شباب ينقشون إبداعاتهم ويتحدون الصعاب

ريبورتاج 2023/07/13
...

  فجر محمد
تحت شمس تموز اللاهبة كان زيد علي ينقل مواد البناء على ظهره، والعرق يتصبب من جبينه، لم يجد زيد البالغ من العمر 25 عاماً فرصة عمل أنسب من هذه، إذ اضطرته العديد من الظروف إلى ترك مقاعد الدراسة مبكراً وإعالة أسرته، ويقول زيد وهو يمسح القطرات النازلة إلى عينيه: "حاولت كثيراً بعدة مجالات أن أبحث عن فرصة مناسبة لي، ولكن دون جدوى، لم أجد سوى مهنة (العمالة)".
يجلس زيد بملابسه القديمة على أحد الأرصفة، بانتظار مهمة جديدة، في تلك المهنة التي يصفها بغير المستقرة، إذ بعد أن ينجز مهمته ويكمل البناء يبقى من دون عمل على أمل أن يحظى بفرصة جديدة، كي يعود إلى مواصلة مهنته الشاقة مرة أخرى.
يرى الأكاديمي والباحث الاقتصادي الدكتور ستار البياتي أن الشباب هم أهم فئة عمرية بين السكان، ويمتاز العراق والدول العربية والنامية إجمالاً بنسبة الشباب العالية، إذ يطلق على مجتمعاتهم الفتية أو الشابة، على العكس من أوروبا التي تعاني من قلة الشباب، إذ يحتل الشباب في البلاد والدول العربية ونظيراتها النامية قاعدة الهرم الاقتصادي والاجتماعي، في حين الأمر بالعكس مع الدول الأوروبية فهي تعاني من قلة هذه الفئة بشكل لافت للنظر.

تنمية المواهب
بدت منهمكة وهي ترتب مشغولاتها اليدوية المصنوعة من أفخر أنواع الأحجار الكريمة وبأشكال متنوعة ولافتة للنظر، إذ لم تكتف الباحثة الجيولوجية والأكاديمية الدكتورة هبة المعمار بدراستها وأبحاثها العلمية التي تقوم بها، فضلاً عن مهنة التدريس الجامعي بل قامت بمشروعها الخاص الذي وضعت فيه خبرتها الأكاديمية، فهي تقوم بعمل مشغولات ومصوغات من الأحجار الجيولوجية، وتوضح المعمار أن بمقدور أي شخص يمتلك موهبة ما أن يعمل على تطويرها والاهتمام بها أكثر، مستشهدة بقول مبتكر علم التفكير وعالم النفس إدوارد دي بونو "لولا قطرات الإبداع لجفت أرض التقدم وماتت زهور الابتكار واستوطنت أشواك التقليد معقلها".
في وقت سابق أعلنت وزارة التخطيط عن دعمها لملف الشباب، ومساعيها لإيجاد حلول لمشكلاتهم المتعددة، إذ بيّن المتحدث الرسمي باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي أن نسبة الشباب في المجتمع عالية جداً، وهناك خطط تنموية ورؤى مستقبلية ستخدم هذه الفئة.

إحصائيات دوليَّة
بحسب منظمة الأمم المتحدة فإن نسبة الشباب في العالم تصل إلى ما يقرب من 16بالمئة من سكان العالم أجمع، ومن المتوقع أن يسجل ارتفاع 7 بالمئة إلى تلك النسبة بحلول عام 2030 وهو الموعد المنتظر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ووفقاً للمنظمة فإن مطالبات الشباب مستمرة لانصافهم ومنحهم فرصاً أكثر في المجتمع، منها الحصول على التعليم والصحة والتوظيف وإزالة الفوارق بين الجنسين، وضعت الأمم المتحدة في عام 1995 ستراتيجية دولية لتوجيه المجتمعات، وتعريفها بالتحديات التي تواجه الشباب، وبعد ذلك وضعت المنظمة يوماً خاصاً للاحتفاء بمهاراتهم وتطويرها بهدف منحهم الفرصة الأمثل في سوق العمل.

القطاع الخاص
لا يمتلك زيد شهادة أكاديمية ولكنه يمتلك القوة البدنية والقدرة على تحمل ساعات العمل الطويلة، ولكن بدأ التعب ينال منه شيئاً فشيئاً، كان يأمل أن يجد عملاً في معمل أو مصنع ما، ولكن وكما هو معروف فإن هناك ركوداً في عمل المصانع وغياب الدعم عنها وعن القطاع الخاص، الذي لو تم دعمه لتحقق الشيء الكثير في الاقتصاد المحلي.
يعطي الباحث والأكاديمي الدكتور ستار البياتي الشباب أهمية كبيرة، فهم شريك أساسي ومهم في بناء المجتمع، والتنمية الاقتصادية وفي أغلب دول العالم يحتل الشباب وبالأخص خريجي المعاهد والجامعات في دول العالم، أهمية كبيرة باعتبارهم طاقات رائدة في المجتمع لابد من استثمارها بالشكل الأمثل، وتوظيف المعلومات والخبرات التي حصلوا عليها من اختصاصاتهم الأكاديمية بالطريقة المفيدة.
ويعتقد البياتي أن هناك وسائل متعددة بإمكانها أن تنفع الشباب، ومنها تفعيل القطاع الخاص ليكون شريكاً حقيقياً في عملية البناء الاقتصادي للبلاد، فضلاً عن دعم المشاريع الصغيرة، لهذا من الضروري تذليل الصعوبات لهذا القطاع، كي يقدم أفضل ما لديه بعيداً عن الاجراءات البيروقراطية والكلاسيكية التي يعاني منها نظيره العام.

سلوكيات إيجابية
لا يمكن أن يختلف اثنان على أن توفير فرص العمل المناسبة التي توفر لقمة العيش للفرد بإمكانه أن يصنع أفراداً إيجابيين يخدمون مجتمعاتهم، وهذا ما أكدت عليه الباحثة والأكاديمية الدكتورة هبة المعمار، مشيرة إلى أن وجود شباب يتمتعون بمواهب ومهارات هو رأس مال فكري ممتاز، يجب أن يستغل بالصورة الأمثل من خلال صقل هذه المواهب وتشذيبها، وبحسب المعمار فإن الدراسات التي أجرتها المؤسسات الأكاديمية بينت أن المجتمعات التي يحظى أفرادها بفرص تسمح لهم بتطوير مواهبهم وإمكانياتهم، غالباً ما تكون أقل عرضة للسلوكيات الانحرافية، ويتمتع أبناؤها  بالإيجابية والرغبة بالإسهام في تطوير المجتمع .
في الفترة المنصرمة أطلق مجلس الوزراء مبادرة عرفت باسم (ريادة)، عنيت بالتنمية والتشغيل وتستهدف الطلبة والشباب، وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء فإن هذه المبادرة تجري متابعتها، ومراقبة ما أحرزته من تقدم في هذا الجانب إذ تم توجيه المصارف المشاركة في المبادرة، بمنح القروض للشباب الراغبين بإنشاء مشاريعهم الخاصة، لزجهم لاحقاً في سوق العمل وتطوير مواهبهم وامكانياتهم. ومن وجهة نظر الباحث والأكاديمي الدكتور ستار البياتي فإن هناك العديد من المبادرات التي بالإمكان تقديمها خدمة للشباب، لا سيما أن هناك أفكاراً ورؤى لدى هذه الفئة العمرية تمتاز بالحداثة والتطور، ولكي لا تتكئ تلك الفئات على القطاعات والمؤسسات الحكومية وبالتالي تنتشر البطالة المقنعة، وهناك دراسات وإحصائيات تبين أن هناك عدداً لا يستهان به من الموظفين لا تتعدى إنتاجيتهم ساعات أو دقائق معدودة، إذا ما قمنا بحسابها، فضلا ًعن سوء توزيع الأدوار وتغييب الكفاءات وعدم استثمارها بشكل صحيح.

تذليل العقبات
طرحت الباحثة والأكاديمية الدكتورة هبة المعمار مجموعة من المقترحات، منها يجب أن يكون دعم الشباب وتطوير مهاراتهم من الأولويات الأساسية في برنامج الحكومة وخططها الستراتيجية وعلى الجهات ذات العلاقة أن تخصص الموارد والمتطلبات الأساسية لدعم هذه الفئة، وزرع روح المنافسة بين الأفراد ودعم أصحاب المواهب مادياً ومعنوياً لأجل خلق الحافز لبقية
أفراد المجتمع، من خلال إقامة الدورات والبرامج التشجيعية وإنشاء المنظمات والمؤسسات المعنية بهذا الشأن. مع ضرورة تنشيط القطاع الخاص عن طريق استثمار هذه المواهب في إنشاء المشاريع، ما يفتح مجالاً أكبر لاستقطاب العاطلين عن العمل.
وينوه الباحث والأكاديمي الدكتور ستار البياتي إلى غياب الإحصائيات الدقيقة والتقنيات الحديثة القادرة على إحصاء عدد ربات البيوت، اللواتي يتم اعتبارهن من القوى العاملة والمهمة في البلاد، ويدخلن ضمن ما يعرف بحسابات الدخل القومي لأدوارهن المهمة في المجتمع.
 كما يبين البياتي ضرورة الاهتمام ببراءات الاختراع التي يقوم بها الشباب ودعمهم من أجل تطبيقها عملياً والاهتمام بتوفير ما يعرف بحاضنات الأعمال وهو مصطلح يطلق على الجهات التي تدعم المشاريع التي يقوم بها الشباب سواء كانت صغيرة أم متوسطة أو كبيرة، بهدف إنعاش باقي القطاعات والابتعاد عن الاقتصاد الريعي. أما عن المعوقات التي تعترض الشباب، فتوضح الدكتورة هبة المعمار أن نقص الإمكانيات وعدم وجود دعم ومنهجية واضحة، تخص هذه الفئة إضافة إلى مشكلات البيئة المحيطة وقلة الموارد والقدرات، فضلاً عن النظرة السلبية للجانب الابتكاري من خلال السير على نهج قديم وهذا يقتل التفكير الإبداعي، كما أن خوف الشخص الموهوب نفسه من الفشل والاخفاق قد يقيد الروح الإبداعية بداخله، لذا على الشخص المبدع أن يتحلى بالثقة العالية ولا يستسلم للفشل وبإمكان أي شخص أن يكون موهوباً ومبدعاً ويحقق أحلامه.

ابتكارات حديثة
تناقلت وسائل الإعلام في الفترة الماضية، قصة الشاب العراقي الذي قام باختراع طائرة مسيرة تشبه إحدى الطائرات الحديثة والمبتكرة، حيدر الحسيني حوّل منزله إلى ورشة لصناعة الطائرات ووفقاً لتلك الوسائل فإن تلك الطائرة لن تمنح رخصة الطيران، إلا بعد فترة زمنية تحددها الجهات ذات العلاقة، ويذكر أن تلك التصاميم شاركت في مهرجانات محلية ودولية، وحازت على اهتمام المختصين ووسائل الإعلام.