذلك لنقع بعدها في مطب الليبرالية الاقتصادية المشوّهة بإلغاء الكمارك وباستيراد عشوائي من دول الجوار.
والآن بات مشروعا بعد الانفتاح على جيران التصدير لنحقق نقلة نوعية في ميزاننا التجاري، ولعلنا نستوعب هذه العثرة التاريخية كدرس قاس اذ ننفرد بتجربة استثنائية متعددة الوجوه، بحيث يكون التساؤل والمشاركة في تحديد الاولويات في ضوء الدرس قبل وبعد العام 2003؛ لاننا لم نستفد من تجارب ونصائح المؤسسات الاقتصادية.
علينا ان لا ننسى أنّ شركاء اليوم هم مصدرو الأمس، ولا نعتقد ان التوجه الجديد يسرّهم بدون تحول هذه العلاقة الى شراكة حقيقية في اختصاصات كلٍّ منهم مبدئيا.
هذا الامر سيكون مدعاة لحفظ التوازن الاقتصادي لتعود التجارة البينية على الاقل نحو فتح الاعتمادات الاصولية.
وهذا ما يعزز موقف المفاوض العراقي في ملف اساس هو ملف المياه، إذ تفتح الافاق فيه للشراكة الزراعية والثروة الحيوانية والصناعة التقليدية لتوفر المشتركات التي تعزز العلاقة الستراتيجية نحو محور اقتصادي فاعل اقليميا على الاقل ودوليا من خلال “الاوبك” وفي صناعة وتجارة الغاز المتنامية عالميا.
نستمر بالتأكيد على انه لا نهضة ولا تنمية بدون القاطرة الصناعية الرشيدة، وكلنا أمل في ان تنطلق سكتنا الصناعية لمواكبة اجوائها الاقليمية والدولية بحنكة المخلصين.