دول غرب أفريقيا تلهث وراء السيارات القديمة

بانوراما 2023/07/17
...

 ميمي برنسويل وايلا نيلسن

 ترجمة: بهاء سلمان

بوقوفه على الأرض المغطاة بالحصى في موقف "فيفا" للسيارات، يتفاوض "روكيب يايا" بشأن سعر سيارة حمراء غامقة. السيارة هي واحدة من مئتي سيارة متوقفة ضمن صفوف طويلة ممتدة عبر قطعة أرض واسعة، بعضها برّاق وجديد المظهر، وغيرها يبدو عليها التضرر والغبار. السيارة التي يتطلع "يايا" لشرائها، فورد سكيب موديل 2008 أميركية الصنع، يصل سعرها إلى نحو أربعة آلاف دولار. بالأمكان الحصول على ثمنها نسبيا، علما إن السيارات الأميركية أرخص من معظم الأنواع الأخرى في الساحة، وهو يسعى لتطوير نفسه بترك دراجته النارية وامتلاك سيارة؛ ولا يهتم لتاريخ السيارة، فهو يفكر فقط في مدى استعداده لتحمل ثمنها، كما يقول.
لكن كيف انتهى المطاف بسيارة الفورد هذه إلى هنا، ضمن أحد أكبر ساحات السيارات داخل مدينة ميناء كوتونو، فلا بد من قصة أكبر تخبرنا كم هو عدد سيارات الغرب المسرفة بوقود البنزين تبدأ حياة جديدة في غرب أفريقيا. وصلت سيارة فورد تجاوز عمرها 14 عاما إلى دولة بنين من الولايات المتحدة العام الماضي، بعدما بيعت في مزاد للسيارات. 

ومن خلال مراجعة سجلات السيارة، تبيّن إنها كانت مملوكة ثلاث مرات سابقا، في ولايتي فيرجينيا وميريلاند، وقامت بقطع مسافة أكثر من 252 ألف ميل على الطرقات. وتم استدعاء السيارة مرة واحدة سابقا لصيانة عجلة القيادة، لكنها بخلاف بعض السيارات الأخرى في الساحة، وصلت بحالة سليمة نسبيا، ولم تتعرّض لأية حوداث تذكر.

هذه السيارة المسنّة هي مجرد واحدة من ملايين السيارات المستعملة التي تصل كل سنة إلى غرب أفريقيا من الدول الغنية، مثل اليابان وكوريا الجنوبية والدول الاوروبية وبشكل متزايد، الولايات المتحدة. وينتهي المطاف بالكثير منها إلى دولة بنين، أحد أكبر المستوردين للسيارات المستعملة.


طلب انفجاري

ومن المتوقع تماما أن يزداد تدفّق السيارات المستعملة المتوجهة صوب موانئ غرب أفريقيا مع تحوّل الغرب نحو السيارات الكهربائية. ومع وضع الدول الغنية لأهداف صارمة لتحفيز المستهلكين باتجاه اقتناء السيارات الكهربائية لأجل اِيقاف تلوّث كوكب الأرض بسبب ظاهرة الاحترار، فليس بالضرورة أن تختفي السيارات التي تعمل بالبنزين.

بدلا من ذلك، سيجري شحن الكثير منها عبر آلاف الأميال نحو الدول النامية مثل بنين، حيث تزداد أعداد السكان، ومعه الطلب على السيارات المستعملة. ويقول الخبراء بأن التأثير سيكون بتحويل مشكلات المناخ والبيئة إلى الدول المتعرّضة بشكل أكبر لأزمات المناخ، مقوّضة محاولاتها لإيقاف تلوّث الأرض الناجم عن ظاهرة الاحترار.

وتنامى السوق العالمي للسيارات الخفيفة المستعملة بنسبة بلغت تقريبا عشرين بالمئة من 2015 لغاية 2019، حينما تم تصدير نحو خمسة ملايين سيارة. وحصل هناك تراجع طفيف بالصادرات سنة 2020 مع بداية جائحة كورونا، بيد إن الأعداد الآن "ترتفع بشكل سريع تماما"، بحسب "روب ديونغ"، مسؤول برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة.

ووفقا لبيانات البرنامج، تمثل الصادرات الاميركية ما نسبته 18 بالمئة من السيارات المستعملة عالميا. هذه السيارات تجوب العالم بأسره، شاملا الشرق الأوسط ووسط أميركا، غير أن الكثير منها تصل إلى نيجيريا وبنين وغانا. البعض من هذه السيارات تم انقاذها بعد تعرّضها للحوادث، كالغرق، أو لأنها قديمة جدا، وبيعت بالمزادات المخصصة للتصدير.

في الدول الأفريقية الكبيرة، مثل كينيا ونيجيريا، أكثر من تسعين بالمئة من السيارات والشاحنات هي مستعملة قادمة من وراء البحار. في كينيا، حيث يعمل ديونغ، تضاعف عدد السيارات كل ثماني سنوات، والشوارع التي عادة ما تكون خالية، تزدحم الآن بسيل من السيارات، بحسب المسؤول الأممي. هناك إقبال هائل على هذه السيارات المستعملة. يقول "ايتوب ابك"، الرئيس التنفيذي لشركة اوتوتشيك افريكا، المتخصصة ببيع السيارات عبر الانترنت: "لدينا أعداد سكان من الشباب الصغير بالسن تتحسن أحوالهم المالية يوما بعد آخر؛ وأول شيء يرغبون فعله الحصول على واسطة نقل."


ضعف القدرة الشرائية

إلا انه، وبخلاف ما موجود في الولايات المتحدة، لدى القليل من المشترين المحتملين قدرة امتلاك المال، بالتالي تكون السيارات الجديدة بعيدة المنال. يقول ايتوب ابك: "هذا الحال يمثل سببا رئيسيا لعدم مقدرتنا على تحسين نوعية السيارات المباعة. الأمر لا يتعلّق برغبة الناس بقيادة سيارات مستعملة، إنما بالقدرة المالية."

ويقول الخبراء أن الطلب على السيارات المستعملة قد يرتفع مع ازدياد اقتناء الغرب للسيارات الكهربائية ليزيد من تدفق السيارات المستعملة للدول الافريقية. ووفقا لتقديرات الوكالة الدولية للطاقة، فإن ما يقارب سيارة واحدة من كل خمس سيارات مباعة عالميا هذه السنة ستكون كهربائية، مقارنة بأقل من خمسة بالمئة سنة 2020. وتتصدر الصين وأوروبا والولايات المتحدة سوق السيارات الكهربائية، بحسب 

الوكالة.

وفي ولايات مثل نيويورك وفلوريدا، حيث يشتري المزيد من المستهلكين السيارات الكهربائية، يتطلّع التجار إلى مناطق بعيدة كمكان لبيع النماذج القديمة للسيارات المشتغلة بالبنزين، بحسب "مات تراب"، نائب رئيس شركة مانهايم العملاقة لمزادات السيارات. وتمتلك تلك الولايات أيضا أعمال موانئ نشيطة، جاعلة منها أماكن مثالية لشحن السيارات المستعملة إلى افريقيا. يقول تراب: "إنها تؤسس عملا حيويا متكاملا. أنا لست متفاجئا لرؤية كيف تصير لعبة الموانئ نشطة، وسنشهد المزيد من هذا النشاط. وعندما يلحظ تجار السيارات تنامي الطلب في الأسواق الأخرى، سيجدون وسيلة ما لنقل ما موجود من سيارات هنا."


وكالة سي ان ان الاخبارية الاميركية