الأفسد من الفساد

الصفحة الاخيرة 2023/07/17
...

عبد الهادي مهودر



ماالذي يدفع الموظف إلى ابتزاز أخيه المواطن البسيط، وماالذي يجعل المواطن الذي ينبذ الفساد ويدعو إلى محاربة الفاسدين إلى لعب الدور نفسه؟ وهو نفسه الذي يتحدث عن الطبقة الفاسدة، تراه يرتشي ويبرر فساده بحجة تسهيل الأمور، وبالفعل قد يكون مصيباً فالأمور ليست سهلة وطريق المراجعات مفروش بالأشواك، و في مؤسسات ودوائر الدولة التي يراجعها المواطنون ماهو أفسد من الفساد نفسه ألا وهو الروتين، فجميع المراجعين يجدون أنفسهم أمام خيارين، أما أن تمر على كل الشبابيك وتتبهذل بالطوابير والمواعيد، أو تدفع لتحصل على خدمة سريعة يقدمها لك الموظف بالخفاء أو عبر وسيط، ومعظم المراجعين خيروا أنفسهم، فصمد منهم من صمد ودفع غيرهم الثمن من وقتهم وكرامتهم، أو اختاروا الطريق السري بنصيحة موظف في الدولة يخدم نفسه بإمكانات الدولة عبر هذا الطريق المختصر الذي لا تسلكه مؤسسات الدولة القادرة على اختصار الطرق والحلقات والشبابيك الزائدة، لكنها لا تفعل!. 

وخلال الأسبوع الماضي تحدث رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني مرتين، الأولى خلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في الخامس من تموز، ودعا الوزراء لاتباع أسرع الطرق وأسهلها وأبعدها عن الروتين عبر الاستماع المباشر للمواطنين، والثانية في زيارته لمقر أمانة بغداد، وحديثه الصريح عن بيع إجازات البناء وحتى كابسات وسيارات النظافة، وحين يتحدث رئيس الوزراء عن هذا الفساد ويرى الناس استمرار الرشوة كسبيل لإنجاز المعاملات، يفقدون الثقة بالجميع بالفعل إذا لم يتغيّر الحال، والسؤال الذي بات يطرح بقوة، هو ماذا بعد هذه المكاشفة المؤلمة وما الحل؟ وهل يمكن أن يصل المواطن يوماً ما إلى الشباك ليدفع حق الدولة مرة واحدة وليس مرتين، وبوصولات رسمية فقط، ويدفع الضريبة مرة واحدة لخزينة الدولة، وليس لخزينة الموظف الشخصية والذين معه؟!

وللإنصاف، فالدوائر ليست سواسية وكثير من الموظفين لا يمدون أيديهم، لكن منهم من لا يتورّع عن الطلب المباشر بلا حياء، غير أن الشر يعم، والموظف النزيه يكاد أن يصبح منبوذاً في الدوائر الفاسدة، لأنه (لا يفيد ولا يستفيد) ولا يشاركهم في الغنيمة، كما توجد فوارق بين المسؤولين في مؤسسات الدولة من خلال الحضور الميداني ووقت الإنجاز وطول أو قصر الطوابير أمام دوائرهم، والمسؤول الجيد تعمل دائرته بانسيابية ما يجعل أبواب الفساد ضيقة أو موصدة، وفي دوائرنا أيضاً الوجه الآخر من المسؤولين الذين لا يرون ولا يسمعون، ويغرقون في المجاملات واستقبال الضيوف، أو ذلك المسؤول الغارق في البريد إلى أذنيه ويعتقد خطأً أن البريد هو الغاية والنهاية، وطالما حجب البريد الحقيقة عن المسؤول الذي لا يرى أبعد من حدود الورق والمكتب ولا يقارن ما بين المكتوب على الورق والمنجز على الأرض، ومثل هذا الوضع  بحاجة إلى ثورة إدارية تقلب الطاولة على الروتين المعشش بمؤسسات الدولة العراقية، التي تقدّسه وتقاوم أي كلام عن اختصار الحلقات الزائدة والحكومة الالكترونية، فئة فوق القانون مستفيدة ومعاندة لا تسمع ولا تريد أن تسمع.