أفريقيا تدفع فاتورة التحول للطاقة النظيفة

بانوراما 2023/07/10
...

 خوسيه نارانخو
 ترجمة: فجر محمد


تسدد أفريقيا فاتورة تحول الطاقة في شمال الكرة الأرضية، وفقا للتجمعات الاجتماعية هناك، إذ ترى هذه التجمعات إن النظام الحالي المعمول به يفيد بشكل رئيسي الشركات وبلدان العالم المتقدم فيما يتعلق باستخراج ما يسمى بالمعادن الحرجة، مثل الكوبالت والليثيوم والنيكل والزنك، وتعد هذه العناصر مفتاحا لتحولات العالم المتقدم، بينما يؤدي ذلك إلى تأثير بيئي سلبي سيزداد حدة في العقود القادمة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.
يقول بريس ماكوسو، عضو مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية، التي اجتمعت مؤخرا في داكار: "إذا لم نغير الطريقة التي يتم بها توزيع أرباح الصناعة، فإن أفريقيا ستحصل على الفتات من هذه المعادن وستظل تحت حالة فقر".
وفقا للباحثة زيفير هوشارت من منظمة (غلوبال ويتنس) غير الحكومية: تعد بحيرة نزيلو، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، مكانا مفضلا للترفيه وصيد الأسماك لسكان كوليزي. ومع ذلك، فإن مياهها تحتوي على نسبة عالية ومتصاعدة من الزرنيخ والمواد الكيمياوية الضارة الأخرى بسبب قربها من مناجم
الكوبالت.
تعاني المجتمعات القريبة من هذه المناجم من ارتفاع معدلات تليف الكبد والاجهاض والتشوهات الخلقية وأنواع السرطان، وأمراض أخرى، ورغم معيشها قرب الثروات المعدنية المستخرجة، لكن هذه التجمعات البشرية تعاني البؤس والفقر الشديدين.
في أطروحتها "الجانب المظلم من الانتقال النشط بتعدين الكوبالت"، تلاحظ هوشارت أن الفقر الذي يدفع الأسر إلى التعدين  يتفاقم بسبب الصناعة ذاتها التي لم تحقق الثراء المحلي للمنطقة".
وبحسب الامم المتحدة فان الكونغو تصدر نحو 70 بالمئة من الكوبالت في العالم إلى جانب النحاس والليثيوم والزنك والمنغنيز والنيكل والكروم، اذ تشكل هذه العناصر جزءا من المعادن الحرجة التي تعد أساسية لبناء السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والألواح الشمسية والبطاريات وبعبارة أخرى، فإنها تشكل الأساس المادي لما يسمى بتحول الطاقة الذي سيمكن العالم من التخلي عن الوقود الأحفوري والتحرك نحو مصادر أخرى أكثر استدامة، وبالتالي إبطاء ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، ويمكن العثور على غالبية احتياطيات هذه المعادن  في إفريقيا وأميركا اللاتينية وأستراليا وجنوب شرق آسيا ومع ذلك، يقدر البنك الدولي أن الطلب سيزداد عليها بنسبة 500 بالمئة بحلول العام 2050.

الرئة الثانية للعالم
تقول سولانج باندياكي بادجي، مديرة مجموعة الحقوق والموارد: "أن معظم هذه المعادن موجودة في مناطق مجتمعات السكان الأصليين الذين يعتمدون عليها من أجل بقائهم"، وتضيف "أن النشاط الاستخراجي له تأثير سلبي هائل ضدهم، يتمثل بتلوث المياه وإزالة الغابات". ويعد وادي نهر الكونغو الرئة الثانية للعالم بعد الأمازون ومع ذلك نرى المزيد من المستثمرين القادمين من الصين ودول الخليج وجنوب إفريقيا والهند، الذين يجذبهم التعدين. لذا من الضروري اعتماد آليات واضحة تضع حدودا بيئية لهذه الصناعة، وتضمن تقاسم المنافع مع احترام قرارات المجتمعات المحلية الموجودة هناك".
ولأجل التحرك في هذا الاتجاه، اِلتقى ممثلو أكثر من 50 دولة مؤخرا في داكار ضمن مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية، التي تم اِطلاقها سنة 2003، ومعظم دولها من جنوب الكرة الأرضية مع غياب ملحوظ للدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين. تجمع هذه المبادرة الحكومات والشركات والمجتمع المدني للضغط من أجل الشفافية المالية وبروتوكولات الأداء للصناعة الاستخراجية العالمية. وبينت فانيسا كويتو لاروزا، ممثلة المجتمع المدني في أميركا اللاتينية ضمن المبادرة ضرورة الدعوة للحفاظ على معيار المحافظة على الأثر البيئي، وأن تصل البيانات إلى الجمهور، مع أهمية وصول تأثير المنافع الاجتماعية إلى النساء، لأنهن غالبا ما يكن الأكثر تضررا من هذه الصناعة."
يحدد معيار مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية لعام 2023، الذي تم اعتماده في ملتقى داكار، متطلبات الشفافية لمعالجة مكافحة الفساد، فضلا عن القضايا الاجتماعية والبيئية، واستثمار الإيرادات، وكذلك التحول في الطاقة. وأمام الشركات والحكومات تحدي اختبار توفير المعلومات الضرورية واحترام الاتفاقات، بحسب ديانا قيسي من لبنان، ممثلة المبادرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتقول: "لقد قطعنا شوطًا طويلاً، ولكن لا يزال هناك طريق آخر طويل لنقطعه".
وترى بادجي، مديرة مجموعة الحقوق والموارد أنه ينبغي اعتماد سياسات أكثر قوة، بما في ذلك فرض عقوبات. اذ توضح تعرض نشطاء البيئة للقتل خاصة في البرازيل وكولومبيا، ما يستوجب مقاضاة مرتكبي الجرائم البيئية"، على حد وصفها.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن "المعادن التي تشكل جذور التحول إلى الطاقة النظيفة لها تكلفة اجتماعية وبيئية، ومن المفارقات أن الاثار الكاربونية لتلك المعادن تمتد من الاستخراج إلى الاستخدام النهائي، إذ تستخدم مناجم كوليزي للكوبالت على سبيل المثال محركات الديزل في معظم خطوات هذه العملية.
وتقع مناطق التعدين دائما تقريبا في مناطق نائية وحساسة بيئيا، كما إن خطر إزالة الغابات وتشريد السكان وجرف التربة مرتفع للغاية".
ويشير ماكوسو إلى أن تلك المشاريع الضخمة المستنزفة للبيئية لا تقدم لأفريقيا إلا النزر القليل من الفائدة، داعيا إلى تغيير النموذج المعمول به قبل تكثيف إنتاج المعادن المهمة. "فبعد دراسة أجريت في جمهورية الكونغو، اكتشفنا أن 27 بالمئة فقط من أرباح النفط تبقى في البلاد، ويذهب الباقي إلى الشركات الاستخراجية الأجنبية". ويتساءل ماكوسو هل سنستمر على هذا النحو، ونسمح للآخرين بأخذ ثروتنا؟ هذا هو السؤال الكبير. ويتابع قوله: "واخيرا، ماهو انتقال الطاقة الذي سنشهده في افريقيا اذا كان 60بالمئة من سكانها لايحصلون على الكهرباء الان؟

عن صحيفة الباييس الاسبانية