يوم الحسين

الصفحة الاخيرة 2023/07/22
...

جواد علي كسار

العناية بمعاني يوم الحسين، والعناية بمظاهره وتجليات أمره، هي من العناية بدين الله في الصميم. عجيب مدهش أمر الإمام سيّد الشهداء ومئات الأحاديث تؤكد معاني زيارته وإحياء أمره، بالشعر والرثاء والمآتم وبقية أشكال الإحياء الحسيني، وهذا ما حصل فعلاً على مرّ القرون.
فمنذ لحظة 10 محرم 61هـ حين سقط بُعيد ظهيرتها ذبيح الله المظلوم صريعاً على ثرى كربلاء؛ والحسين هو القضية الأخص المركوزة في أعماق القلوب البشرية، التي تريد أن تصعد صادقة في الطريق إلى الله؛ وهو المظهر الجاذب من مظاهر الإيمان، ومجلى من مجالي التوحيد الحقّ.
لم تكن صلة العراق بالإمام سيّد الشهداء وأهل بيته وأنصاره، تقتصر على الجغرافيا وحدودها، بل سبق لهذا البلد أن تحوّل إلى محضن لعليّ وآل عليّ وخاصّةِ بني هاشم من عترة النبي صلى الله عليه وآله، يوم تحوّلت الكوفة بقدوم الإمام أمير المؤمنين، إلى مركز الخلافة؛ ويوم حمل أهلها أعباء الرسالة المحمدية في منهاجها العلوي، واكتسبت الكوفة بحقّ لقب: «سنام الإسلام».
لقد اندمج تأريخ المجتمع الأهلي في هذا البلد في غالب تأريخه وأدواره الفاعلة، بعلاقة عقدية إيمانية وعاطفية بالبيت الهاشمي، وكان الحسين ولم يزل هو الآصرة بعد أبيه، والحلقة الأكثر حيوية، والطاقة التي أدامت هذه الصلة، وجعلتها متوهّجة رغم الضريبة العالية والثمن النفيس، وقساوة المواجهة وتوحّش الحكّام ضدّ هذا الخطّ وأنصاره، ودونكم التأريخ فاقرؤوه!
نعرف جميعاً بحكم النص والدليل بل والبداهة وطبيعة شخصيته وقضيته؛ أن الحسين لا يُحدّ بجغرافية اجتماعية وعقدية فضلاً عن أن تكون طبيعية، لكن ما يدعونا أن نلبث عند هذا المعنى، هي المسؤولية التي راحت تقع اليوم على هذا البلد في الإحياء الحسيني، بعد أن تجاوزت الحدود المراسمية والشعائرية لهذا الإحياء، المجتمع العراقي إلى غيره.
الكثافة الشعائرية والإنسانية المرتفعة كمياً من العراق وخارجه وهي متجهة إلى كربلاء، تملي مسؤولية مركّبة دينية واجتماعية واقتصادية، وسياسية وأمنية، وثقافية وإعلامية، للشروع بتعامل جديد مع الظاهرة، لكي تُعطي أُكلها وتغدق بثمارها على أوسع نطاق، وبما يتناسب مع نهضة الحسين وأهدافها ومنظومتها القيمية، ويحوّل الإحياء من دائرة الكمّ وحده، إلى النوعية والكيف.
هي دون ريب مسؤولية مشتركة على كلّ من له صلة عقدية وانتمائية وعاطفية بالظاهرة الحسينية، لكنها تتركّز أكثر بأهل هذا البلد ومرجعياته الدينية والاجتماعية والفكرية والسياسية، بحكم خصوصية العراق وصلته التأريخية والحاضرة بالإمام سيّدالشهداء.