التكنولوجيا وتأثيرها في الأسرة

ريبورتاج 2023/07/05
...

  سرور العلي 

تبدو الأربعينية زينب أحمد منزعجة، وهي ترى طفلها ذا العشر سنوات يدمن على استخدام الجهاز اللوحي الخاص به "الإيباد"، معظم الوقت، وينشغل بألعاب الفيديو مع أقرانه، وتحاول أحمد إبعاده بشتى الطرق عن تلك الوسائل، من خلال ترغيبه بالهدايا والتنزه معه أحياناً، وشراء الألعاب له من المجمعات التجارية، لكنه يعود مرة أخرى لممارسة إدمانه.

تأثير

وتعاني معظم الأسر اليوم من تأثيرات التكنولوجيا في حياتها، إذ أشار مدرب التنمية البشرية جلال الحسناوي إلى أن الأسرة العراقية من الأسر المتماسكة والمترابطة، وكالجدار الكونكريتي في السابق، أما الآن فأصبح هناك خلل فيها، ونلاحظ أن تأثيرات التكنولوجيا في البلدان الأوروبية أقل، كونها جاءت لهم بشكل أجزاء، لكن في مجتمعاتنا دخلت دفعة واحدة، كالنهر الجارف، وتلك أزمة وقعت بها الأسرة، إضافة إلى أن الطفل هو أول من يتأثر بوسائل هذه التكنولوجيا، فيشاهد أفلام الرعب، والقتل، والعنف، وكان محتوى هذه الأفلام في السنوات السابقة إنسانياً، وموجهاً للأطفال.

لافتاً إلى أنه من الصعوبة حجب تلك الوسائل أو إلغاء تأثيرها، لكن من السهولة توجيه الأسر، من خلال البرامج التوعوية، والندوات التثقيفية، وشاشات التلفاز، ولا يمكن انهاء إدمان التكنولوجيا للأبناء بشكل مفاجئ، لأن ذلك ربما يخلق صدمة أو أزمة أخرى، لذا ينبغي تقليل البرامج في هواتفهم، وتغيير الألعاب لديهم.

مؤكداً أن استخدامنا للتكنولوجيا بشكل سلبي أكثر مما هو إيجابي، لكن لا يمكننا التغاضي عن فائدة تلك الوسائل، ومنها استخدامها في التعليم الحديث، ومن سلبياتها هي أن الأسرة سابقاً كانت هي التي تنشئ الطفل، أما اليوم فالطفل يقلد ما هو موجود من شخصيات تظهر في السوشيال ميديا، كالبلوغرات، واليوتيوبرية.


تحول رقمي

شكلت الأسرة على مر العصور والأزمان كياناً إنسانياً صلباً متماهي الجذور، تتغلغل جذوره في كيان المجتمع الأكبر، إذ أكدت فاطمة الثابت، دكتوراه بعلم الاجتماع أنه وفقاً لهذه الرؤية البنيوية ينذرنا بارسونز أبرز علماء الاجتماع في الستينيات عن تراجع دور الأسرة، كوحدة منتجة في الإطار الاجتماعي التضامني الذي غيرته عملية التحديث، وبعد لحظة الصمت التي منحها لنا فيروس كورونا، وجعلنا ننظر قليلاً خلفنا، وما بين أيدينا عن واقع، جعلنا نطرح تساؤل بارسونز وسط تلاطمات الرقمي، لنرى إلى ما تبقى من كيان الأسرة، بعد مرورها بحقب تاريخية شكلت الرقمنة الحقبة الأكثر صداماً، وكما يقول هيدغر "إن الأشياء لا تكشف عن نفسها للوعي، إلا عن طريق الإحباط الذي تسببه"، اذن فالرقمنة استشرت في كل هذا الكيان الأسري، وأذابت صلابته، وكما يصفها عالم الاجتماع باومان حولته إلى كيان سائل هش، فبدأت العلاقات الحميمية داخل الأسرة تتحول، وتتشعب باتجاهات متعددة، من خلال (الانفصال العلائقي)، وتعدد الأدوار ما انعكس على وظائف الأسرة وتغيرها. 

مضيفة "وتسببت بحالات وهن، وضعف لعلاقات الشراكة، فضلاً عن تبادل الأدوار بين الأسرة والمؤسسات الاجتماعية، ما أسهم في خلق عقد اجتماعي على مستوى المجتمع، فبدأت المؤسسات تضطلع بأدوار الأسرة المختلفة التربوية والثقافية وحتى البايولوجية، وشكل تحولاً كبيراً على مستوى البناء والوظيفة، وبدأت مواقع التواصل الاجتماعي تتغلغل بين العلاقات الاجتماعية للأسرة، وتحولها من نمط لآخر، لتحولها من جلسات الأسرة الحميمية إلى "كروبات الواتساب"، حتى أضحت الرقمنة شريكاً مهماً في داخل الأسرة وأنماطها، وهذه التحولات الواسعة تجعلنا نطرح عدة تساؤلات نتجاوز بها تساؤل بارسونز، فهل ستتماهى أدوار الأسرة أكثر من ذلك في ظل التحول الرقمي؟ كيف ستواجه الأسرة تصارع القيم الذي تعيشه في ظل التحولات المعاصرة؟ كيف ستخلق الأسرة تصورات أفرادها في ظل التصورات الرقمية؟".