الراية السوداء ترفع على قبة أبي الأحرار
سعاد البياتي
في كل عام وبمثل هذا اليوم، يجتمع آلاف المعزين لأهل البيت عليهم السلام في الصحن الحسيني الشريف، لحضور شعيرة استبدال راية الإمام الحسين وأخيه العباس (عليهما السلام) من اللون الأحمر إلى الأسود، إيذاناً واعترافاً ببدء شهر الأحزان محرم الحرام الذي حدث في العاشر منه استشهاد أبي عبد الله وأهل بيته وصحبه في أكبر معركة سميت بواقعة الطف الخالدة في كربلاء.
ومع أجواء يسودها الحزن سيتم إنزال الراية الحمراء التي تعلو قبة مرقد الإمام الحسين (ع) في مراسيم غاية في الروحانية والخشوع وبحشود جماهيرية كبيرة، لا سيما أن جميع المراقد المقدسة في العتبة العلوية والعسكرية والكاظمية والكوفة والمزارات الشريفة ستشهد ذلك أيضاً.
(الصباح)، التقت بنائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة الحاج الدكتور علاء ضياء الدين للحديث عن يوم تبديل الراية وتقاليد الناس في هذا الشهر وعقائدهم قائلاً: “اعتادت العتبة الحسينية المقدسة في ليلة الأول من محرم على إجراء رمزي في تبديل الراية المرفوعة على قبة سيد الشهداء من الأحمر إلى الأسود في إشارة إلى الحزن على استشهاد أبي الأحرار وأهل بيته وصحبه في العاشر من محرم، وسيتم رفع المصاحف الشريفة تنديدا بحرق القرآن.
وتشير الراية الحمراء إلى أن صاحب هذا المكان قتل ولم يؤخذ بثأره حسب العرف العربي السائد، بينما تشير الراية السوداء إلى الحزن والعزاء، وفي كل عام يتم إنزال الراية الحمراء واستبدالها بأخرى سوداء وتبقى حتى الأول من شهر ربيع الأول، إذ يتم ارجاع الراية الحمراء، وتهدى في كل عام إلى أصحاب الحوائج أو الشخصيات الزائرة من بلدان العالم، وإلى المتميزين والفائزين بالمسابقات الدينية.
ويضيف “يذكر المؤرخون أن أول من رفع راية حمراء عند مرقد الحسين (ع) كان شيخ قبيلة بني أسد وبعدها بني المختار الثقفي، وهي موجودة منذ ذلك الزمان ويتم تجديدها كل عام، وعند البعض الآخر تكون الراية بمثابة قاموس يذكر الأحرار في العالم بثأر الحسين الذي لا ينحصر بمن سل السيف على ابن بنت رسول الله في معركة كربلاء، بل ثأره من كل ظالم على وجه الأرض، كون الحسين(ع) هو صرخة الحق في وجه الظالمين في كل زمان ومكان، وكان العرب قديماً عندما يقتل شخص ولا يؤخذ بثأره يضعون على قبره علماً أحمر ولا يرفع العلم إلا بعد أخذ الثأر وإلى الآن يسود هذا التقليد”.
رمز نضالي
وعن تفاصيل تبديل الراية العظيمة في هذا اليوم ولماذا الراية السوداء بدلاً عن الحمراء يشيرعباس الخفاجي مسؤول الإعلام في العتبة الحسينية المقدسة إلى أنه «يحتشد آلاف المعزين لآل بيت النبي المصطفى صلى الله عليه وآله في الصحن الحسيني الشريف أثناء مراسيم استبدال راية القبة الشريفة وبحضور شخصيات دينية وأكاديمية، كما وسيمتلئ المقام الشريف بالملايين من المحافظات كافة التي تخرج صوب كربلاء اهتداء واقتداء بأبي عبد الله لأن سيرة ثورته العظيمة وتضحيته تركت بصمات تتضح يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل، وسيتم في هذا اليوم انزال الراية الحمراء بطقوس حزينة وقصائد عزاء رثاء لسيد الشهداء، الذي يعد بمثابة الرمز النضالي لكل أحرار
العالم».
ويوضح الخفاجي أن الحشود المعزية ستتجه أيضاً صوب العتبة العباسية المقدسة، نحو مرقد حامل لواء الإمام الحسين (عليه السلام) لبدء مراسيم تبديل راية القبة الشريفة لمرقده الطاهر، بحضور المتولي الشرعي سماحة السيد أحمد الصافي، وعدد من منتسبيها، فضلاً عن الأكاديميين والشخصيات الدينية والإعلامية، وهي مراسيم غاية في القدسية والروحانية لاستذكار قضية الطف وما رافقها من تضحية وبسالة بينت للعالم أجمع حجم القضية الحسينية وامتدادها لتعد رسالة عظيمة للحفاظ على الدين الإسلامي، وحدثاً تاريخياً كبيراً لا يمكن تجاهله، لذا اتخذت العتبة الشريفة هذا الإجراء، إيذاناً ببدء شهر الحزن والعزاء، ومنه ينطلق تبديل رايات المراقد المقدسة إلى اللون الأسود إكراماً واحتساباً لعظمة التضحية لسيد
الشهداء.
شعيرة مقدسة
وهذا الإرث الخالد آخذ بالتطور والتوسع حسب الخفاجي، فعملت العتبة الحسينية المقدسة على إقامة مراسيم خاصة لاستبدال الراية المباركة أول مرة في العام 2004 بحضور المحبين لآل البيت وكبار الشخصيات في مدينة كربلاء والمدن العراقية، وبدأت العتبة المقدسة بوضع برنامج خاص للمراسيم من خلال الصعود إلى المنبر الحسيني وقراءة بعض القصائد و(الردات) الحسينية بحضور منتسبي العتبة المقدسة والشخصيات الدينية وتطور موضوع استبدال الراية إلى شعيرة مهمة ومقدسة، وسيكون لإذاعة الروضة المقدسة دور مهم في بث مراسيم التبديل مباشرة، وتتم دعوة القنوات الفضائية لتغطية الشعيرة وبعض القنوات ستبث مباشرة عبر الهواء إلى العالم ليرى هذه المراسيم العاشورائية من داخل الصحن الحسيني
الشريف.
مباركة بفخر
وحدة التطريز التابعة للعتبة الحسينية المقدسة استكملت بفخر خياطة وتطريز الراية التي سترفرف في أعالي قبة ضريح سيد الشهداء عليه السلام، إذ تم تسليمها إلى إدارة العتبة المقدسة فقد استعدت مبكراً لهذا العمل، ومن المعروف مسبقاً أن الراية تصنع من أفخر أنواع القماش وتطرز وسطها كلمة (ياحسين) باللون الأحمر وبالخط الكوفي وبقياس ثابت (3×4م)، إذ بدأ العمل بها منذ شهر، وتهدى الرايات على مدار الأعوام المستبدلة فيها إلى الأضرحة والمساجد والمستشفيات ولجميع أنحاء العالم الاسلامي، وإلى الوفود والمقاتلين الشجعان للتبرك بها، إيماناً منها بدورها في رفع الروح المعنوية ولأنها تحمل قيمة عليا حينما تشرفت بعام كامل، وهي ترفع على قبة أبي عبد الله وهو فخر وشرف، وتؤجج مشاعر كل من لمس خيوطها ورسم حروف اسم أبي عبد الله الشريف على الراية المخصصة ليوم محرم، لذا يحرص القائمون عليها على الدقة في
العمل.
يذكر أن الراية التي يتم استبدالها توضع في قسم الهدايا والنذور لغرض التبرك بها من قبل الزائرين الوافدين إلى سيد الشهداء (عليه السلام) لغرض شفاء المرضى ويتم إهداء الرايات إلى الهيئات والحسينيات والجوامع في دول الخارج لا سيما الدول الأوروبية لنشر الثقافة الحسينية إلى أقصى نقطة في دول
العالم.
رمز بداية الحزن
كرار الغرابي (33 عاماً) هو الآخر قد أشار إلى أنه ينتظر هذه الشعيرة في كل عام، ولأنه الشهر الذي يكون فيه محبو آل البيت سعداء بحزن، كما وصفه الغرابي ليكمل حديثه لـ (الصباح) ويقول: إن هذا الاستبدال إشارة لنا بأن اطلقوا حزنكم على إمامكم فأيامه قد بدأت الآن، وها هو لون الراية الأسود يجعل أيامنا كذلك في حزننا على إمامنا الحسين (عليه السلام)، ومصيبته العظيمة، إنها رسالة منه وإشارة، فترى الهواء يتغلغل في طياتها ليكمل ظهورها على كل حدقة تتجه صوب الإمام الشهيد وقببه الذهبية، فمن منا لا يعرف ماذا تعني هذه الراية، وتوثيقاً منا له على التحضير في كل عام لهذه المصيبة، أي إننا ننتظر أيامك بفارغ الصبر، وسنخوض في وادي الحزن في مصيبتك ونحن محدقون بتلك الراية لنمضي معاً نحو عالم الحزن لعلنا لا نبدل الراية في إحدى السنين بظهور القائم ليأخذ بثأر
الله».