ناشطات أوغندا ومواجهة الانتهاكات عبر الإنترنت

بانوراما 2023/07/04
...

 آدي فانيسا أوفيونغ
 ترجمة: بهاء سلمان


تعد "دورين نيانجورا" حديثة العهد بالسياسة، وأعلنت على موقع تويتر أنها ستخوض الانتخابات الرئاسية في أوغندا بحلول العام 2026؛ ولها اسم لمؤيديها، كما ميّزت منصتها بعلامة تصنيف جذابة: ThePoliticalAntidote، أي المضاد السياسي!. لكن مع هذا الحضور على الإنترنت، تقول نيانجورا إنها تواجه حاليا تحدّيات غير اعتيادية لكونها إمرأة تعمل بمجال السياسة، فعلاوة على تغريدات الدعم أو السخرية التي إعتاد عليها معظم السياسيين على وسائل التواصل الاجتماعي، تتلقى نيانجورا أيضا تغريدات عن كراهة استهزائية للنساء. "الطاولة التي تهزهينها هي تابعة للكبار، وليس للقتلة يا عزيزتي. لا تقومي حتى بتبذير مالك ما لم يكن هناك شيء تسعين لتحقيقه".. هكذا كان تعليق أحد الأشخاص، ردا على إعلان نيانجورا أنها تنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية في أوغندا سنة 2026 ضد "موهوزي كانيروغابا"، نجل الرئيس الحالي "يويري موسيفيني"، إذا ما تقدم للترشح.


 "تزوّجي أولا ثم تنافسي على المقعد الرئاسي، لأنك لن تستطيعي أن تحكمي الناس المتزوّجين. ما هي نصيحتكِ لهم؟".. سأل آخر.

وضع غير جديد
وبصفتها نائب عمدة كمبالا، العاصمة الأوغندية، فإن الهجمات الشخصية عبر الإنترنت ليست غريبة على نيانجورا، وتشير إلى زيادتها بعد أن توّلت منصبها البلدي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وتشمل كل شيء، من طول شعرها إلى عمرها وحالتها الاجتماعية. تقول نيانجورا: "شكلت حقيقة أنني عزباء سببا آخرا للتنمّر، حيث قال الكثيرون إن هذا هو السبب الذي جعلني أحصل على المنصب. سيقول الناس أنني لست مسؤولة لأنني لست متزوّجة." وإذا رأوها يوما ما مع رجل، حتى لو كان واقفا بجوارها، "فسيعملون منها قضية."
هذه السياسية البالغة من العمر 33 عاما، والتي كانت ناشطة طلابية في جامعة ماكيريري من جامعات العاصمة كمبالا، قبل ولوجها عالم السياسة سنة 2016 والانضمام إلى منتدى التغيير الديمقراطي، أحد أحزاب المعارضة الرئيسية في أوغندا، تقول إن المضايقات التي تتعرّض لها على وسائل التواصل الاجتماعي تكون أسوأ عندما تدافع عن المساواة بين الجنسين.
تشرح نيانجورا: "يشعر الكثيرون أن الدعوة إلى الانصاف والمساواة هي إساءة للثقافة والمعتقدات الدينية. بالنسبة لجميع مشاركاتي التي تدعو إلى المساواة بين الجنسين، أتلقى إساءة أو إهانات،" مضيفة أن منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي عادة ما يتم رفعها ومشاركتها عبر عدة مجموعات بتطبيق الواتساب، تليها إساءة على جميع المنصات.

تهديد ووعيد
وتواصل الناشطة كلامها: "تصلني تهديدات بارتكاب اعتداءات جسدية عندما أخطط لمظاهرة وأنشر عنها على وسائل التواصل الاجتماعي ... أتلقى تهديدات بالاعتقال أو الحمل في "طائرة بدون طيار"، وهو اسم مستعار يُطلق على الشاحنات الصغيرة التي أفادت التقارير بأنها استخدمت في اعتقال النشطاء السياسيين في أوغندا، لذا، اضطر للبقاء بعيدة عن منزلي في مثل هذه الأوقات، وأطلب من أفراد عائلتي أن يفعلوا الشيء نفسه."
في البداية، جعلتها الإساءة تشعر بالفزع، على حد قولها، لكنها تدرك أن المعتدين عليها يريدون اسكاتها، وأكدّت بأنها قررت الثبات على مواقفها كي تكون مثالا ايجابيا للنساء الأخريات في الحياة العامة. "
هناك الكثير من النساء اللواتي لا يستخدمن أيا من هذه المنصات الإعلامية، لكن إذا كنت سأخرج من وسائل التواصل الاجتماعي لأنني تعرّضت للتنمّر، فما هو المثال الذي أقوم بإيجاده للنساء الأخريات اللواتي يتابعن منشوراتي، ومقاطع الفيديو الخاصة بي، وحالة التشجيع
الدافعة لي؟"
تتعرض ثلث نساء أوغندا تقريبا، للاستهداف في الحياة العامة، حيث كشفت الدراسات الاستقصائية الأخيرة عن أرقام صارخة تسلّط الضوء على مدى شيوع استهداف النساء عبر الإنترنت. وجد البحث، الذي قادته مجموعة بوليسي النسوية للتكنولوجيا سنة 2020، أن واحدة من كل ثلاث نساء، أو نحو 33 بالمئة من النساء، تتراوح أعمارهن بين 18 و65 عاما شملهن الاستطلاع في أوغندا أبلغن بتعرّضهن لعنف قائم على الجنس عبر الإنترنت.
ووجدت دراسة أخرى أجريت عام 2021 أن هذه الحالة زادت بين القيادات النسائية
والنساء البارزات، مع تعرّض نصفهنّ للمضايقة.

إحجام عن الانترنت
تقول "إيرين مويندوا"، مديرة المبادرات الإستراتيجية في مجموعة بوليسي: "كثير من النسوة توقفن عن استخدام التطبيقات وتحشيد الآراء عبر الإنترنت." ووجدت نفس الدراسة انخفاض استخدام النساء السياسيات لمنصات التواصل الاجتماعي وحرمانهن من التواصل مع الناخبين مقارنة بالرجال، وبحسب مويندوا، فخلال الفترة التي سبقت انتخابات 2021، "استمرّت الأرقام في الانخفاض جرّاء تصاعد حالات الإساءة عبر الانترنت التي كانت تواجه النساء."
وجدت دراسة أخرى أجريت عام 2021 حول النساء في البرلمانات الأفريقية، أجراها الإتحاد البرلماني الدولي والإتحاد البرلماني الأفريقي، أن 42 بالمئة من البرلمانيات تلقين "تهديدات بالقتل أو بالاغتصاب أو بالضرب أو الاختطاف، عادة عبر الانترنت." ووجد التقرير، وهو الثاني من قبل الإتحاد البرلماني الدولي، بعد تقرير صدر سنة 2018 عن البرلمانات الأوروبية، أنه بالمقارنة "تعد الهجمات عبر الانترنت شائعة أيضا ولكنها أقل في أوروبا"، مرجعا الاختلاف إلى "تفاوتات أكبر في سهولة وصول النساء إلى الانترنت بين المنطقتين."عندما قررت "أوليف نمازي" دخول عالم السياسة، اعتقدت أنها ستعيش حياة عامة كريمة. لكن نمازي، التي تبلغ من العمر 34 عاما، وتنتمي حزب نيانجورا نفسه، تقول إنها لم تدرك أن دخول المرأة إلى الساحة السياسية، ولكونها من ذوي الاحتياجات الخاصة، من شأنه أن يطلق حملة من التنمّر عبر الانترنت ستستمر لمدة أكثر من عقد.
كجزء من التزاماته، يضع منتدى التغيير الديمقراطي مسألة تمكين المرأة كأهم أولوياته، ومن خلال دورها في الإشراف على الصحة والتعليم والبيئة والرياضة لمجلس مدينة كمبالا، تشير نمازي لكون وسائل التواصل الاجتماعي كأداة حيوية للمساعدة في جعل عملها في المجتمع ملموسا ويعمل على دعم الناخبين؛ لكن تلك الوسائل تعد أيضا فضاء ينبغي أن تستثمره للدفاع عن نفسها ضد سيل من الانتهاكات.

استخفاف واضح
وتواصل نمازي حديثها عن سبب تعرّض النساء من السياسيات والشخصيات العامة للتنمّر عبر الانترنت أكثر من زملائهن الرجال، وتقول: "يجدنا الناس  كأهداف سهلة لهم، فبمجرّد أن تكوني إمرأة معروفة، فأنت مرشحة محتملة للتنمّر." وتسبب لها حادث في عام 2013 في إصابتها بعرج، ولذلك فهي ترتدي حذاء مصنوعا خصيصا لها. وبالنسبة لمنتقديها، فهذا أمر يثير الاستهزاء، وحاولت جهدها عبر مجاميع الواتساب لاخراج هذه الأفكار من عقول الساخرين، لكن دائما هناك من يرسل تعليقات ملؤها الاستهزاء لدرجات بعيدة عن الاحترام.
في مجموعة أخرى، وخلال محادثة جماعية خاصة مع سياسيين آخرين، تقول نمازي إنه ذكرت تعليقات حول السن الذي تزوّجت فيه وتكوين أسرة. "ما أجده مثيرا للاهتمام هو أنه في بعض الأحيان تصدر هذه الانتهاكات من زملائنا المثقفين الذين نتوقع منهم أن يفهمونا" مضيفة: "كانت هذه الاساءات على منصة للقادة. كان الأمر سيئا للغاية."
تحظى خبرات نمازي ونيانجورا بدعم من البحث المشترك للاتحاديين البرلمانيين الدولي والافريقي لعام 2021، والذي وجد أن غالبية الانتهاكات التي تتعرّض لها البرلمانيات تأتي من أقرانهن من الرجال، وخصوصا من أعضاء الأحزاب المنافسة. كما وجد التقرير أن البرلمانيات اللائي يعشن حالة إعاقة وكذلك العازبات، دون سن الأربعين، ومن الأقلّيات، يعانين مزيدا من العنف. وكما تبيّن رواية نيانجورا، فإن النساء البرلمانيات اللائي يدعمن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين مستهدفات أيضا. تحدث هذه الاساءة عبر الانترنت للنساء السياسيات في دولة لديها قانون نافذ للأمن السيبراني منذ أكثر من عقد. في البداية، حظر قانون "اساءة استخدام الكمبيوتر" الأوغندي الإتصالات الهجومية والمضايقات الإلكترونية، وتم تعديله العام الماضي لإضافة خطاب الكراهية إلى القائمة. واعتبرت فقرة الاتصال المسيء بأنها غير دستورية في وقت سابق من هذا العام، لكن المضايقة الالكترونية يعاقب عليها بغرامة مالية كبيرة جدا، أو السجن لمدة تصل إلى سبع سنوات،
أو كليهما.

مطاطية القوانين
ومع ذلك، لطالما أثار الخبراء ومنظمات حقوق الإنسان مخاوف من أنه بدلا من حماية الفئات الضعيفة المتعرّضة للتصيّد والمضايقات، مثل النساء المشتغلات بالسياسة، فإن مصطلحات القانون الغامضة، حتى بعد إجراء التعديل الأخير، يمكن أن تؤدي بدلا من ذلك إلى فرض القانون لاسكات النشطاء أو معارضي الحكومة.
يقول "إيرون كيزا"، محامي حقوق الإنسان وعضو لجنة سيادة القانون التابعة لجمعية القانون الأوغندي، إن هذا الحال "يقوّض قدرة وفعالية القوانين كأدوات لمكافحة جرائم الانترنت. عادة ما يتم صياغة قوانين الإنترنت بشكل غامض وميالة للطعون القانونية، مما يتسبب بحدوث مشكلات عند رفع القضايا إلى المحكمة."
ويقول العديد من خبراء حقوق المرأة إن التحدّيات التي تواجه توظيف القانون لمقاضاة التحرش عبر الانترنت بنجاح تؤدي إلى عدم إبلاغ النساء السلطات المعنية بوجود انتهاكات تضر بهن. بالنسبة لنمازي، لا فائدة ترجى من الشرطة، حسبما تقول: "لا تعتبر السلطات التنمّر عبر الانترنت أمرا خطيرا مثل التنمّر الجسدي، وبالتالي لا تتعامل معه بالشدة التي يستلزمها." ولم ترد أية تعليقات من الشرطة ووزارة العدل الأوغندية على هذا الموضوع.
يقول الخبراء والنشطاء في البلاد ان هناك حاجة إلى تدابير حماية موجهة بشكل أفضل لضمان بقاء المرأة مسموعة ومرئية في السياسة الأوغندية وتشعر بالثقة في مشاركة عملها ووجهات نظرها مثلها مثل الرجال في مناصب السلطة نفسها.
تقول "بريجيت فيليون"، مسؤولة برنامج المساواة بين الجنسين في الإتحاد البرلماني الدولي: "نحتاج حقا إلى صوت المرأة لتغيير الطريقة التي يتم بها صنع الاقتصاد والسياسة والسياسات الاجتماعية. عندما يكون هناك نساء في البرلمانات، ستزداد القوانين والسياسات المتعلّقة بقضايا مثل العنف ضد المرأة والقضايا المتعلّقة بالنوع الاجتماعي.. ستكون خسارة كبيرة جدا للمجتمع بشكل عام إذا لم تشارك المرأة على قدم المساواة في السياسة."

تعلم الرد على الإساءة
مع إخفاق القوانين في حماية المرأة، أمضت منظّمات المجتمع المدني، مثل "مجموعة بوليسي" سنوات في إنشاء برامج وطنية وإقليمية لمساعدة النساء على حماية أنفسهن عبر الانترنت. توضح مويندوا قائلة: "أقل من ربع البرلمانيين الأفارقة والحكومات المحلية هم من النساء؛ وسيعمل تحسين المهارات الرقمية من قدرات السياسيات على توسيع نطاق عملهن ومهنهن ومجتمعاتهن."
أنشأ فريق ايرين مويندوا لعبة رقمية، تدعى "شاي آمن رقمي"، كجلسة تدخل فيها حياة ثلاث نساء وهميات للتعرّف على التهديدات الرقمية التي يواجهنها بشكل منتظم، بما في ذلك "زووم بومبينج"، وهو اقحام مكالمة بصورة مكبرة من قبل متصيّد، وكذلك انتحال شخصية وعرض صور جنسية صريحة تمّ اقحامها بدون موافقة.
توضح مويندوا أن "الناس يتنقّلون عبر متاهة التهديدات التي يتم تقديمها بدروس حول كيفية التعامل مع مثل هذه التهديدات في الحياة الواقعية". ساعدت هذه اللعبة نمازي على تعلم كيفية الرد على المتنمّرين، وتقول: "علّمتني متى أتجاهل وكيف امنع المتنمّرين، كما أرشدتني إلى طرق الابلاغ عن التنمّر للمنصّات حيث كان يحدث."كما تدير مجموعة بوليسي دورات تدريبية للبرلمانيات. إذ قالت مويندوا إن 90 امرأة من أوغندا وتنزانيا والسنغال اجتمعن معا قبل بضعة شهور كجزء من برنامج "صوّت للمرأة". هنا، كان المشاركون قادرين على تبادل الخبرات الشخصية وكذلك الحصول على تدريب في المرونة الرقمية، ومكافحة العنف والتحرش عبر الإنترنت، والمشاركة بأمان في النقاش العام. وحضرت كل من نيانجورا ونمازي الحدث.

مواجهة التنمّر
يعمل العديد من المنظمات مع السياسيات المحاصرات في أوغندا لتحقيق ما يقولون إن القوانين المعمول بها تفشل في تحقيقه، بما في ذلك شبكة نساء أوغندا، وهي منظّمة غير حكومية تروّج لاستخدام التكنولوجيا بين النساء والفتيات ومنظمات حقوق المرأة، كانت تدار سابقا من قبل "بيس أميوج" وهي مديرة تنفيذية.
تعمل المنظّمة، الناشطة منذ أكثر من عشرين سنة، مع القيادات النسائية ليس فقط لمعالجة تجاربهن الخاصة من الإساءة، ولكن أيضا لوضع تشريعات أفضل بشأن هذه القضايا. وتشير اميوج إلى أنه مع ان تعديل خطاب الكراهية يذكر نوع الجنس، فإن قانون إساءة استخدام الكمبيوتر الأوغندي لا يغطي على وجه التحديد العنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الانترنت، والذي تدافع عنه المنظمة. وتتفق اميوج مع الرأي القائل بأن المشاركة عبر الانترنت يمكن أن تكون أداة فعالة في السياسة، لكنها تحذر من أن العديد من النساء يتجنّبن المنصات عبر الانترنت خوفا من سوء المعاملة. لكن نيانجورا ونمازي مصممتان على المضي قدما والبقاء في السياسة، مهما بلغت التكلفة. تقول نمازي: "كدت أن أصاب بالجنون مع انشغالي بأحد المتنمّرين ليومين متتاليين دون توقف، لكنني كنت عازمة على أن أكون ناشطة سياسية ضد احتمالات وجود أي نوع من الترهيب.. وبدلا من الخضوع للتنمّر، اخترت الصمود ومهاجمتهم في الحال." وتقول نيانجورا: "أريد أن أقول للنساء الأخريات، عندما تصمدين، سيتركك المتحرشون وشأنك في نهاية المطاف،" مضيفة: "إذا لم تتبن النساء العالم الرقمي، فسيتخلفن عن الركب بالتأكيد."
وكالة سي أن أن الاخبارية الأميركية