الاعتداء على النساء في الهند يزداد سوءاً

بانوراما 2023/07/12
...

 جون ألين
 ترجمة: بهاء سلمان


تعرّضت فتاة مراهقة للطعن والضرب بالهراوات حتى الموت، أمام عيون الناظرين وسط أحد شوارع الهند. كما تعاني بنت أصغر عمرا مصيرا مشابها، على يد والدها حسبما تزعم الروايات، لأنها ووالدتها رغبتا بالنوم وسط فناء المنزل. وقع هذان الحدثان المروعان خلال آيار الماضي بفارق عشرة أيام بينهما، لكن "جينا كوثاري"، المحامية البارزة في المحكمة العليا في البلاد، تقول إن العنف ضد المرأة استمرّ بالتصاعد على مدار العقد الماضي. تقول كوثاري، المعروفة بعملها على قضايا تتعلق بالجنس: "على مدى السنوات العشر الماضية، شهدنا جرائم القتل الشنيعة والحوادث العنيفة هذه، ولا اعتقد أنه تم فعل أي شيء يحدث فارقا تجاهها."
يمتد هذا العقد على مدى السنوات التي مرت منذ وفاة "نيربهايا"، وهي طالبة تبلغ من العمر 23 عاما، بعد تعرّضها للاغتصاب الجماعي داخل أحدى الحافلات في دلهي سنة 2012. كان المدافعون يأملون في أن تمثّل قضيّة القتل الصادمة لحظة فاصلة في نهج الهند تجاه العنف ضد المرأة.

ارتفاع وتيرة العنف
لكن بينما أدى الغضب في أعقاب الهجوم مباشرة إلى إصدار قوانين تخص الاغتصاب، تقول كوثاري وكثيرون غيرها إنه لم يحصل واقعا اي تغيير يذكر. تقول كوثري: "الجرائم مستمرة، لكن لم يتم إتخاذ أي إجراء واضح."
في الواقع، كما يشير آخرون، مثل "سواتي ماليوال"، رئيسة لجنة دلهي للمرأة، فإن مثل هذه الجرائم أصبحت أكثر شيوعا. "لقد ارتفعت حدة الجريمة وتكرارها ووحشية الجرائم." الأحداث الأخيرة هي مجرد أحدث حلقة في سلسلة طويلة من جرائم العنف التي أثارت الغضب بشأن ما إذا كانت الحكومة تبذل ما يكفي لحماية النساء ومعاقبة المهاجمين. ووفقا لمكتب سجلات الجريمة الوطني في الهند، ارتفعت الجرائم ضد المرأة بنسبة 87 بالمئة على مدار 10 سنوات بين عامي 2011 و2021،  وكانت معظم الحالات في العام الأخير تتعلّق "بالاعتداء والقسوة المزعومة من قبل الزوج أو
أقاربه".
تعتقد المحامية كوثاري أن السلطات أصبحت راضية عمّا تؤديه للغاية منذ هجوم نيربهايا المميت؛ وتشير كوثاري إنه يوجد "إحساس لدى المحاكم والشرطة والحكومة أنها تقوم بكل ما هو ممكن حاليا "منذ الاصلاحات التي أعقبت القضية، والتي تضمّنت توسيع تعريف الاغتصاب، ورفع الحد الأدنى للعقوبة على الجريمة إلى سبع سنوات في السجن وزيادة سن الموافقة من 16 إلى 18 سنة.
غير أن الأحداث الأخيرة تظهر خلاف ذلك، كما ترى كوثاري، مشيرة إلى الحادث الذي وقع في منطقة سورات بولاية كوجارات يوم 19 آيار الماضي، حيث زعم أن شخصا هاجم زوجته وابنته بسكين لأنهما أرادتا النوم عند فناء المنزل، وليس في الداخل، كدليل على أن العنف المنزلي لا يزال "مشكلة منتشرة، لم يتم التصدي لها حتى اليوم. في الهند، لا يزال الناس لا يريدون التحدث عن هذه الظاهرة،" بحسب كوثاري.

سلوك جماعي
وتشير الناشطة إلى إن الهجوم الذي وقع في دلهي، حيث مر الناس من أمام فتاة وهي تطعن مرارا بسكين من قبل مهاجمها الذكر، يثير القلق بشكل خاص، القلق الذي ينتابها لأن ذلك يشير إلى لامبالاة مجتمعية تجاه العنف ضد النساء والفتيات، أو ما هو أسوأ من ذلك القبول.
تقول كوثاري: "اعتقد أن سبب كون القضية الأخيرة مروّعة للغاية هو أنها حدثت بشكل صارخ في مكان عام. يبدو الأمر كما لو أنه حالة اجتماعية، فالناس لا يرون فيه أي خطأ. ما الذي تحوّل إليه مجتمعنا بحيث يشعر الشاب بأنه يستطيع القيام بذلك، والناس من حولنا موافقون أيضا على ذلك؟"
في غياب أي تحرّك، تحذر كوثاري وغيرها من الناشطين من أن الفتيات والنساء سوف يكبرن معتقدات بتوقّع حصول هذا النوع من العنف. "هذه الجرائم تجعلهن يشعرن أنه ليس من الآمن لهن أن يدخلن في علاقات، وأن يمارسن استقلاليتهن. ماذا نفعل لحماية حقوق الفتيات الصغيرات؟ لديهن حق بالشعور بالأمان، وحق الحرية، وحقّهن في عدم الخوف من عدم حصول هذه الحوادث."
تقول "يوغيتا بهايانا"، مؤسسة منظمة "الناس ضد الاغتصاب في الهند"، إنه "من المؤسف للغاية أن الهنود تعلّموا العيش مع هذا النوع من الوضع في بلادنا." ويقول المدافعون إن العديد من القضايا لا يتم الإبلاغ عنها، ويرجع ذلك جزئيا إلى ثقافة فضح الضحايا في مجتمع لا يزال يتمتّع بسلطة رجالية عالية، مع انعدام الثقة بجهاز الشرطة. تقول بهايانا: "المشكلة كبيرة، فعندما نتحدث عن العنف بين الجنسين، فهو أكبر بكثير مما نعتقد."

العدالة البطيئة ظلم
وعبرت ماليوال عن رأي مماثل، وتقول: "بالطبع هناك نظام لتسلّط الرجال، بالطبع هناك كراهية للمرأة، وهي منتشرة على نطاق واسع. لكن الفرق هنا هو أن سياسيينا غير مستعدين للالتزام والمضي في الحديث. لذلك، سوف يلقون باللائمة على الناس، في حين أنه في الواقع لا يجب إلقاء اللوم على الناس، ولكن على الأنظمة."
ويكمن مصدر آخر للاحباط في مدى البطء الذي يمكن أن تتحرّك به سير العدالة في الهند. واستشهدت ماليوال بقضية اغتصاب طفلة تبلغ من العمر ثمانية أشهر سنة 2018، ولا تزال القضية تشق طريقها عبر المحاكم، لتعكس عمق المشكلة. تتساءل الناشطة "كيف يتم اغتصاب طفلة تبلغ من العمر 8 أشهر في عام 2018 ولم تنته قضيتها حتى الآن؟".
يقول بعض النشطاء إن كراهية النساء عميقة جدا في المجتمع الهندي، لدرجة أن النظام الوظيفي والمؤسساتي والسياسي يخذل جميع النساء، بغض النظر عن وضعهن. وأشارت ماليوال إلى الاحتجاجات الأخيرة من قبل المصارعات البارزات، اللواتي يطالبن بالتحقيق في مزاعم التحرش بهن من قبل رئيس اتحاد المصارعة الهندي، "بريج سينغ"، الذي ينفي كل هذه المزاعم.
وبعد اعتصام استمر لأسابيع، سجّلت الشرطة أخيرا القضية شهر نيسان الماضي، بعد مرور أربعة أشهر من تقديم الشكوى الأولية. واصلت المصارعات، ومن بينهن بعض الرياضيات الاولمبيات الشهيرات، الاحتجاج في الشوارع حتى الشهر الماضي، عندما تم سحب بعضهن واحتجازهن من قبل الشرطة، التي قالت إنهن لم يلتزمن بأوامر الضباط. وتشير ماليوال بزيادة حالة عدم الثقة بجهاز الشرطة والقضاء بعد حادثة الاعتقال
هذه.
تقول ميلوال: "مستقبلا، إذا واجهت أي فتاة تحرشا جنسيا في مكان العمل، فكيف ستكون قادرة على تجميع شجاعتها للإبلاغ عن الأمر لأنها شاهدت بالفعل ما يحصل لمن يبلّغ عن قضية ما؟ عندما لا يتم منح مثل هؤلاء النجوم الكبار في البلاد.. العدالة، فأي أمل سيبقى لأي شخص؟"
وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية