فقراء العالم بمواجهة مزيدٍ من المخاطر

بانوراما 2023/07/08
...

  لوري جورينج
  ترجمة: بهاء سلمان

في دولٍ مثل الصومال مروراً باليمن إلى باكستان، تواجه المجتمعات الأكثر فقراً وهشاشة في العالم أقسى آثار تغيّر المناخ، وهي حقيقة تؤدي إلى تفاقم الفقر وإمكانية نشوب صراعٍ واستياءٍ من عوامل التلوث الرئيسة.
لكنَّ إيجاد طرقٍ مبتكرة للحصول على التمويل مباشرة لتلك المجتمعات، لبناء قدرة التكيّف القائمة على المعرفة والرغبات المحلية، يمكن أنْ ينقذ الأموال والأرواح، ويحمي نظاماً إنسانياً عالمياً مثقلاً، يرهقه طلب المساعدة بشكل متزايد.
يقول «ديفيد ميليباند»، وزير الخارجية البريطاني السابق ورئيس لجنة الإنقاذ الدولية، وهي منظمة عالمية للمساعدات الإنسانية والتنمية: «في الوقت الحالي، هناك شعورٌ حقيقيٌّ بتفاقم الأزمة»، إذ تكافح الدول الفقيرة مزيجاً من الصدمات المناخية والديون الثقيلة والمشكلات الاقتصادية.
لكنَّ إعادة التفكير بواجب مصارف التنمية العالمية، وضمان أعمال التنمية، والتعامل بمرونة مع تغيّر المناخ، والجهود الإنسانية بطريقة إيجابية مشتركة، والسماح للسكان بأنْ يكون لهم صوتٌ حقيقيٌّ فيما يحتاج إلى التغيير، والمال اللازم لتغييره، يمكن لها جميعاً تقديم يد العون، وفقاً للخبراء. تقول «ميليسا ليتش»، مديرة معهد دراسات التنمية بجامعة ساسكس البريطانية: «هناك حلولٌ وابتكارات ينبغي إيجادها وبالإمكان أنْ تكون منخفضة التكلفة، وتنتج من تراكمات ما يمارسه الناس بالفعل».
يقول ميليباند إنَّ عدد المحتاجين لمساعدات إنسانية على مستوى العالم قد تضاعف ثلاث مرات خلال نصف العقد الماضي، ليبلغ 340 مليوناً، وإنَّ نحو تسعين بالمئة منهم يعيشون في عشرين دولة فقط، وغالباً ما يواجهون صدمات مناخية كبيرة، أو تضرروا من نحو 54 صراعاً حول العالم. لكنَّ الطلب المتنامي على المساعدة يربك منظمات المساعدات الإنسانية الدولية؛ ويكافح برنامج الأغذية العالمي بشكلٍ متزايدٍ لجمع مبالغ أكثر من الأموال اللازمة، الأمر الذي يترك المزيد من الناس يعانون من الجوع.

تطوير الإنفاق
إنَّ الثقل المشترك للصدمات المناخية، والديون الضخمة، وتزايد الفقر والجوع، علاوة على الضغوط الأخرى، مثل الآثار الاقتصادية للغزو الروسي لأوكرانيا ووباء كورونا، أدى إلى تحوّل الطلبات الإنسانية القصيرة الأجل إلى مطالب أطول زمنياً، كما يقول الخبراء. تقول ليتش: «هذا الأمر يخلق تحديات ضخمة للنظام الإنساني العالمي الذي تم إعداده لتقديم مساعدات قصيرة الأجل».
ويقول المحللون إنَّ سد الفجوات المتزايدة سيتطلب إعادة التفكير في كيفية تقديم المساعدة، ليكون صندوق «الخسائر والأضرار» الجديد المتعلّق بتغيّر المناخ جزءاً من الصورة، إذ تم إنشاؤه في مؤتمر الأمم المتحدة للتغيّر المناخي لسنة 2022.
وقدرّت منظّمة الأغذية والزراعة إنتاج كل دولار أنفقته على الإجراءات الاستباقية لسبعة دولارات من الفوائد، وتجنّب الخسائر للأسر، بيد أنَّ الأموال النقدية لمثل هذه التجارب آخذة في النضوب مع تزايد طلبات المساعدة الفورية، الأمر الذي يؤدي إلى استنزاف الأموال. «إنَّ أجندة الوقاية وأجندة الصمود سيكون موقعها في الخلف، فلا يوجد هناك أموال إضافية لإجراء التجارب»، كما حذّر «جيرنوت لاجاندا»، رئيس برنامج الحد من مخاطر المناخ والكوارث في برنامج الأغذية العالمي، خلال مداخلته في مؤتمر التغيّر المناخي العام الماضي.
ومن بين مفاتيح مواجهة الهشاشة المتزايدة هو إعادة تنظيم إنفاق المؤسسات الكبيرة متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، في محاولة لدفع المزيد من الأموال نحو الحد من تغيّر المناخ وبناء القدرة على الصمود في مواجهة آثاره، لا سيّما في البلدان الفقيرة. وتهدف ما أطلق عليه تسمية «أجندة بريدجتاون» لإصلاح البنوك، التي أيّدتها رئيسة وزراء باربادوس «ميا موتلي» والرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون»، تهدف أيضاً إلى تخفيف العبء الثقيل للديون على العديد من الدول الفقيرة، وتحرير الحيّز المالي للعمل المناخي.

غياب الثقة
ويعدُّ إصلاح البنوك مسألة «حاسمة للغاية» للحصول على المزيد من الأموال لمشاريع التكيّف مع المناخ، حسبما يقول «فيجي رانغاراجان»، المسؤول عن أعمال الطاقة والمناخ والبيئة لدى وزارة الخارجية البريطانية، مؤكداً أنَّ تغيّر المناخ والتنمية والإنفاق الإنساني من قبل الحكومات أمرٌ مترابطٌ بشكلٍ متزايد، غير أنَّ كميات الأموال المخصصة لكلٍ منها تظل منفصلة في كثيرٍ من الأحيان، الأمر الذي يعيق الجهود المبذولة لعملٍ كبيرٍ مشترك. ويكمن التحدي الآخر لمحاولة الحصول على الأموال المطلوب إنفاقها ضمن البلدان المعرضة للخطر في إيجاد طرق لتقديمها عندما تكون الحكومة ضعيفة أو غائبة كلياً أو محل شبهة وجزءاً من المشكلة، بحسب المحللين.
في مثل هذه الحالات، يمكن أنْ يكون العمل من خلال السلطات المحلية القوية، مثل الهيئات الدينية الراسخة والمحترمة، أو الزعماء التقليديين، أو مجموعات المجتمع المدني، لتمثّل أحد الحلول المحّتملة، على حد قول ليتش. «أعتقد أنه غالبا ما كان هناك إحجامٌ سياسيٌّ بالإضافة إلى إحجامٌ عمليٌّ من الجهات الفاعلة الإنسانية للتعامل على هذا المستوى، ويرجع ذلك جزئياً إلى افتراض ضرورة عمل الأفراد دوماً مع الحكومة». لكنَّ ميليباند أشار إلى أنَّ استراتيجية «الشعب أولاً» بدلاً من «الحكومة أولاً» لنقل المساعدة هي المطلوبة الآن. الأمر الذي لربما يكون الأكثر حيوية، وفقا للخبراء، هو إدراك أرجحية ازدياد سوء عدم الاستقرار العالمي الناجم عن المناخ والصدمات الأخرى، ما يجعل إيجاد طرقٍ لبناء القدرة على التكيّف داخل الدول والمجتمعات الأكثر ضعفاً أمراً ملحاً.
ويقول رانجاراجان، الذي يعمل في الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان مناطق أخرى، لدى وزارة الخارجية البريطانية، إنَّ جميع البلدان، وخاصة الأكثر هشاشة، غير مستعدة لمواجهة الصدمات المناخية المقبلة»؛ مضيفاً بأنَّ الواقع بالنسبة للمجتمعات الفقيرة هو «كلما قمت ببناء قدرتها على التكيّف، زادت قدرتها على الصمود، حتى مع تغيّر المناخ».
صحيفة جابان تايمز اليابانية