دعوة إلى إقرار قوانين خاصة لمرضى الدم
علي غني
قادتني المصادفة لحضور أحد المؤتمرات الخاصة بالأجهزة الطبية المختصة بأمراض الدم، ومنها (الثلاسيميا)، الذي يعني اضطراباً وراثيَّاً في خلايا الدم، وهذا يعني أن المرضى المصابين بهذا المرض يحتاجون لتبديل الدم بنحو أسبوعي أو أكثر بقليل، ولخطورة أمراض الدم، فإننا أمام حاجة لدخول الأجهزة الحديثة الى جانب القوانين الخاصة بأمراض الدم ومنها (الثلاسيميا)، فهل تنجح الحكومة بايجاد قوانين جديدة لزواج مرضى (الثلاسيميا)، وما تبقى من أمراض الدم المتنوعة؟!.
تشريع قوانين
بحسب احصائيات وزارة الصحة، فإن عدد المصابين بـ (الثلاسيميا) يبلغ نحو 22 ألف مصاب، وتلك كارثة كما يقول الدكتور حسن ديدي مدير شعبة المختبر في مستشفى الديوانية التعليمي/ طبيب اختصاص أمراض الدم: قد تصل نسبة الاصابة الى 15% في الديوانية، وهذه مشكلة وطنية، بل هي مشكلة أجيال، يتطلب منا حلها، والحل من وجهة نظري يبدأ من تشريع قانون في مجلس النواب ينظّم زواج حاملي مرض (الثلاسيميا) في العراق، وسألته، ألا يوجد حتى الآن قانون في العراق ينظم هذا الزواج؟، فأجابني: حاليا هناك قانون مقدّم لمجلس النواب لغرض تشريعه، لكنه لم يلقَ آذاناً صاغية، وكل ما موجود هو جهود فرديَّة.
وعن أمراض الدم الأخرى، فقال: في الوقت الحاضر نرى هناك انتشارا واسعا لمرض فقر الدم العادي، لا سيما لدى الأناث، والمراهقين والأطفال، وسبب ذلك يعود لنقص الحديد، وممكن أن يولّد مضاعفات خطيرة قد تصل الى عجز القلب في الحالات الشديدة.
برنامج حقيقي
وتابع الدكتور (ديدي): نحن نحتاج في تشخيص أمراض الدم الى فحوصات متقدمة، ليس دائما موجودة في بعض المحافظات، وأحيانا حتى في بغداد من أجهزة تحليل الوراثة الخلوية، وتحاليلDND) ) حتى نعرف (الثلاسيميا)، كما أنّنا في احوج ما نكون الى تشريع قانون (الثلاسيميا)، لأنّها قابلة للمنع غير قابلة للعلاج.
ونوَّه مدير شعبة المختبر في مستشفى الديوانية: بأنَّ العديد من أمراض الدم يجهلها المواطنون لأنّها من دون أعراض، وان مناطق الشرق الأوسط هي مناطق جغرافية لاعتلالات الهيموجلوبين، وان نسبة أمراض الدم في العراق كثيرة، ونفتقر الى برنامج حقيقي للتحري عن هذه الأمراض.
أرغب بأن أكشف لك عن حقائق أخرى (والكلام للدكتور حسن ديدي): لدينا في الديوانية وحدها (600) إصابة في (الثلاسيميا) وتكلف الدولة الحالة الواحدة (500) دولار، واضرب هذا الرقم بمجموع الحالات، تجد الناتج (30000) ألف دولار لمراجعة مرة واحدة، فالشخص اصبح غير منتج، وعالة على أسرته، فدول الجوار نظمت هذه المشكلة بقانون وفتاوى دينيَّة.
أجهزة حديثة
بيَّنَ المهندس عادل ضايع سلمان/ رئيس مهندسين/ اختصاص اجهزة طبية/ في الشركة الطبية المتحدة: عندما ادخلت وزارة الصحة فحص (الثلاسيميا) للراغبين بالزواج كونه من الامراض الوراثيَّة، فإنَّ الشركة جلبت جهازا يشخّص هذا المرض بدقة وكذلك أمراض الدم الأخرى، وخاصيَّة جهاز فحص RET))، وهو يفحص (الخلايا الجذعيَّة)، ويشخّص أمراض الدم (النزيف الداخلي)، ولديه القابلية على اجراء (73) تحليلا مختبريا.
مضيفاً: أنَّ دخول أجهزة أمراض الدم الحديثة الى المستشفيات المعنية بتشخيص جميع أمراض الدم من ضمنها (كريات الدم البيضاء والحمراء)، لا سيما الاجهزة التي تشخّص أمراض السرطانات، وامراض الانيميا فقر الدم، اسهمت هذه الخطوة بمعالجة الكثير من الحالات الصعبة قبل استفحالها وتحولها الى أمراض مستعصية.
فقر الدم
يوضح الدكتور ذو الفقار عرب/ طبيب اختصاص بورد عراقي بأمراض الدم/ مستشفى النجف التعليمي/، بالقول: نسعى جاهدين في تشخيص امراض الدم الحميدة والخبيثة والوراثية والمكتسبة للحد من الاصابات بهذه الامراض، لذلك نستخدم برامج مفيدة للمواطنين ومنها فحص (الثلاسيميا) للمقبلين على الزواج.
وأضاف: نحن نجري هذه الفحوصات لتشخيص الحالات بأسرع وقت ممكن باستخدام (تقنيات أجهزة امراض الدم السرطانية)، لغرض معالجتها بنحو مبكر، ونحث المواطنين على الالتزام بالإجراءات المعدة من قبل وزارة الصحة ولجانها الاستشارية لرفع الكاهل عن أهالي المرضى.
ويرى المختبري حيدر كاظم الذي يعمل في مختبر جدعون أن صورة الدم غالباً ما تكشف عن نوع الإصابة، ووجدنا أغلب الاصابات لدى المواطنين (فقر الدم) وسببه نقص الحديد، وأود أن أقول لك حقيقة (والكلام موجه لي): إنّ تحليل الدم يكشف أغلب الأمراض الشائعة من فقر الدم ونقص الفيتامينات، وعن عدم مطابقة النتائج في العديد من المختبرات، سببه (عدم معايرة الأجهزة وذلك لضبط فحص الدم).
التلوث البيئي
لكن الاستاذ حيدر كاظم العامل بالمختبر المركزي في بغداد يرجع أسباب انتشار امراض الدم في العراق الى الحروب والتلوث البيئي، فضلا عن زواج الاقارب، إذ تنتقل الجينات من الآباء الى الأبناء وتولد لدينا أمراضاً وراثيَّة، ووجدت من خلال مراجعة المواطنين للفحص في المختبر (فقر الدم الوراثي)، ويقسم الى أنواع عديدة منها فقر دم البحر المتوسط (الثلاسيميا)، وكذلك فقر الدم المنجلي بسبب العوامل البيئية، فتظهر على المريض أعراض كثيرة منها شحوب الوجه وبرودة الاطراف، والغثيان والصداع الشديد، وبعض الاحايين (البول الدموي).
وتابع (حيدر): أن أغلب حالات التسمم التي تأتي عن طريق التلوث البيئي، لا سيما وقود السيارات الذي يحتوي على نسبة عالية من الرصاص تسبب (فقر الدم)، كما أن هناك أسبابا أخرى لفقر الدم منها المنتشر حاليا هو سوء التغذية، ليس بسبب الفقر (الحاجة المادية)، وانما بسلوكيات الاب والام الخاطئة، وهم يسمحون لابنائهم بالاعتماد على الوجبات السريعة (الشبس. الهمبرغر)، واغلب الاصابات تقع عند الفئات العمرية (5 الى 18) سنة، لا سيما عند الفتيات، كما أننا ننبه الجميع الى خطورة المشروبات الغازية والعصائر لأنها تحتوي على مواد حافظة تؤثر في سوء امتصاص الغذاء.
أما عن دقة التحليل، فإنه يتبع صاحب المختبر، فهل وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، هل اتبع تعليمات السيطرة النوعية، هل كان يديم الجهاز، هذا الشيء لم نلمسه في العديد من المختبرات.
التغذية الصحيحة
لذلك (والكلام لحيدر كاظم): علينا أن ننصح الناس لتجنب الاصابة بأمراض الدم، وهو اعتماد التغذية الصحية، والابتعاد عن العوامل البيئية التي تسبب المرض، واقامة الندوات في المدارس والجامعات ودوائر الدولة لغرض اتباع الطرق الحية السليمة، والابتعاد عن زواج الأقارب في العائلات الحاملة لصفة فقر الدم الوراثي، ومراجعة المراكز الصحية عند ظهور اعراض مرض فقر الدم، كما يمكن اجراء الفحص على طلبة الجامعات لا سيما المقبلين على الزواج.
وينصح المهندس جلال سامي كاظم/ رئيس فريق للصيانة في الشركة المتحدة/ جميع المواطنين بإجراء فحوص الدم كل ستة أشهر، ويحث أصحاب المختبرات بشراء الاجهزة الحديثة بأمراض الدم لضمان دقة الفحص والتشخيص، والالتزام بالتعليمات التي تعلنها وزارة الصحة.
قانون (الثلاسيميا)
يقول الدكتور عصام فاضل الحسيني/ باحث اكاديمي في الشؤون القانونية والسياسية: بعد تزايد حالات مرضى الدم بالعراق نتيجة الحروب التي مرَّ بها العراق وعدم الاستقرار وتراجع القطاع الصحي عن تقديم العناية والارشاد، إذ بلغ عدد مرضى الـ (الثلاسيميا) اكثر من 30 ألف مريض عدا بقية انواع أمراض الدم الأخرى (بحسب إحصائية حصل عليها الباحث)، ولوجود استقرار كبير في بلدنا العزيز وحكومة خدمات تسعى لتقديم أفضل الخدمات للمواطن العراقي اذاً لا بدَّ أن تكون التفاتة من المشرّع العراقي لتنظيم المركز القانوني لمرضى الدم في العراق، إذ خلت التشريعات للأسف من قانون ينظم تسهيل وصول العلاج المطلوب والاوليَّة بالرعاية الصحية وبعض الامتيازات الأخرى والتي من الممكن أن تعينهم لإكمال مسيرتهم في المجتمع.
وتابع الحسيني: ولو نظرنا للتشريعات المقارنة ففي مصر وحسب قانون حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة ولائحته التنفيذية المرقمة 10 لسنة 2018، إذ شمل هذا القانون جميع مرضى الدم واصبحوا يتمتعون بالمزايا التي يتمتع بها ذوو الاعاقة، بينما في العراق فإنَّ قانون ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة العراقي ذي الرقم 38 لسنة 2013 لم يشمل هذه الفئة من المرضى؛ لذا نوصي المشرّع العراقي بتشريع قانون خاص بمرضى الدم ولا سيما مرضى الـ (الثلاسيميا) او على أقل تقدير شمولهم بقانون ذوي الاعاقة والاحتياجات الخاصة ليتم شمولهم بجميع الامتيازات التي يتمتع بها ذوو الاعاقة؛ وذلك لازدياد أعدادهم، وكلف علاجهم الباهظة إذ يصل مبلغ العلاج الشهري أكثر من 1500 دولار لبعض الحالات، لذا صار لزاما على المشرّع العراقي أن يلتفت الى هذه الفئة المهمة، وكلنا ثقة بالمشرعين القانونيين وبحكومتنا الرشيدة بتطبيق القانون.
رأي المرجعيَّة
وربما كان لافتتاح رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مركز أمراض الدم وزرع نخاع العظم في مدينة الطب، أهمية الالتفات الى امراض الدم وتقديم الخدمات المتميزة للمصابين بهذا النوع من الامراض، لكن المدهش بهذا الامر هو تعاون المواطنين والمتبرعين من ذوي المرضى ورجال الاعمال وعدد من الاطباء في تنفيذ هذه المراكز، وهذا يعد تطورا في ثقافة الفرد العراقي وتعاونه مع وزارة الصحة، لان هذا الامر سيقلل كلف العلاج التي كانت تذهب الى الخارج بنسبة كبيرة، لكن وجهة نظري التي تتفق مع العديد من الاطباء والمحامين واصحاب المختبرات، بأن على الحكومة تشريع قوانين تخص امراض الدم، لاسيما مرض (الثلاسيميا)، الذي يحتاج فيه المريض لتبديل الدم، وضرورة تأكيد فحص الزواج وعده من الفحوص المهمة لاكتشاف الاصابة بهذا المرض، وأعتقد أنّنا في العراق نحتاج الى رأي المرجعيَّة العليا بشأن زواج المصابين بمرض (الثلاسيميا)، باعتبار أن المصابين تتكرر مأساتهم بانجاب أولاد مصابين بهذا المرض المكلّف ماديَّاً والمتعب نفسيَّاً للأسر المصابة به.