أنا الدولة.. منهج الدمج اللعين

العراق 2019/04/26
...

حسين العادلي
• يجب أن تتمتع الدولة باستقلاليتها،.. لا أتحدث هنا عن استقلالية الدولة بمعنى سيادتها ككيان وطني، بل أقصد: اعتماد مبدأ الفصل بين الدولة ككيان وطني وبين الحكم كإدارة متغيرة. فكلما تمتعت الدولة باستقلالية أكبر عن الحكم، نجحت ورسخت وتكاملت، وكلما تم دمجها بالحكم وابتلاعها من قبل الحكّام، ضعفت وتراجعت وكانت مسمّى دولة. 
• الدولة غير الحكم، فالدولة إقليم جغرافي وشعب ونظام واعتراف دولي تشكّل وحدة واحدة لتمثيل أمّة الدولة ووجودها الشرعي القانوني، فالدولة تنشأ ببنية دستورية وقانونية ومؤسسية، وتتفعّل بممارسة وظائفها العامة التي تنشأ بشكل رئيس من أربع وظائف، هي: الاعتراف برعاياها على أساس المواطنة، والإدارة القائمة على المشاركة السياسية، والحماية من خلال احتكار العنف الشرعي، وتوفير الخدمات من خلال البرامج والمؤسسات. أمّا الحكم فهو الإدارة العامة لوظائف الدولة ضمن ثوابت الدولة الدستورية والقانونية والمؤسساتية. إنَّ الحكم إدارة بينما الدولة وجود وكيان.
• المفترض أنَّ تتمتع الدولة باستقلاليتها وشخصيتها المعنوية بعيداً عن دمجها بالحكم والحاكمين إذا ما أُريد لها البقاء والرسوخ، وإلا ستكون مجرد سلطة تتغير بتغيّر الأنظمة لتعيش زمناً مستنسخاً من الانقلابات وليس تاريخاً تراكمياً لدولة. إنَّ الدولة الدكتاتورية أو الشمولية هي نموذج لدولة الدمج التي لا تتمتع باستقلالية عن الحكم/الحكّام، كونها مبتلعة ومحتكرة، فتكون الأضعف بنية والأكثر عرضة للانهيارات.
• انهيار الدولة بانهيار الحكم وزوال الحكّام هي دوامة الفشل البنيوي الذي تعاني منه دولنا، وهو فشل تدفع الأمّة والدولة ضريبته دماً ومالاً وتنميةً وسيادةً على طول الخط حتى وإن زال الحكم وتغيّر الحاكم، فالاتفاقات والالتزامات الدولية – مثلاً - تبقى ملزمة للدولة وإن تغير شكلها ونظام الحكم فيها،... رأينا كيف دفعت الدولة العراقية الثمن غالياً وما زالت جرّاء الدمج الكلي بينها وبين الحكم إبان حقبة البعث/صدام، فما زال العراق يدفع ضرائبها (كاجتياح الكويت) بما لا يمكن تلافي كوارثه لعقود من الزمن. أقول: لا يسمح للدولة بالتحرر من التزاماتها وأفعالها حتى وإن تغيّر نظامها وشكل الحكم فيها.
• دولة (الدمج)، هي الدولة التي لا تعرف الفصل بين كيانها وبين الحكم والحكّام فيها، وهي الدولة التي لا تقوم وتتقوم على وفق إرادة الأمّة وعلوية الدستور وحاكمية القانون وسيادة المؤسسات،.. فدولة الدمج ليست دولة الأمّة وكيانها الدال على هويتها ومصالحها، هي دولة الحاكم الشخص/ النخبة/ الحزب/ الطغمة التي تبتلع الدولة/ الكيان/ المؤسسة وتصيّرها ملكاً يزول بزوالهم، لتعيد الدولة الكرّة من جديد بطغمة جديدة، وهكذا دواليك!!.
• (أنا الدولة).. مقولة الحكم المستبد والمحتكر والمبتلع للدولة شخصاً كان أم حزباً أم طغمة،.. إنه منهج الدمج اللعين الذي لا يرى فاصلة بين الدولة ككيان وطني وبين الحكم كإدارة متغيرة متحركة،.. و(أنا القانون) و(أنا المؤسسة).. الخ نماذج مصغّرة لمنهج الدمج للمسؤول المنتفخ الذي لا يرى فاصلة بينه وبين الموقع.   
• لن تتكامل الدولة وتترسخ مؤسساتها إلاّ بالفصل بينها وبين الحاكم/ المسؤول، فالمطلوب إدارة الموقع وليس ابتلاعه،.. ويُضمن الفصل (بين الأنوية والموقع) قانونياً ومؤسساتياً ورقابياً، ويُلزم به الحاكم ويلتزم باشتراطاته، ويُراقب من قبل الرأي العام ومؤسساته بحرص وشجاعة،.. فالحاكم/ المسؤول يدُير وظيفة ولا يملك ليبتلع ويحتكر ويطغى.