عسل الديمقراطية

الصفحة الاخيرة 2023/07/11
...

حسن العاني



نذكر جميعنا ونستذكر، أن العراق قبل 2003 لم تكن لديه أية فضائيات، وكل ما كان يمتلكه محطتان أرضيتان فقط، إحداهما بعنوان (تلفزيون الجمهورية العراقية)، وتمثل وجهة نظر الحكومة الرسمية والأخرى بعنوان (تلفزيون الشباب) التابعة لابن الحكومة، وتمثل ما يريده ويقرره، وكانت الناس تدعوها محطة عدي أو (تلفزيون عدي)، وهذه القناة بالمعايير العامة أكثر انفتاحاً وأوسع انتشاراً لكونها متحررة إلى حد بعيد من الضوابط والقيود الرسمية والإعلامية للنظام. ولكن المحطتين أو القناتين بالنتيجة محليتان، ولا يكاد بثهما يغطي الأماكن البعيدة او الحدودية من العراق، كما أنهما في المحصلة الأخيرة، محطتان تخدمان النظام وتوجهاته وسياساته، لأنهما (متباينتان) في المظهر، (متفقتان) في المضمون.

ما لا يخطر على بال إنسٍ ولا جان، هو حجم ونوع (التغيير) الذي حصل بعد 9 / 4 / 2003، وشمل مناحي الحياة ومفاصلها بدون استثناء، ومن أبرز تلك التغيرات وأكثرها مثولاً أمام العين، هي التي امتدتْ إلى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وكان الشعب العراقي يتمنى لو أن (ثورة) التغيير أو التطور بالحجم الذي رأيناه قد حدثت في مجال الكهرباء مثلاً ولو بنسبة 30 %، أو في مجالات السكن والطرق والجسور والتعليم والصناعة والزراعة ..الخ، فلأول مرة في العراق ننتقل من التلفزيونات المحلية التي ينحصر بثها بين الموصل والبصرة ليس أكثر إلى الفضائيات التي يراها أشقاؤنا في مصر والخليج العربي والمغرب والأردن، ويتابعها أصدقاؤنا في تركيا وإيران والهند، ويراقبها حلفاؤنا في واشنطن وباريس وموسكو والصين. ولأول مرة تغزو بيوتنا آلاف الفضائيات الأجنبية، وهي محملة بالغث والسمين وبأنواع الأفلام والعروض الإباحية التي لا نمتلك صلاحية منعها.

على أية حال فإن تنوع الفضائيات وكثرتها اللافتة للنظر، أفرزتْ بالمقابل تنوعاً في روادها المتحدثين من (بعض) أعضاء البرلمان والطبقة السياسية، ويمكن تصنيفهم إلى 3 فئات، الأولى : مدمنون على الظهور شبه اليومي، ولا يبالي الواحد منهم لو ظهر 3 مرات في ليلة واحدة على 3 فضائيات، ولا يجدون حرجاً في الحديث عن علوم الفلك والذرة وشعراء المهجر ونانسي عجرم..الخ، وهذه الفئة (عديمة الحياء) كما تسميها الناس، والثانية : قليلة الظهور، وتمتاز أحاديثها بالموضوعية، أما الثالثة فلا تظهر إلا لصب الزيت على النار وتأجيج وخلق الصراعات الدينية والمذهبية والأثنية، وهي أشد خطراً على العراق من داعش، ولكن من يحاسب سمها المغطى بعسل الديمقراطية، بعد أن أصبحت الديمقراطية بوابة لعبور المخدرات والطائفية وحيتان الفساد!.