الخلافات التركية – الأميركية.. النفط بعد السلاح

قضايا عربية ودولية 2019/04/26
...

اسطنبول / فراس سعدون
واصلت أنقرة، على مدار الأيام الماضية، رفض عقوبات واشنطن الأخيرة على طهران، متمثلة بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عدم تمديد إعفاءات 8 دول تستورد النفط الإيراني ومشتقاته، ومنها تركيا، ابتداء من الشهر المقبل. ويأتي الخلاف التركي - الأميركي الجديد في أثناء خلاف آخر يتعلق بإمكان حرمان تركيا من الحصول على طائرات إف – 35 المقاتلة في حال امتلاكها منظومة الدفاع الصاروخي الروسية 
إس – 400.
خلاف العقوبات الإيرانية
وقال مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، في تعليقات صحفية أدلى بها من أنقرة، بشأن تقييمه لقرار الولايات المتحدة منع إيران من تصدير النفط ومشتقاته: إن «القرار الأميركي خاطئ للغاية، ومن الصعب تنفيذه»، لافتا إلى أن القرار «لا يهم تركيا فقط، بل العديد من الدول الراغبة بتنويع وارداتها النفطية».
وتشتري تركيا من إيران قرابة الثلث من حاجتها للبترول، في وقت تلكأ فيه وصول النفط الخام من العراق إلى تركيا بسبب ظروف الحرب على تنظيم داعش الإرهابي.
وتساءل جاووش أوغلو «ما المصدر البديل بالنسبة لنا؟ إنه العراق. إلا أن خطوط الأنابيب التي توصل النفط العراقي لنا تعطلت، وخط الأنابيب القادم من شمال العراق منخفض السعة وقدرته محدودة».
وتفضل تركيا إيران والعراق على السعودية والإمارات في شراء النفط لأسباب عديدة.
وعزا الوزير التركي ذلك التفضيل إلى أن «النفط القادم من هذين البلدين لا يتوافق مع مصافي النفط عندنا، إذ يجب تجديدها، وعندها ستغلق لمدة زمنية معينة، فضلا عن كون تكاليف التجديد ليست رخيصة».
وتخشى تركيا أيضا من أن تستغل السعودية والإمارات فرصة حرمان إيران من تصدير النفط في رفع الأسعار، وسط وجود مشاحنات سياسية بين هذه الدول.
وكانت حزمة عقوبات أميركية على صادرات النفط الإيرانية دخلت حيز التنفيذ في 5 تشرين الثاني الماضي، لكن الولايات المتحدة استثنت آنذاك 8 دول بينها تركيا بشكل مؤقت.
 
خلاف الصفقة الروسية
ويتواصل الجدل بين تركيا والولايات المتحدة بشأن تقاطع منظومة إس – 400 مع مقاتلات إف – 35.
وصرّح الوزير جاووش أوغلو بأن الحديث عن تداخل السلاحين ادعاء عارٍ عن الصحة، مستشهدا بأن منظومة إس – 400 موجودة في سوريا وروسيا، في وقت تحلق فيه مقاتلات إف – 35 النرويجية والإسرائيلية فوق الحدود.
وحاول جاووش أوغلو طمأنة الجانب الأميركي بقوله: إن السيطرة على منظومة إس – 400 ستكون للجانب التركي بكشل كامل، وأن الهدف من شرائها هو الدفاع عن أمن تركيا، مجددا اقتراح إرسال حلف شمال الأطلسي (ناتو) لجنة خبراء لفحص المنظومةـ في حال وجود أي شكوك بشأنها.
ونفى الوزير وجود أي صيغة اتفاق أخرى بين أنقرة وموسكو لإلغاء صفقة إس – 400، مستدركا «لكن يمكن لروسيا، في حال طلبت ذلك، بيع المنظومة إلى دولة ثالثة».
ومن المقرر أن تتسلم تركيا منظومة الدفاع الصاروخي من سوريا هذا الصيف.
وتشارك تركيا ضمن 8 دول في مشروع إنتاج طائرات إف – 35، وقد دفعت حتى الآن قرابة 900 مليون دولار، في حين يتدرب طيارون أتراك على بضعة مقاتلات من هذا الجيل في الولايات المتحدة.
وردّ وزير الخارجية التركي على تهديد أميركي سابق بأن بلاده قد تخضع لقانون مكافحة أعداء أميركا الذي يعاقب دولا وشركات تتعامل مع وزارة الدفاع والاستخبارات الروسية وقال: إن «قضية طائرات إف – 35 غير مشمولة بقانون مكافحة أعداء أميركا، وإن قرار تعليق تلك الطائرات هو قرار سياسي، لاسيما ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعترف بأن إدارة سلفه باراك أوباما دفعتنا نحو روسيا».
وعرضت واشنطن على أنقرة بيعها منظومة باتريوت للدفاع الجوي بدل إس – 400، لكن المسؤولين الأتراك ينفون وجود ضمانات لبيعهم باتريوت بشروط مقبولة، بعد أن طلبوا شراءها منذ 10 سنوات ولم يحصلوا عليها.
 
رؤية للخلافات
ولا يقتصر الرفض التركي للسياسات الأميركية على الموقف الحكومي، بل ينسحب على أوساط واسعة في منظمات المجتمع المدني ونخبة الكتاب والباحثين الأتراك.
وقال محمود بيكلي، رئيس اتحاد الكتاب الأتراك في اسطنبول، في حديث لـ»الصباح»، إن «جهود تركيا في الشرق الأوسط تتمحور كلها حول السياسة والأمن والاقتصاد، وقد أقلقت الولايات المتحدة وبعض الدول الامبريالية». ويتابع «بسبب هذا القلق من الناحية السياسية، ومن الناحية الأمنية – العسكرية، ومن الناحية الاقتصادية؛ تحاول الدول الامبريالية ألا تتخذ تركيا القرارات الصائبة أو تتقدم الخطوات المطلوبة».
ورأى بيكلي أن «تركيا بإمكانها أن تقرأ المنطقة جيدا، وأن تفهم موقعها الاستراتيجي فيها، وأن تخلق سياسة تعرف بموجبها أين تتوقف». وتابع أن علاقات تركيا مع روسيا، وزيارات رئيس جمهوريتنا لروسيا، والاتفاقات التي وقعها مع نظيره هناك؛ تؤشر أن تركيا لا تتراجع عن قراراتها وعن الخطوات التي تتخذها».
واتهم رئيس اتحاد كتاب اسطنبول الولايات المتحدة بأنها «تحاول خلق مجتمعات مليئة بالفتن وزعزعة السلام في المنطقة، والدول الإسلامية، والبيئات المجاورة في آسيا وإفريقيا». وتابع أن «أميركا تدعم مصالحها الخاصة فقط في جغرافيتنا وأراضينا على مر العقود، وقد أظهر التاريخ لنا أن برميلا من النفط أهم من 100 ألف إنسان بالنسبة لأميركا، لأنها تسعى دائما لمعاقبة شعوب كاملة».