مزار إبراهيم بن مالك الأشتر رمز المواقف الشجاعة الرافضة للظلم والطغيان
عامر جليل ابراهيم
تصوير: صباح الامارة
منذ مئات السنين يقصده الزائرون ويقفون النذور له ويقيمون مجالس العزاء الحسينية فيه ويتبركون بكرامات صاحب المقام، إنه مرقد ومزار ابراهيم بن مالك الأشتر الذي يقع في محافظة صلاح الدين، قضاء الدجيل بالقرب من قضاء بلد الذي يضم مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي (ع)، وعلى يسار الذاهب من العاصمة بغداد إلى مدينة سامراء حيث مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام. (الصباح) وفي سعيها للتعريف بأماكن السياحة الدينية في العراق، زارت هذا المرقد الشريف والتقت الأمين الخاص للمرقد السيد احمد ستار كعيد الخزرجي ليحدثنا عن تفاصيل المزار. وقد بدأ بنسبه فقال: إنه إبراهيم بن مالك بن الحارث الأشتر النخعي المذحجي.
ولادته واستشهاده
ويضيف السيد الخزرجي قائلاً: ولد إبراهيم في سنة 21هـ في المدينة المنورة، حيث كان أبوه مالك الأشتر أحد قادة معركة اليرموك التي وقعت في سنة 15هـ. بين المسلمين والروم وهي من أهم المعارك في التاريخ الإسلامي لأنها كانت بداية انتصارات المسلمين خارج جزيرة العرب.
"عرانين النخع"
ويؤكد السيد الأمين الخاص: أن طفولته لا يُعلم عنها شيء، لكن عندما دارت حرب صفين سنة 37هـ التي قاتل فيها الإمام علي (ع) المتمردين والمارقين، وكان مالك الأشتر أحد قادتها المناصرين للإمام علي عليه السلام، خرج له غلام شاب من أهل يحصب وهي قرية قرب صنعاء في اليمن، وهو يردد أبياتاً يطلب فيها القتال فنادى مالك ابنه ابراهيم، وقال له غلام لغلام، فخرج ابراهيم وهو يقول:
يا أيها السائل عني لأترع
أقدم فإني من عرانين النخع
كيف ترى طعن العراقي الجذع
أطير في يوم الوغى ولا أقع
ماساءكم يسر وماضر نفع
أعددت ذا لهول يوم المطلع
فيكون عمر ابراهيم (ع) في ذلك الوقت 16سنة.
ويمضي السيد الخزرجي قائلاً: إن ابراهيم نشأ يحمل صفات أبيه مالك الأشتر رضوان الله عليه، وقد تشرف بصحبة الإمام علي (ع) منذ صباه، ورافق الإمام العباس (ع)، فشب على الإيمان والشجاعة، موالياً لأهل البيت (ع)، كما كان شاعراً فصيحاً وأديباً بارعاً، وكان لإبراهيم شرف مقاتلة الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه الكرام، والاقتصاص منهم، وذلك عندما أراد المختار الثقفي الأخذ بثأر الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، بإعلانه الثورة على حكام بني أمية سنة 66هـ، إذ أشار عليه جماعته بأن يدعو ابراهيم ليلتحق معه حيث إنه مع ما عنده من شجاعة وخبرة بالقتال فهو سيد قومه ويتبعه جمع كبير من الرجال، وفعلاً قام المختار بدعوته مؤكداً له هدفه السامي وهو نصرة أهل بيت النبوة (ع) فوافق إبراهيم على دعوة المختار وبعد الموافقة بعث المختار معه حوالي 700 فارس و 600 رجل لقتال عبيد الله بن زياد ولما التقى الجمعان هجم ابراهيم على القوم وهو يقول: اللهم إنك تعلم أننا غضبنا لأهل بيت نبيك (ع) ثرنا لهم على هؤلاء القوم، فقاتل قتالاً شديداً وفي ذلك قال سراقة الباهلي يمدح ابراهيم:
اتاكم غلام من عرانين مذحج
جريء على الاعداء غير نكول
جزى الله خيرا شرطة الله أنهم
شفوا من عبيد الله حر غليلي
استطاع ابراهيم في هذه المعركة قتل وجوه قادة الجيش الأموي ومنهم: عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع وغيرهم، حتى انهزم جيشهم، ثم أقام في الموصل بعدما قضى على الجيش الأموي في معركة الخازر سنة 67هـ، وبقي على ولاية الموصل والجزيرة وأطرافها بعدما استولى مصعب بن الزبير على الكوفة، ولما تولى عبد الملك بن مروان الحكم الأموي بدمشق، أرسل إلى إبراهيم يدعوه على أن يجعله والياً على العراق، لكنه رفض الذل والخنوع للظالمين وأبى إلا السير على منهج الإباء. فخرج لمواجهة الجيش الأموي الذي كان يقوده محمد بن مروان، والتقيا في هذه المعركة التي حدثت على جسر الخازر فاستشهد ابراهيم في هذه المعركة. ويؤكد السيد الخزرجي أن استشهاده كان سنة 71هـ، وفي رواية تقول بعد استشهاده قام الأمويون بحرق جثته فقامت جماعة بجمع ودفن ما تبقى منها، ودفنه في هذا المكان حيث مرقده، وكان عمره عندما استشهد قد ناهز الخمسين عاماً.
تفاصيل المزار
وفي ما يخص تفاصيل المزار يقول الأمين الخاص: إن مساحة المرقد الكلية تبلغ 5 دونمات، ومساحة البناء هي 90م × 100م، أما المرقد فتبلغ مساحته 28م والعرض 24م مقسماً إلى محراب للرجال ومثله للنساء، وارتفاع القبة 17م مغلفة بالكاشي الكربلائي، أما المنائر فيبلغ ارتفاعها 28م، وهي أيضاً مغلفة بالكاشي الكربلائي، وللمرقد أربعة أبواب: باب القبلة ويكون باتجاه القبلة، والباب الرئيس باب الإمام علي (ع)، وباب الزهراء وهو الخلفي، وباب القائم من جهة الشمال، ويحتوي المرقد على 60 ايواناً، إضافة إلى ساحة المرقد ومجموعة الصحيات وغرف الموظفين التي هي من (السندويج بنل).
مراحل الإعمار
ويؤكد السيد الخزرجي، الأمين الخاص للمرقد: أن أول قبة بنيت له كانت من الجص سنة 171هـ، ثم تطور البناء ومر بمراحل عدة عبر السنوات المتعاقبة، بعد ذلك قام الإرهابيون بتفجيره بتاريخ 12/5/2005م قبل تفجير الإمامين العسكريين بشهرين، وبدأ الإعمار فيه سنة 2010 بإعادة بنائه بهيئة إسلامية حضارية، فكانت المرحلة الأولى وهي مرحلة إعمار الحضرة الشريفة وتم إنجازها في سنة 2012م، أما المرحلة الثانية التي تخص الأواوين والصحن، فتمت المباشرة بها في عام 2012، ثم توقف البناء في أحداث داعش ليستأنف الإعمار في بداية سنة 2023م والعمل مستمر من قبل الشركة المنفذة، ويؤكد الخزرجي أن الأرض كانت مقبرة وبعد شرائها من وزارة المالية أصبحت باسم ديوان الوقف الشيعي/ الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة، وباسم ابراهيم بن مالك الأشتر.
زوار المرقد
وفي أثناء تجوالنا بالمرقد الشريف التقينا بالمعاون الإداري للمزار السيد عايد جاسم حمود ليحدثنا عن زائري المرقد والخدمة التي تقدم فيقول: يتوافد على المرقد الشريف الزائرون من جميع دول العالم الإسلامي، حيث يستقبل المزار الزائرين في الأعياد والمناسبات الدينية، لا سيما أيام ولادة أو وفاة الإمامين العسكريين(ع)، إذ يستوعب المزار أكثر من خمسة آلاف زائر وأضعاف هذا العدد في الزيارات المليونية، ويحظى الزائرون بجميع الخدمات من مأكل ومشرب ومنام، كون المزار يقع على الطريق السالك بغداد ـ سامراء مرقد الإمامين العسكريين الذي يقصده الزوار.
نشاطات المرقد
وفي جولتنا هذه رافقنا إعلام المرقد بشخص السيد أحمد هاشم علي مسؤول شعبة الإعلام في المرقد الشريف ليحدثنا عن النشاطات التي تقام في المزار حيث يقول: يقوم المرقد بعدة نشاطات وعلى مدار السنة ومنها: دورات ثقافية وقرآنية، ودورات للحفظ والتلاوة، إضافة إلى الختمات القرآنية، واحياء جميع المناسبات الدينية للولادات والوفيات ومنها استشهاد الإمامين العسكريين (عليهما السلام)، وإقامة المجالس الحسينية في شهر محرم الحرام، وإحياء ليالي القدر في شهر رمضان المبارك، وإقامة وجبات إفطار للصائمين، وإقامة مجالس العزاء في ذكرى استشهاد الأئمة الأطهار عليهم السلام أجمعين، وشعبة الإعلام تكون مواكبة لجميع هذه النشاطات بل مسؤولة عن التنظيم وبرعاية الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشريفة.
ويختتم الأمين الخاص للمرقد حديثه بالقول: نطمح أن نوسع مزارنا ونطوره في المستقبل القريب ومن مشاريعنا المستقبلية بناء دار للضيافة ومحال وأماكن استراحة ترفيهية للزائرين.