لماذا تأخرتُ في كتابة هذا العمود؟

الصفحة الاخيرة 2023/07/12
...

زيد الحلي

تأخرتُ في كتابة عمود هذا الأسبوع وأبلغت زميلي العزيز مسؤول الصفحة بهذا التأخير الذي تجاوزت فيه الخط الأحمر، فالكلمات تهرب مني، والسطور أصابها الذعر، فأخذت تتمايل مثل سراب المخيلة، ولم يعد للهمس مكان، ولا للصراخ مكان، هروب الكلمات من مخيلتك عندما تكون في أمس الحاجة لها، كيف تعالجه؟
لا أعرف الجواب حتى اللحظة، فقلمي أصبح عاجزاً عن تلبية أوامري، وحروفي أجدها مبتورة، وربما مشوية في (تنور) جمرة القيظ.
أعرف أن قلب القارئ، في هذا القيظ، مثل قلب طفل،  فلنعطِ استراحة للقارئ الكريم، ولا نتعبه بسيل كلمات الشكاوى، المتمثلة بنزف الروح، فالقليل هو من يستقبل ذلك النزف و يقرأه و يقدر عمقه وحجمه وألمه، مثلما أن القليل من يقرأ أنين الجواري على الورق و يقرأ صدق الحروف..
فقد فعل بي القَيْظُ فعله، فهربت مني الكلمات باحثة عن برودة وهواء منعش، وعصافير تزقزق وزهور ملونة في الحدائق. وأعتقد أن القارئ مثلي، لا يلفت نظره موضوع جدي، ولا يتفاعل مع قضية مهما كانت مهمة، فعند درجة حرارة تتجاوز الخمسين، تتضاءل كل الأفكار، مقابل نسمة هواء عليلة، فـ "جمرة القيظ"، باتت تقض مضاجع المواطنين، لا سيما تزامنها مع انقطاع التيار الكهربائي في العديد من المحافظات، بضمنها بغداد، وسط تبريرات حفظها المواطن جملة وتفصيلاً.
إنّ تأثير درجة الحرارة في الحياة يتمثل بتأثيرها في الإنسان بشكل مباشر، ونحن نعرف أن درجة الحرارة الطبيعية لجسم الإنسان هي 37 درجة مئوية، فإن زادت هذه الدرجة أو نقصت فإنها تؤثر سلباً في الإنسان، وكنتُ أحد هؤلاء الذين تأثروا في مقتبل هذا الأسبوع.
وقد جربتُ الكتابة، لكني حين كتبت، سارعت بعد لحظات إلى تمزيق الصفحة تلو الأخرى، وأغسل ما تعلق في مخيلتي من أفكار، فأبني دون إرادتي، حائط صد لما أريد الكتابة حوله، إنه الحر .. نعم إن حرارة الجو التي تلفنا، شبيهة بالأثير الذي يتوارى خلف ضلوع الأسرار، ماحياً كل أثر كان يوماً فوق الجـدار.
ويكتم اللوعة في صمت، ثم يدفن بقايا الأفكار في عمق جراح البوح.