أوروبا تسعى للتخلي عن الطائرات لصالح القطارات

بانوراما 2023/07/13
...

 ميغيل روس
 ترجمة: فجر محمد

منذ أن بدأت الحركة المضادة للطيران (مصطلح {شيم أون فلايتس} تم تداوله عام 2018 بشكل هاشتاك يربط بين التغير المناخي واستخدام الطائرات في النقل والشعور بعدم الارتياح من التجربة) بتشجيع المسافرين على البحث عن بدائل بيئية أكثر صداقة من الطائرات النفاثة، كان العديد في أوروبا يتطلعون إلى شبكة السكك الحديد الواسعة في القارة لتحل محل السفر الجوي قصير المدى. كان هناك تقدم بالتأكيد. إذ دخلت شركات الطيران، بما في ذلك شركة الخطوط الجوية الهولندية  (كي ال ام) في شراكات سكك حديد على طرق معينة. في حين تسعى دول مثل النمسا وفرنسا إلى تقييد الطرق الداخلية حيث تتوفر القطارات - على الرغم من أن القرار الفرنسي، الذي صدر على شكل قانون في ايار 2023، قد تم تخفيفه بشكل كبير من مقدمته الأصلية.
يأتي ذلك وسط ثورة ملموسة في السكك الحديد على امتداد البر الرئيسي لأوروبا، مع وجود طرق جديدة عالية السرعة ومشغلين عبر الإنترنت، وانعكاس في تراجع خدمات النوم الليلية، وربط أنفاق جديدة تقلل زمن السفر وقاطرات جديدة ترفع مستوى الدقة والكفاءة. ومن الجدير بالذكر أن تعاملات التذاكر الرخيصة قد لعبت في إسبانيا وألمانيا والنمسا، دورها أيضًا.
ومع المزيد من الاستثمار في السكك الحديد، يبدو كما لو إن تأهيل شبكة النقل الجوي في أوروبا يجري على قدم وساق. وبالتأكيد، إنها مسألة وقت فقط قبل أن تعتمد القارة بشكل حصري تقريبا على شبكة طرقها الحديدية للتجول فتكون السماء أكثر وضوحا واشراقا.
في الواقع، لا يزال ذلك حلما بعيد المنال. لكن لماذا؟ كما هو الحال مع العديد من الجهود المبذولة للابتكار البعيدة عن الممارسات المضرة للبيئة، هناك أخبار جيدة واخرى سيئة. فهناك إصلاحات، لكنها  ليست سريعة. وليس هناك إشارة إلى أن مطارات أوروبا ستصبح أكثر هدوءا عن قريب.

حركة رمزية
بدأ هذا العام انطلاقة قوية بالتشريع الجديد الموعود في فرنسا والذي من شأنه أن يحظر الرحلات الجوية القصيرة على عدد من الطرق المحلية لمساعدة البلاد على خفض مستويات التلوث الناتج عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب،  وعلى الرغم من المصادقة عليها من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي ثم التوقيع لضمها للقانون الفرنسي في ايار 2023، إلا أن الاجراءات محدودة التأثير.
ولكي يتم تطبيق الحظر، أصر الاتحاد الأوروبي على أن الخط الجوي المعني يجب أن يكون لديه بديلا للسكك الحديد عالي السرعة يجعل من الممكن السفر بين المدينتين في حدود ساعتين أو أكثر بقليل. يجب أن تكون هناك أيضا قطارات تعمل في وقت مبكر ومتأخر لأجل تمكين المسافرين من قضاء ثماني ساعات على الأقل في المكان المقصود.
وهذا يعني أنه في النهاية تم اختيار ثلاثة طرق فقط، هي تلك التي تربط مطار باريس- أورلي بمدن بوردو ونانت وليون. وفي ضربة أخرى لأولئك الذين يأملون في ثورة السكك الحديد، اتضح أنه، كما حدث ، تم قطع هذه الطرق بالفعل سنة 2020، ويعني القانون الجديد أنه لن تتم إعادة تلك الطرق في المستقبل.
إذن ما الخطأ الذي حدث؟ لقد قلل قرار المفوضية الأوروبية أهمية الخطط الفرنسية الأصلية، والتي كانت ستشهد انجاز خمسة طرق أخرى: من مطار شارل ديغول في باريس إلى بوردو ونانت وليون ورين ، بالإضافة إلى طريق ليون إلى مرسيليا. والنتيجة كما يقول النقاد، حديث عن المخاوف المناخية من دون فعل أي شيء حيالها.
ويقول جو داردين، مدير الطيران في مجموعة النقل والبيئة قبل سريان القانون: "إن حظر الطيران الفرنسي خطوة رمزية، لكنه سيكون له تأثير ضئيل للغاية على الحد من الانبعاثات".
قدرت مجموعة النقل والبيئة الطرق الثلاثة المتأثرة بالحظر بأنها تمثل نسبة 3 بالألف فقط من الانبعاثات الناتجة عن الرحلات الجوية الخارجية التي تقلع من الأراضي الفرنسية، و3 بالمئة من انبعاثات الرحلات الجوية الداخلية للبلاد (مرة أخرى يتم احتساب الرحلات الداخلية فقط).
إذا تمت إضافة المسارات الخمسة الإضافية التي أرادت السلطات الفرنسية تضمينها  فستكون هذه الأرقام 5 بالألف و5 بالمئة على التوالي. يبدو إن ذلك لا يعد شيئا كثيراً. ولكن على الرغم من أن الطيران ككل يمثل حاليا نحو 3 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية، إلا أن مساهمته الإجمالية في تغير المناخ تُقدر بأنها أعلى، بسبب الغازات الأخرى وبخار الماء وما ينفث من الطائرات.
علاوة على ذلك، إنها صناعة سريعة النمو، على الرغم من التوقف المؤقت الذي فرضته كوفيد، إلا أنها في طريقها لأن تكون واحدة من أهم الصناعات المساهمة في الانبعاثات في المستقبل.  فقد زادت انبعاثات الطيران في أوروبا بمعدل 5 بالمئة على أساس سنوي بين عامي 2013 و2019، وفقًا للاتحاد الأوروبي.
لا تدفع شركات الطيران أية ضرائب أو رسوم على وقودها في الإتحاد الأوروبي، على العكس من أنواع النقل الأخرى. كما أن تذاكر الطائرة معفاة أيضا من ضريبة القيمة المضافة.

قيود مستقبلية
في الجانب الإيجابي، وبالرغم من تأثيره المحدود، الا أن القرار الفرنسي يضع سابقة يصعب تجاهلها من قبل صناعة الطيران في وقت تتعرض فيه لمزيد من التدقيق من قبل الجمهور،  وكذلك من السياسيين. إذ قال باتريك إدموند، مدير لشركة ألتير ادفايزوري، وهي شركة استشارية في مجال الطيران مقرها أيرلندا، "إن الإجراء الفرنسي هامشي للغاية في نطاقه الحالي لدرجة أنه مجرد عرض روتيني للصيانة أكثر من أن يكون ذا أثر مادي على تلوث الانبعاثات".
وأضاف: "ومع ذلك، يمكننا النظر إلى الأمر بطريقة مختلفة، بوصفه نذيراً لمزيد من القيود على الطيران والتي قد تفرض إذا لم تكن الصناعة أكثر جدية بشأن الحد من نسبة الكربون ذاته."
فرنسا ليست الدولة الأوروبية الأولى التي تشدد اجراءاتها في الرحلات الجوية قصيرة المدى. ففي العام 2020، تكفلت الحكومة النمساوية نفقات شركة الطيران المحلية (الخطوط الجوية النمساوية)  وانقذتها من ضائقتها المالية مقابل شرط إلغاء الشركة لجميع الرحلات الجوية التي قد تستغرق رحلة القطار فيها أقل من ثلاث ساعات.
في الواقع، تم ايقاف مسار رحلة فيينا- سالزبورغ فقط، مع ارتفاع مستوى خدمات القطارات على الخط استجابةً لذلك. وتم تحويل خط رحلة جوي قصير آخر مماثل، بين لينز وفيينا، إلى  خط السكك الحديدية في العام 2017. وفي العام نفسه، أطلقت الحكومة أيضا ضريبة قدرها 30 يورو على جميع الرحلات المغادرة من المطارات النمساوية والتي تقل مسافتها عن 350 كيلومترا.
يقال إن دولا أوروبية أخرى تدرس فرض قيود على الرحلات التجارية قصيرة المدى أيضا - وهي خطوة قد تكون موضع ترحيب، لأن 62 بالمئة من الأوروبيين سيدعمون الحظر على الرحلات الجوية القصيرة، وفقا لمسح أجري عام 2020. وكانت إسبانيا قد وضعت خططا لخفض الرحلات الجوية حيث تستغرق رحلات القطار نحو ساعتين أو أكثر بقليل بحلول العام
2050.
وليس من المستغرب أن تكون هذه الإجراءات قد قرعت أجراس الإنذار في صناعة الطيران، فيقول تقرير العام 2022 الصادر بتكليف من الاتحاد الأوروبي للخطوط الجوية الإقليمية (ايرا) وعدد من هيئات الطيران الأخرى، أنه إذا تم تحويل جميع  خطوط حركة الطيران التي تقل عن 500 كيلومتر  إلى أنواع أخرى من وسائل النقل العام، فإنه سيحقق نسبة توفير تصل إلى 5 بالمئة من انبعاثات الكاربون ضمن منطقة الاتحاد الاوروبي.
ويوضح مونتزارت باريغا، المدير العام لشركة (ايرا): "بالنسبة للعديد من صانعي القرار، يبدو أن حظر الرحلات الجوية قصيرة الأمد وإظهار الدعم لخطوط السكك الحديد نجاحا بسيطا لكسب تأييد الرأي العام، وخاصة في أوروبا".

مخلفات الكاربون في الجو
تخلف الرحلات الجوية الطويلة أكبر قدر من الانبعاثات الكاربونية على مستوى العالم. إذ وجدت ورقة أكاديمية حديثة في (مجلة جغرافيا النقل) أن الرحلات الجوية التي تقل مسافتها عن 500 كيلومتر تمثل نسبة نحو 28 بالمئة من المغادرين في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لا تمثل سوى 6 بالمئة تقريبا من الوقود المحروق. في المقابل، لا تشكل الرحلات الجوية التي تزيد عن أربعة آلاف كيلومتر سوى 6 بالمئة تقريبا من الرحلات المغادرة من الاتحاد الأوروبي، لكنها تحرق ما نسبته 47 بالمئة من الوقود.
تواصل الحكومات تجاهل أكبر مصدر لانبعاثات الكاربون في الطيران، وهي الرحلات ذات المسافات الطويلة، التي ما زالت غير خاضعة لسعر معين وغير منظمة "، وكما يقول داردين من مجموعة (النقل والبيئة): "لا ينبغي أن تستخدم الحكومات حظر الطيران للانشغال عن المشكلة الحقيقية".
وبينما تشق السكك الحديد حاليا مسارات جديدة عبر أوروبا، وتلعب دورا في الانهيار الأخير لشركة الطيران الإيطالية (أليطاليا)، يمكن لمسؤولي السكك الحديد القيام بالمزيد، بحسب جون وورث، مؤسس مجموعة دعم (قطارات أوروبا).
ويوضح وورث إن الأسعار المرتفعة والوتيرة المنخفضة لا تزال تشكل عقبة أمام تحول المزيد من المسافرين من الخط الجوي إلى بديل آخر، خاصة على الخطوط الرئيسة مثل باريس إلى أمستردام وفرانكفورت وبرشلونة.

عن موقع سي أن أن الأميركي