محمد شريف أبو ميسم
يقال إن حجم الكتلة النقدية المكتنزة خارج مساحة التداول المصرفي يبلغ نحو 70 بالمئة من النقد الصادر، وغالبا ما تكون هذه الكتلة المكتنزة، عنصرا ضاغطا على ديناميكية حركة السوق وانضباط عناصره، إذ عادة ما تسهم في حالة عدم الاستقرار في السياسة النقدية بوصفها سببا مباشرا في ديمومة مضاربات السوق الموازية لأسعار الصرف، وعنصرا ضاغطا في زيادة نمط الاستهلاك في ظل انخفاض معدل الإنتاج المحلي، علاوة على ما تسببه من ارتفاعات في الأسعار، كما في سوق العقارات، جراء انعدام الفرص الاستثمارية في القطاعات الأخرى التي يمكن من خلالها أن توظف هذه الأموال بهدف زيادة الدخل أو المحافظة على القيمة السعرية للأموال تحاشيا للخسارة الناجمة عن عوامل التضخم المدعومة بحالة التضخم المستورد، الناجم عن تداعيات الاقتصاد العالمي في ظل حرب العقوبات بين عمالقة الاقتصاد، بجانب التضخم الداخلي الناجم عن استمرار تزايد الكتلة النقدية في ظل موازنة انفجارية، ونظام اقتصادي يعاني من عدم انتظام علاقات السوق.من هنا تكون الحاجة ماسة لسوق أوراق مالية تستقطب الناس للاستثمار حفاظا على أموالهم من تداعيات انخفاض القيمة السعرية للنقد، أو زيادة لها من خلال تحقيق عوائد أو أرباح نتيجة عملية التداول أو الاستثمار.وهذه الحاجة لا تقف عند هذا الحد، إذ إن ارتفاع معدل الاستثمار غير المباشر في سوق الأوراق المالية يعني بالضرورة انضباط حركة الأسواق الأخرى وانتظام إيقاع الاقتصاد الكلي، وبالتالي مساهمة سوق الأوراق المالية في انسياب السيولة النقدية للأنشطة التجارية والاقتصادية المختلفة ونقل الأموال المكتنزة من الإنفاق الاستهلاكي إلى قنوات الاستثمار المختلفة من خلال توجيهها إلى القطاعات ذات الحاجة إلى تلك الأموال، وبالتالي المساهمة الجادة في تنشيط دوران عجلة التنمية وزيادة ثقة المساهمين بدور الشركات المسجلة في السوق ودفع القطاع الخاص عموما نحو آليات سوق الأوراق المالية والالتزام بها، وتحديدا معايير حوكمة الشركات . وفي ظل هذا الانفتاح الحكومي الكبير على بيئة الأعمال في سياقات البرنامج الحكومي، وتوقعات تعدد فرص الاستثمار مع تصاعد معدلات الطلب الكلي وحركة السوق في سياق موازنة انفجارية، تكون الحاجة ماسة لتفعيل دور سوق الأوراق المالية بوصفها المرآة العاكسة للنشاط الاقتصادي في البلاد، وضرورة تصدي الجهات ذات العلاقة لمسؤولية إخراج السوق من حالة الانكماش إلى حالة البيئة الجاذبة للأموال المكتنزة.