الأمل يتجدد بإيجاد مفقودي الحرب السورية

بانوراما 2023/07/12
...

 كريم شهاب وغيث السيّد
 ترجمة: الصباح


تقبع أم محمد داخل شقتها الصغيرة في إدلب، التي تسيطر عليها المعارضة بمنطقة شمال غرب سوريا، ويساورها شعور بالاكتئاب والخمول؛ ولكن عندما يرن هاتفها أو يقرع أحدهم الباب، تستيقظ وتنشط فجأة، فلربما عاد زوجها، أخيرا.
سنة 2013، اقتحم جنود سوريون المنزل في دمشق بينما كان الزوجان يتناولان طعام الإفطار، على حد قولها.
كانت هي وزوجها قد شاركا قبل ذلك في الاحتجاجات المناهضة للحكومة. ولهذا تم اقتياد الزوج من قبل الجنود معهم في السيارة، هكذا تقول أم محمد، التي لم ترغب بذكر اسمها الكامل خشية من أن يصيب الضرر زوجها.
الخبر الوحيد الذي تلقته عنه منذ ذلك اليوم كان في أحد أيام العام 2015، عندما إدّعى أحد الاشخاص برؤيته داخل إحدى المقرّات العسكرية. تقول وهي تجلس على وسائد الأرضية: "عندما يموت شخص ما، يتم دفنه وأنت تعلم أنه مات. في حالتنا هذه، أنت لا تعلم، وستبقى متسائلا على الدوام."
يعد زوج أم محمّد من بين أكثر من 130 ألف شخص يعتقد أنهم فقدوا في سوريا منذ بداية تمرد  العام 2011 ضد الحكومة السورية، والذي سرعان ما تحوّل إلى حرب أهلية. قد يكون لدى أسر المفقودين، حالة من عدم اليقين المؤلم لسنوات، وهو السبب في زرع الأمل في الوقت الحاضر، فقد صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 حزيران الماضي على تشكيل مؤسسة دولية مستقلة للبحث عن المفقودين في سوريا في المناطق التي تسيطر عليها كل من الحكومة والمعارضة.

موافقة غير جماعية
تبنّت المنظمة العالمية المكوّنة من 193 عضوا القرار بأغلبية 83 صوتا مقابل 11 وامتناع 62 عضوا عن التصويت.
وشملت الدول التي صوّتت لصالح القرار الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، بينما عارضت سوريا وحلفاؤها الرئيسيون، من روسيا وإيران والصين هذه الخطوة.
وامتنعت الدول العربية التي أعادت العلاقات مع دمشق في الأشهر الأخيرة عن التصويت، باستثناء قطر والكويت، اللتين أيّدتا الخطوة. ويعتقد الباحثون عن المفقودين أن بعضهم ما زال موجودا في السجون الحكومية، لكن جماعات مسلحة غير حكومية  تحتجز أفرادا آخرين لأسباب كثيرة. كما تم دفن البعض الآخر في مقابر جماعية عثر عليها على جانبي خط المواجهة.
وستقوم المؤسسة المنشأة حديثا بجمع المعلومات من الأسر ومنظمات المجتمع المدني السورية ويساعد على ادراجها عدد من المبلغين عن حالات الاختفاء فضلا عن وكالات الأمم المتحدة، وكذلك الاستفسارات المقدمة إلى سلطات الحكومة السورية والجهات التي تحكم المناطق المسيطر عليها من قبل المعارضة.
يمنح القرار ثلاثة أشهر لمسؤولي الأمم المتحدة لانشاء هيكل المؤسسة والبدء في تعيين الموظفين. وكانت هناك مطالب طويلة الأمد للتحقيق في مصير المفقودين، من الأسر ومن نشطاء حقوق الإنسان. ويقول هاني مجلي، عضو لجنة شكلتها الأمم المتحدة سنة 2011 للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، إنه يأمل أن يشجع فريق واحد يركّز على المفقودين بحثّ المزيد من المبلغين عن المخالفات على التقدم، لإتاحة أمكانية جمع بيانات متفرقة من جماعات حقوق الإنسان.

مشكلة واسعة النطاق
وسيكون إنشاء هيأة دولية خطوة مهمة في منطقة مزقتها الحرب، حيث تنتظر عشرات الآلاف من الاسر في البلدان المجاورة معلومات عن أحبائهم.
ففي لبنان، وبسبب التقدّم في السن يموت أفراد أسر نحو 17 ألف شخص اختطفتهم ميليشيات القوى اللبنانية المختلفة خلال الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، ومات الأهالي ولم يعرفوا قط مصير أحبائهم.
وفي اليمن، وعلى الرغم من عمليات تبادل الأسرى الأخيرة بين السعودية والمتمردين الحوثيين، تقول جماعات حقوق الإنسان إن المئات لا يزالون في عداد المفقودين.
وفي العراق، لا يزال أكثر من 43 ألف شخص في عداد المفقودين منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 للإطاحة بنظام صدام، وأعقب ذلك حرب أهلية شرسة وبروز تنظيم داعش الإرهابي المتطرّف.
وأجرت الأمم المتحدة تحقيقا سنة 2017 في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها التنظيم المتشدد، بما في ذلك الاختفاء القسري، ما أدى إلى اكتشاف أكثر من 12 مقبرة جماعية داخل العراق.
في مدينة القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا، يعتقد حامد حمو أن التحقيق قد يكشف مصير ابنه المفقود.
حوّل حمو غرفة جلوسه إلى مزار لابنه فرهاد، الصحفي الذي فقد بعد أن اختطفه مسلحو تنظيم "داعش" الارهابي وزميله، مسعود عقيل، في عام 2014. انتقل عقيل، الذي أطلق سراحه في عملية تبادل أسرى، إلى ألمانيا، إلا إن فرهاد لم يعد إلى المنزل قط. قال حمو وهو يسحب نفسا من سيجارته: "حتى يومنا هذا، تغيّرت حياتنا تماما.
كانت والدته تزن نحو سبعين كيلوغراما، وانخفضت إلى أربعين كيلوغراما فقط."
امتدّت سلطة ما يسمى بـ "الخلافة" لعصابات "داعش" الاجرامية عبر مناطق واسعة من سوريا والعراق، لكن المتطرفين فقدوا سيطرتهم على آخر مناطق نفوذهم على الأرض سنة 2019. ويحتجز الآلاف من عناصر "داعش" كأسرى في سجون تديرها القوات التي يقودها الأكراد، والتي يعتقد حمو أنها قد توفر معلومات عن المفقودين.

وكالة اسيوشيتد برس الأخبارية