لقاحات للسرطان ومرض القلب

بانوراما 2023/07/09
...

 ليندا غيدس 

 ترجمة: أنيس الصفار  

                            يقول الخبراء أن ملايين الأرواح سيمكن انقاذها عن طريق مجموعة من اللقاحات الجديدة المبتكرة لطائفة من الاعتلالات الصحية من بينها السرطان. فقد اعلنت شركة رائدة في انتاج الأدوية أنها على يقين من أن لقاحات لأمراض السرطان والقلب والاوعية الدموية والمناعة وأمراض أخرى ستكون جاهزة بحلول العام 2030.

تظهر الدراسات التي اجريت على هذه اللقاحات ايضاً "بشائر كبيرة" إذ يقول بعض الباحثين أن ما يعادل 15 عاماً من التقدم قد أمكن جمعه واختزاله خلال 12 إلى 18 شهراً فقط بفضل النجاح الذي تحقق من لقاح "كوفيد".

يقول الدكتور "باول برتون" كبير الموظفين الطبيين في شركة "موديرنا" لصناعة الأدوية، أن الشركة ستكون قادرة باعتقاده على انتاج علاجات كهذه للأمراض في شتى الميادين خلال فترة لا تتعدى خمس سنوات.

تعمل الشركة، التي سبق أن ابتكرت لقاحاً رائداً لفايروس كورونا، على تطوير لقاحات للسرطان قادرة على استهداف محدد لأنواع مختلفة من الأورام.

يضيف برتون: "هذا اللقاح سيكون بين أيدينا وسيكون عالي الفعالية وسوف ينقذ عدة مئات الالاف من الأرواح ان لم يكن الملايين. 

باعتقادي اننا سوف نكون قادرين على توفير لقاحات للسرطان مخصصة لمعالجة أنواع مختلفة من الاورام السرطانية للناس في كل مكان من العالم."

يقول برتون ايضاً أن العديد من التهابات الجهاز التنفسي ربما سيمكن شمولها بحقنة واحدة، الأمر الذي سيتيح للاشخاص المهددين بتلك الامراض أن يكتسبوا الحماية ضد كوفيد والانفلونزا والفايروس المخلوي التنفسي معاً، في حين قد تصبح العلاجات المعتمدة على الحمض النووي "مسنجر آر أن أي" متوفرة لأمراض نادرة ليس لها دواء في الوقت الحاضر.

لقاحات قاعدتها الأساس "مسنجر آر أن أي"  يمضي برتون فيقول: "اعتقد اننا سنحصل على علاجات قاعدتها الاساس هي "مسنجر آر أن أي" لأمراض نادرة لم تكن تتوفر لها أدوية في الماضي ، كما اعتقد اننا في غضون عشر سنوات من الآن سنكون قد اقتربنا من عالم يمكن فيه بحق تحديد المسبب الجيني لأي مرض، ومن بعد ذلك اصلاح الخلل ببساطة نسبية من خلال التكنولوجيا المعتمدة على "مسنجر آر أن أي".

تقوم جزيئة "مسنجر آر ان أي" بتلقين خلايا الجسم كيفية صنع البروتينات. 

فمن خلال حقن نسخة مصطنعة تبدأ الخلايا بضخ البروتينات التي نريد من جهاز مناعتنا مهاجمتها.

لقاح السرطان المنتج على اساس "مسنجر آر أن أي" يقوم باستنفار خلايا جهاز المناعة منذراً بوجود سرطان آخذ بالنمو في جسم المريض، وبذلك تتمكن من مهاجمته وتدميره من دون تدمير الخلايا السليمة. 

فحوى هذا الاجراء هو تحديد اجزاء البروتين التي توجد على سطح الخلايا السرطانية ولا توجد على اسطح  الخلايا السليمة ويتوقع منها أن تتسبب باستجابة مناعية. 

بعد ذلك يتم اصطناع قطع واجزاء من "مسنجر آر أن اي" وهذه تتولى تلقين الجسم كيفية صنعها.

في البداية يأخذ الاطباء عينة نسيج (خزعة) من الورم السرطاني لدى المريض ويرسلونها إلى المختبر حيث يتم تحديد سلسلة مادتها الجينية للتعرف على الطفرات التي فيها ولا توجد في الخلايا السليمة. 

بعد ذلك تقوم خوارزمية التعلم الآلي بتشخيص أي من تلك الطفرات تكون هي المسؤولة عن تحفيز النمو السرطاني، ومع مرور الوقت تتعلم الخوارزمية ايضاً كيف تميز أيا من اجزاء البروتينات الشاذة، التي سبق أن حددت الطفرات شفرتها، هي المسؤولة غالباً عن إطلاق رد الفعل المناعي، ومن ثم يتم تصنيع "مسنجر آر أن أي" للمضادات الجينية التي تعد بأمل أرجح ثم صياغتها بشكل لقاح شخصي محدد.

يعتقد برتون اننا قد تعلمنا خلال الأشهر الاخيرة بأن فائدة "مسنجر آر أن أي" لا تنحصر بالأمراض المعدية فقط أو بفايروس كوفيد، حيث تفيد الدلائل الآن بإمكانية تطبيقه في جميع مجالات مكافحة الامراض من السرطان إلى الامراض المعدية وامراض القلب والأوعية الدموية والامراض المرتبطة بالمناعة والامراض النادرة ايضاً، إذ اثبتت الدراسات أن "مسنجر آر أن أي" يحمل بشائر كبيرة في تلك المجالات جميعاً، على حد تعبير برتون.


مراحل متقدمة وآفاق تتسع

مع حلول مطلع العام الحالي اعلنت شركة موديرنا عن نتائج حصلت عليها من مرحلة متقدمة للقاح "مسنجر آر أن أي" التجريبي لمرض الفايروس المخلوي التنفسي وهي توحي بأن فعاليته بلغت نحو 84 بالمئة في درء اثنين على الاقل من أعراض المرض، كالسعال والحمى، لدى كبار السن بعمر 60 عاماً او اكثر. 

بناء على هذه البيانات منحت ادارة الغذاء والدواء الأميركية اللقاح تصنيف "فتح علاجي"، وهذا يعني ان مراجعته التنظيمية سوف يعجل بها.

في شهر شباط، وبناء على النتائج الحديثة التي تم الحصول عليها من مرضى مصابين بسرطان الجلد "ميلانوما" منحت ادارة الغذاء والدواء التصنيف نفسه للقاح موديرنا ضد مرض السرطان المصمم خصيصاً لكل حالة بذاتها.

يقول برتون: "اعتقد أن الأمر له علاقة بالسرعة التي عجلت بها الجائحة من وتائر هذه التكنولوجيا. 

كذلك سمحت لنا الجائحة برفع وتائر التصنيع، لذا أصبحنا بارعين للغاية في صنع كميات كبيرة من اللقاح بسرعة."

شركة فايزر بدأت هي الاخرى تجنيد المتطوعين لاجراء المراحل النهائية من التجارب السريرية على لقاح للانفلونزا على اساس "مسنجر آر أن أي"، وهي تضع في حقل أهدافها أمراضاً معدية اخرى، مثل "الهربس النطاقي"، بالتعاون مع شركة "بايو أن تيك". 

يقول متحدث باسم فايزر: "المعرفة التي اكتسبناها من تطوير لقاح كوفيد- 19 أفادتنا في مجمل المسار حول البحوث والتطوير المتعلقة بـ"مسنجر آر أن أي" وفي كيفية اداء فايزر في جانبي البحث والتطوير عموماً. 

لقد اكتسبنا في عام واحد ما يعادل عقداً من المعرفة العلمية."

تقنيات اللقاح الاخرى حصدت من الجائحة بعض الفوائد ايضاً، ومن ذلك اللقاحات المعتمدة على بروتينات الجيل المقبل، مثل حقن كوفيد التي تنتجها شركة "نوفافاكس" الأميركية للتكنولوجيا الحيوية.

فالحقنة توهم نظام المناعة بأنه يواجه هجوماً فايروسياً، لذلك يشن عليه رد فعل أشد.

يقول الدكتور "فيليب ديوبوفسكي" رئيس قسم البحوث والتطوير في شركة "نوفافاكس": "لقد كانت هناك عملية تسارع عملاقة، لا في مجال تكنولوجيا اللقاحات التقليدية فقط بل كذلك اللقاحات المبتكرة التي لم تأخذ طريقها في الماضي عبر منح التراخيص.

لا ريب ان "مسنجر آر أن أي" يقع ضمن هذه الفئة وكذلك سائر لقاحاتنا."

اما الدكتور "ريتشارد هاكيت"، الرئيس التنفيذي لتحالف الاستعداد والابتكار الوبائي، فيقول أن أعظم تأثير للجائحة قد تجسّد في تقليص الحدود الزمنية لتطوير العديد من منصات اللقاح التي لم يتم التحقق من صحتها سابقاً. 

ثم يمضي موضحاً: "معنى هذا أن الاشياء التي كانت ستتكشف تباعاً على مدى عشر سنوات او حتى خمس عشرة سنة آتية قد ضغطت وتقلصت إلى سنة واحدة او سنة ونصف."


ما الذي سيحدث الآن ؟

يقول البروفسور "أندرو بولارد" مدير مجموعة أوكسفورد للقاحات ورئيس اللجنة البريطانية المشتركة للتطعيم والتحصين: لا شك أن الاهتمام باللقاحات قد ازداد، ولكن السؤال الكبير حقاً هو: ترى ما الذي سيحدث من بعد هذه النقطة؟" 

احتمالات نشوب صراع اوسع نطاقاً في اوروبا، التي تلوح في الافق، تنطوي على خطر ضياع كل ذلك التركيز الذي انصب على اللقاحات. 

يعتقد بولارد وآخرون معه ان عدم استثمار الزخم والرؤية التكنولوجية اللذين اكتسبا من فترة الجائحة في اوانهما سيكون خطأ فادحاً.

يحذر العلماء من أن التقدم المتسارع الذي حقق وثبة واسعة خلال السنوات الثلاث الأخيرة سوف يذهب هباء ما لم يتلق مستوى عالياً من الاستثمار.

يقول بولارد: "لو رجع واحدنا خطوة إلى الوراء وتأمل حجم الاستثمار الذي نحن على استعداد لانفاقه خلال فترات السلام، في بناء جيش كبير مثلاً لأية دولة من الدول، فسوف يرى أن الاوبئة تمثل تهديداً لا يقل اهمية وخطراً عن التهديد العسكري، ان لم يفقه، لأننا نعلم أن الأوبئة أمر محقق الحدوث من لحظة يومنا هذا.

لكننا رغم هذا لا نستثمر في التصدي لها حتى ما يعادل كلفة بناء غواصة نووية واحدة."