هل ستضرب إسرائيل إيران؟
إيثان برونر وهنري ماير
ترجمة: أنيس الصفار
في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” محاكاةً لاجتماع حرب وهمي مع كابينته الأمنيَّة في ملجأ آمن. في الوقت نفسه كانت التجمعات السكنية في مناطق شمال إسرائيل منشغلة بتهيئة الملاجئ هي أيضاً استعداداً لمواجهة طويلة الأمد، أما الجيش الإسرائيلي فكان منكباً يعمل بنوبات إضافية للإسراع بإنجاز نظام ليزري جديد مخصص لاعتراض الصواريخ.
كل هذا التركيز هدفه إيران وطموحاتها النووية. فعلى مدى سنوات كانت إسرائيل تعدّ إيران “المسلحة نووياً” خطراً يهدد وجودها، لذا حشدت طاقاتها لمواجهتها هي وأعوانها الإقليميون في سوريا ولبنان والمناطق الفلسطينية، بيد أنَّ كثيراً من المستجدات تحققت على مدى الأشهر القليلة الماضية. فإيران قد خرجت من العزلة الدبلوماسية وأقامت تحالفاً عسكرياً مهماً مع روسيا تسعى من خلاله للحصول على دفاعات جوية، كما استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية وهي مستمرة في دفع حلفائها لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. تعمل إيران أيضاً على تخصيب المزيد والمزيد من اليورانيوم، بما في ذلك كمية ضئيلة وشيكة الوصول إلى درجة التسلح، وهي خلال ذلك كله تنفي وجود خطط لديها لصنع القنبلة.
كل هذه التطورات، إلى جانب الأزمة السياسية في إسرائيل التي أثارتها محاولة نتانياهو لإصلاح الجهاز القضائي، وضعت الحكومة الإسرائيلية في موقف جعلها تطلق التحذيرات يومياً لتعلم الجميع بأنها لن تتردد في اتخاذ إجراء، ولو بمفردها، إذا ما شعرت بدرجة كافية من التهديد من جانب إيران.
لا متسع للانتظار
من يعرفون إسرائيل حقَّ المعرفة يقولون إنَّ هناك نية جدية لا ريب فيها إلى جانب عنصر التأثير الجماهيري.
يقول “دينيس روس”، المبعوث السابق للبيت الأبيض في الشرق الأوسط: “إيران تقوّي دفاعاتها، وهذا يعني أنَّ خيار الهجوم قد يفلت من يد إسرائيل، وبصفتي شخصاً اشتغل بهذا الشأن وتحدثت طويلاً مع الإسرائيليين يسعني القول إنَّ الشيء الوحيد الذي أشعر أنني مقتنع به شخصياً هو أنهم لن يسمحوا أبداً بإفلات الخيار من يدهم. فالمرء لا يبقى ينتظر حتى الدقيقة الأخيرة.”
يطرق المسؤولون الإسرائيليون هذا الشأن أينما ذهبوا. وقد تحدث وزير الاقتصاد الإسرائيلي “نير بركات” إلى محطة تلفزيون بلومبرغ في نيويورك مؤخراً فقال: “إيران تهدد العالم، فهم يريدون القنبلة كي يستخدموها. قد نكون نحن على رأس قائمتهم، ولكننا لسنا الوحيدين”.
بيد أنَّ قدرة إسرائيل على توجيه ضربة قاصمة تبقى موضع شك، لاسيما إذا تحركت بمفردها من دون التعاون مع الولايات المتحدة التي أعلنت أنها تريد حلاً دبلوماسياً لبرنامج إيران النووي، لقد نفت واشنطن وطهران التقارير الأخيرة التي أفادت بأنهما معاً تستطلعان بصمت إمكانيات عقد اتفاق نووي جديد، ولو أنَّ إيران قالت مؤخراً إنَّ الجانبين على وشك التوصل إلى اتفاقية بشأن تبادل السجناء.
نتانياهو من جانبه رفض الموقف الأميركي إزاء إيران، وقال في حديث مع شبكة “سكاي نيوز”: “الدبلوماسية لا يمكن أن تنجح إلا عندما تقترن بتهديد عسكري صادق.”
فوضى داخلية
متابعو الشأن الإسرائيلي من أهل الخبرة تبقى لديهم شكوك في أن يضرب نتانياهو إيران. تعتقد “دينا اسفندياري”، وهي مستشارة قدمى في شؤون الشرق الأوسط من “مجموعة الأزمة الدولية”، أنه إنما يحاول صرف الانتباه عما يواجهه من صعوبات في الداخل، لاسيما الغضب الواسع بشأن خططه لإضعاف القضاء.
تقول اسفندياري: “حين تعم الفوضى كل شيء في الداخل فإنَّ أفضل ما يمكن فعله هو إعادة التركيز على دور العدو الخارجي.”
لكن حتى خصوم نتانياهو يقولون إنهم يؤيدونه بخصوص إيران، فقد قال زعيم المعارضة “يائير لابيد” خلال فترة تواجده في نيويورك مؤخراً: “حول هذا الأمر ليس هناك تحالف أو معارضة في إسرائيل، فالجميع متفقون على نغمة واحدة.”
بعيداً عن الأضواء، يعبّر المسؤولون الإسرائيليون عن قلقهم بشأن قدرتهم على تنفيذ المهمة دون حليفهم الرئيس. فهم قلقون بشكل خاص من أن تعرقل الانقسامات العميقة التي تعتري المجتمع الإسرائيلي، وأوضح مثال عليها الاحتجاجات الجماهيرية التي خرجت هذا العام بخصوص خطة القضاء، الاستعدادات فتعطي أعداءهم انطباعاً بأنهم أكثر انكشافاً للخطر.
يقول “جاكوب نيجل” مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق: “الاتفاق السعودي الإيراني يُكسب الإيرانيين شعوراً بأنهم أقوى، وهم يبذلون الأموال والتدريب والتوجيه ويقدمون السلاح للزج بإسرائيل في مواجهة متعددة الجبهات.”
في العام 1981 دمرت الطائرات الحربية الإسرائيلية مفاعلاً نووياً عراقياً، كما دمرت مفاعلاً سورياً في العام 2007، ويدور حديث حول القيام بمثل هذا مع إيران. كانت إسرائيل على وشك القيام بذلك مرتين من قبل في عهد نتانياهو، الأولى في العام 2010 لولا أن تمكنت كابينة أمنه الداخلي المدعومة من مؤسسة الدفاع من ثنيه عن ذلك، والثانية في العام 2012 لولا أنَّ الولايات المتحدة أقنعته بالتراجع، لكنَّ الكابينة الأمنية اليوم أكثر عناداً وتشدداً.
التحضيرات المكثفة، في الماضي والحاضر، وسيلة لإيصال رسالة مهمتها إقناع الولايات المتحدة وإيران بأنَّ إسرائيل جادة وعلى إيران أن تبطئ تخصيب اليورانيوم وصنع الصواريخ أو توقفهما بالمرة.
تداعيات إقليمية
أي ضربة لإيران قد تسبب إرباك أسواق النفط قبل أن تستحيل إلى حريق هائل يكتنف المنطقة وتشمل تأثيراته دولاً مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وطرق الشحن البحري عبر الخليج.
من شأن ذلك أيضاً إطلاق ردود فعل واسعة ضد إسرائيل، بما في ذلك من قبل “حزب الله” ومنظمة “حماس”، وهذا سيصيب بعض المستثمرين بالتوتر والقلق. ففي الشهر الماضي تدهورت قيمة العملة الإسرائيلية (الشيكل) لفترة وجيزة عقب تحذير قيادة الجيش الإسرائيلي من إمكانية اتخاذ إجراء ضد إيران.
بمقدور حزب الله اللبناني، الذي يعتقد أنَّ لديه أكثر من 100 ألف صاروخ، أن ينتقم بإطلاق معركة شرسة، كما يعتقد “برادلي بومان” الضابط السابق في الجيش الأميركي الذي يعمل حالياً في مؤسسة “الدفاع عن الديمقراطيات” المؤيدة لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة مع إيران. يقول بومان: “لو أنَّ جزءاً فقط من تلك الترسانة أطلق على إسرائيل لكان هناك خطر إصابة دفاعاتها بالعجز.”
علاقات إيران العسكرية المستمرة في التطور مع روسيا هي الأخرى مصدر تطيّر في إسرائيل.
لقد قدمت إيران الطائرات المسيّرة، وبالمقابل طلبت مساعدة روسيا لها في مجال الدفاع الجوي وتطوير الصواريخ، لذا أرسلت إسرائيل مسؤولين رفيعي المستوى إلى موسكو في شهر أيار كي يطلبوا من روسيا الامتناع عن إجابة ذلك الطلب.
تسبب الاحتمال المتصاعد بوقوع ضربة إسرائيلية في إثارة القلق لدى آخرين في المنطقة. فحتى العام الماضي كانت المملكة السعودية تعاني من سلسلة هجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على منشآتها النفطية وأهداف أخرى سواها زعم أنَّ جماعات الحوثي التي تدعمها إيران في اليمن هي المسؤولة عنها.
المغنم السعودي الإسرائيلي
يقول رياض قهوجي مؤسس مجموعة “إنغما” للأبحاث الأمنية، ومقرها دبي، إنَّ السعوديين رأوا أنَّ إبرام صفقة مع إيران بوساطة صينية سوف يفتح أمامهم منفذاً لخفض التوترات مع جيرانهم والتركيز على التنمية.
يعتقد عدد من المسؤولين الإسرائيليين أنَّ أحد الآثار الإيجابية للتقارب الإيراني السعودي هو أنَّ الولايات المتحدة قد أحست بالتهديد من الدور الصيني، لذا أخذت تصعد مساعيها الخاصة لإصلاح الأوضاع مع الرياض، وهذا ربما يمكّن إسرائيل من بلوغ هدفها الكبير وهو إقامة علاقات دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية.
تعتقد إسرائيل وواشنطن معاً أنَّ الصفقة السعودية الإسرائيلية سوف تكون مغنماً كبيراً وأنها يمكن أن تعزز الأمن الإسرائيلي وتثني إيران عن شن أي هجمات مباشرة.
مع ذلك تصرح السلطات السعودية بشكل علني أنَّ قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يقول نتانياهو إنه أمر مستبعد الحدوث للغاية في المدى القريب، شرط مسبق. لكنَّ السعوديين أسرّوا بشكل شخصي للولايات المتحدة أنهم يريدون ضمانات دفاعية وأمنية، كما يطلبون فتح منفذ يتيح لهم الحصول على أرقى الأسلحة تقدماً ومساعدتهم في تطوير احتياطياتهم من اليورانيوم. تركز إسرائيل بشكل متزايد حالياً على المواجهة العسكرية المحتملة. فمنذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب” من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الكبرى في 2018 أخذت طهران تعجل عملية معالجة اليورانيوم، حيث اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة مؤخراً كمية صغيرة منه مخصبة إلى مستوى نقاء يصل إلى 84 ٪ وهذا أدنى بقليل من مستوى 90 ٪ الذي يتطلبه عادة الاستخدام في الأسلحة.
في أواخر شهر أيار قالت الوكالة إنَّ التفسير الذي قدمته إيران، وفحواه أنَّ ذلك كان نتاجاً عرضياً، لم يكن كافياً.
أما نتانياهو فقد اتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالإذعان وقال إنَّ إيران تكذب. كل هذا يقدم مثالاً آخر على العزلة الدولية التي تشعر بها إسرائيل في شأن تقول إنها خير من يعرفه وشد من يخشاه.
•مجلة “تايم”