من الأرشيف

الصفحة الاخيرة 2023/07/15
...

جواد علي كسار

بعد عقدين من الانتظار أدركتني أخيراً فرصة مكانية موائمة، لعرض جزء كبير من مكتبتي يصل إلى نحو 60% من حجمها الكلي، وقد هالني ما عثرتُ عليه من ذخائر معرفية وكنوز كانت مخبأة عني ومتوارية عن نظري وعقلي، وهي عالقة في «كراتين» ومخازن بعيدة وقريبة.
من بين ذلك فصلية بحثية ـ ثقافية صدرت بعد التغيير، بعنوان: «الملتقى»، يحمل عددها الأول تأريخ: شتاء 2006م، والأخير صدر عام 2010م. بديهي أعرف أن المجلة قد توقّفت منذ سنوات، لكن لا أستطيع أن أجزم بأنها اقتصرت على ما عثرتُ عليه في مكتبتي بعد العرض، وهي (19) عدداً، إذ يمكن أن تكون قد استمرّت بالصدور بعد العدد (19) ثمّ توقفت.
وصفياً صدرت المجلة عن مركز آفاق للدراسات والأبحاث العراقية، وقد كُتب على صدر كلّ عدد من أعدادها بعد اسمها، تعريفاً ثابتاً بها (بمنزلة: الآرم أو العلامة) نقرأ فيه: مجلة فصلية ثقافية تُعنى بالدراسات والأبحاث الخاصة بالشأن العراقي في مختلف مجالات المعرفة. والحق أنها كانت كذلك.
أما من حيث المضمون والرسالة أو المشروع الفكري، فقد صدرت المجلة بتخطيط جمعي كان يتجه حقاً لإنتاج بديل عراقي وطني في المجتمع والدولة، والسياسة والثقافة، وفي الاقتصاد والأمن والسياسة الخارجية، لا يتعارض مع هوية الإنسان العراقي وانتمائه ومصالحه؛ يملأ فراغ النظام الساقط ويزيح رواسبه، وهو ما أشارت إليه بتفصيل افتتاحية العدد الأول.
مراجعة أي عدد من أعداد «الملتقى» يكشف بمحتوياته وهي تمتدّ على أكثر من مئتي صفحة من الحجم الكبير (الرحلي) عن هاجس بناء المشروع العراقي الجديد، في جميع أو أغلب ما يطرحه القائمون على المجلة ومن يشاركهم البحث والتفكير والكتابة. على سبيل المثال يطالعنا العدد (15) الصادر عام 2009م، بملف جاد ورصين ذي طابع تنبّوئي، بعنوان: مشكلة المياه في العراق، شارك به أربعة من الباحثين، بالإضافة إلى عناوين لا تقلّ عن هذا أهمية، مثل: التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العراقي، الأجانب ووضعهم القانوني، وهكذا بقية الأعداد.
في طليعة الثلاثي الذي وقف وراء مشروع المجلة ومركزها، هو الراحل المهذّب محمد هادي الأسدي، وقد فقدناه عام 2016م إثر مرض عضال، بعد أن ترك بالإضافة إلى المجلة عدداً من المؤلفات، أبرزها دراسة تأريخية بعنوان: «ما قبل عاشوراء» وكتاب ضخم من جزأين عن السيد محسن الحكيم. أما الثاني فهو الراحل محمد سعيد الأمجد الذي رحل عنا أيضاً وهو في عزّ شبابه. والثالث هو الباحث الرصين الجاد عودة عباس فرج، ولستُ أعرف مصيره، وفي ما إذا كان قد عاد إلى مهجره السويدي، أم أنه لم يزل في العراق.
ما يلح على بالي ويؤرقني كثيراً هو العثور على صيغة للحفاظ على هذا التراث وأرشفته، واستعادته واستحضار الصالح الفاعل منه، سواء من خلال مبادرات مؤسّسية أهلية أو رسمية، إذ المهم هو حفظ ذاكرة العراق بحفظ جهود أبنائه.