البهرة في بنغلاديش يناضلون من أجل المساواة والوظائف

بانوراما 2023/07/22
...

  تسليمة بيجوم
  ترجمة: بهاء سلمان

مع أول يوم له في المدرسة الثانوية، أتّهِم خالد حسين بأنه ابن مجرم حرب. «أحاطت بنا مجموعة من الأطفال البنغاليين وأشاروا إلينا بوضوح بأننا غير مرحب بنا بينهم.. ما زال الحادث يصدمني حتى يومنا هذا، لكننا لم نطلب غير الحصول على فرصة التعليم المدرسي»، كما يقول حسين، الذي كان يبلغ من العمر 12 عاما في ذلك الوقت.
لم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي تعرّض فيها حسين للتمييز في موطنه بنغلاديش، ودارت الأيام والسنون وأصبح الآن محاميا في مجلس الأقليات، وهي منظمة لحقوق الإنسان كان قد أسسها في العام 2013. وهو اليوم عضوا بارزا في مجتمع «البهرة»، وهم غير البنغاليين الناطقين باللغة الأوردية، الذين كانوا قد هاجروا من شمال شرق الهند إلى ما أصبح يحمل لاحقا اسم شرق باكستان، وفي النهاية اسم دولة بنغلاديش، بعد تقسيم الهند في العام 1947، ومع ذلك فقد اعتاد أن يُنظر إلى مجتمع البهرة  بعين الريبة والعداء لبقية شرائح المجتمع البنغالي.

افرازات الحروب
خلال العام 1971، وجد البهريون أنفسهم وسط مأزق دبلوماسي، فهم مرتبطون لغويا بباكستان الغربية الناطقة باللغة الأوردية، جمهورية باكستان الحالية، وكانوا يعيشون في منطقة شرق باكستان الناطق باللغة البنغالية عندما إندلعت حرب وحشية استمرت تسعة أشهر بين دولتي بنغلاديش وباكستان. خلال الحرب، إنحاز العديد من البهريين إلى جانب غرب باكستان (دولة اللغة) بالضد من دولة السكن (بنغلاديش)، ما أدى إلى تداعيات مدمرة على مجتمع البهرة بأسره، بما في ذلك الاستيلاء على منازلهم بعد انتهاء الحرب. وهكذا أجبر عموم البهريين على العيش ضمن مستوطنات مؤقتة بلادهم، حيث بقي معظمهم على هذا الحال حتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة للعودة إلى الوطن، رفضت الحكومة الباكستانية تسهيل عودتهم على نطاق واسع، مما جعل البهريين بلا جنسية يحملونها، أو كما يطلق عليهم فئة «العالقين»، حيث يشار إليهم غالبا بهذا الوصف في عموم بنغلاديش. وعلى امتداد سنوات، لم يتمكن أغلب أفراد المجتمع البهري من الحصول على عمل أو تعليم؛ وفي العام 1994، كان حسين من بين أول الأطفال البهريين الذين تم قبولهم للدراسة ضمن مدرسة حكومية.
يقول حسين: «نحن لسنا باكستانيين عالقين، نحن بنغلاديشيون. لقد ولدنا هنا، ونعيش هنا، ولدينا الحق في العيش بكرامة، تماما مثل أي شخص آخر.» يواصل البهريون العيش على هامش المجتمع البنغلاديشي، ويقطن معظمهم ضمن 116 مخيما وسط وضع مزر تنتشر في جميع أنحاء البلاد؛ أكبرها هو «معسكر جنيف» الواقع ضمن منطقة محمدبور، وسط العاصمة البنغالية دكا، ويعد معسكر جنيف مستوطنة مترامية الأطراف تضم أكثر من أربعين ألف بهري، والظروف المعيشية فيه سيئة للغاية، فالمساكن ضيّقة ومتداعية، وغالبا ما تعيش أُسَر بأكملها، مكوّنة من ستة أفراد أو أكثر، معا ضمن غرفة واحدة.

مواطن درجة؟
استمرت المعاناة على مدى عقود، وتفاقم الفقر في المخيّمات لأن البهريين، المحرومين من الجنسية، لم يكن باستطاعتهم العمل بشكل رسمي. حتى تغيّر هذا الوضع بحلول العام 2008، عندما مُنح البهريون الجنسية البنغالية، لكن التقدّم اللاحق كان بطيئا، والعديد من الأفراد باتوا يدخلون الآن ميادين العمل لأول مرة.
لا يزال التمييز يمثل حاجزا كبيرا أمام البهريين، كما لا تزال الوظائف غير الرسمية، مثل سائق العربة وصاحب كشك الشاي وبائع السوق، هي أشكال التوظيف الأكثر سهولة بالنسبة لهم. ولا توجد أرقام رسمية عن البطالة في مجتمع البهرة، ولكن تم الاستشهاد بالوظائف والدخل من بين احتياجات البهريين الأكثر إلحاحا في دراسة استقصائية حديثة، وجاءت هذه المطالب في المرتبة الثانية بعد طلب الحصول على مياه الشرب الآمنة.
في الجامعة، كانت فاطمة برفين عادة ما تخفي هويتها البهرية، وتكشف عنها لأصدقائها فقط بمجرّد أن تكسب ثقتهم وتطمئن لهم. ويبدو أنها شابة هادئة تبلغ من العمر 20 عاما، تعيش مع أسرتها ضمن مخيّم تاون هول، على بعد ميل واحد جنوب مخيّم جنيف، الذي يضم عشرة آلاف بهري. تقول برفين: «يحكم عليك الناس دائما من خلال الظاهر فقط، لذا في بعض الأحيان يكون من الأسهل عليك إخفاء هويتك أمامهم.»
على الرغم من صغر سنها، احتاجت برفين إلى وظيفة لتعزيز الموارد المالية لأسرتها. «ترتيبي هو البنت الأكبر بين ثلاث بنات، وقد يكون العيش في المخيّم صعبا للغاية.» وتقول برفين إنها فقدت العديد من فرص العمل بسبب عرقها المنبوذ من بقية المجتمع البنغالي، لكن درجاتها العالية جعلتها تحصل مؤخرا على وظيفة مساعدة بدوام جزئي في مكتب سياسي محلي. «أشعر أنني محظوظة للغاية،» كما تقول، لأنها أول فرد في أسرتها يشغل وظيفة رسمية.
تأمل برفين بالتخرّج قريبا والعمل في مهنة تتعلق بمجال التمويل؛ كما ترغب في السفر حول العالم يوما ما، على الرغم من أن هذا الحلم معلّق، لأنها ما زالت تنتظر جواز سفر؛ فعلى الرغم من حصول البهريين على بطاقات هوية وطنية بشكل متزايد، يُحرم الكثير منهم بشكل روتيني من الحصول على جوازات السفر.

الإصرار على النجاح
محمد بارفيز، 41 عاما، طويل القامة ولديه التزام بسلوك أخلاقي جاد بين أقرانه. ومنذ سن مبكرة، كان يعلم أنه يريد أن يكون مسؤولا عن نفسه، وبعد أن عمل في وظائف مختلفة لمدة 16 عاما، حقق قفزة أخيرا بحلول العام 2015، حيث أصبح يدير شركة بناء خاصة به، وهو الآن رب أسرة لديه ثلاثة أطفال. ويستيقظ كل صباح باكرا للصلاة، ويتناول الإفطار ويصطحب ابنته إلى المدرسة قبل التوجه إلى العمل. يقول برفيز، الذي يعمل في المتوسط أكثر من عشر ساعات يوميا: «قد تكون فكرة إدارة عملك الخاص أمرا صعبا، ولكن بصفتي المعيل الرئيس لأسرتي، من المهم بالنسبة لي أن لا تكون إمكانية الكسب المادي لدي محدودة.»
يعد برفيز الأول بين أفراد أسرته الذي يعيش خارج مخيّمات سكن البهريين. وهو يمر في كل يوم بمخيّم جنيف للسكان الذي يضم أبناء جلدته، وتمر بذاكرته مدى صعوبة عمل أسرته من أجله لكي يصلوا به إلى ما هو عليه الآن. يقول برفيز: «أعرف العديد من البهريين، الذين لديهم الحافز والمهارات لأن يعيشوا حياة مهنية ناجحة. غير أنهم للأسف لا يزال الكثير منهم يواجهون التمييز عند محاولتهم دخول سوق العمل. ومن الطبيعي أن يربك هذا ثقة الشاب بمحيطه وبنفسه،» ويشير برفيز إلى إنه كان يتعرّض للانهيار النفسي باستمرار بسبب هويته البهرية؛ ويضيف: «غالبا ما كان الناس يتحدثون من وراء ظهري، لكن ذلك جعلني أعمل بجد أكثر لإثبات جدارتي بنفسي».
برفيز من أشد المؤمنين بريادة الأعمال ويعتقد إنها تحمل حلا رئيسيا لمجتمع البهرة في بنغلاديش. «يمكن لريادة الأعمال أن تلعب دورا حاسما في تحقيق الإمكانات بين المجتمعات المهمشة حيثما كان ذلك ممكنا.. نحن فقط بحاجة إلى خلق الفرص الاقتصادية الخاصة بنا وإيجاد طرق للارتقاء بأنفسنا نحو مزيد من التقدم».

صعوبات العيش
«روني أختر»، أم لطفل واحد، تعيش ضمن إحدى مخيّمات العاصمة البنغالية دكا. بعد أن هاجر زوجها إلى الشرق الأوسط من دون إبلاغها، عادت الشابة البالغة من العمر 30 عاما إلى منزلها لتعيش مع والدتها. تقول أختر، التي تشترك في غرفة صغيرة مع والدتها المسنة وإبنها الصغير: «ليس لأسرتي مساحة كافية للعيش بسبب ضعف وضعها، لذلك شعرت أن وضعي الحالي يزيد من أعبائهم».
تدور مروحة صاخبة فوق رأسها بينما ترن ثلاجة في الزاوية، وكلاهما يتلاشى صوتهما مع صوت حركة المرور على الطريق في الخارج، حيث تقع تلك الغرفة.
بعد عودتها إلى منزل أمها، علمت أختر أن عليها الحصول على وظيفة للمساعدة في تغطية نفقاتها. تقول: «كنا نكافح حقا ولم يكن إبني يحصل على ما يكفي من الطعام». بدأت أختر في البحث عن عمل، لكنها ظلّت تواجه رفضا تلو الآخر، وتضيف مستذكرة بحزن: «ذات مرة، أصبت بالاكتئاب لدرجة أنني لم أكن أعتقد بجدوى العيش في هذا العالم.»
حصلت أختر أخيرا على وظيفة بعد مرور سنة تقريبا، منسقة مساعدة في مؤسسة «الفلاح بنغلاديش»، وهي مؤسسة خيرية محلية تعمل على دمج سكان المخيّمات ضمن المجتمع البنغلاديشي بشكل عام. وتعمل هذه السيّدة المتعبة ضمن برنامج لمساعدة المزيد من الشباب البهري على الالتحاق بالتعليم؛ وتقول: «عملي يختص بمتابعة أوراق طلبات المنح لضمان حصول عموم الطلاب من الأسر ذات الدخل المنخفض على الدعم الذي يحتاجون إليه. إنه عمل رائع ويسعدني أنني أتيحت لي هذه الفرصة لمساعدة مجتمعي الضعيف.»
منذ أن بدأت العمل، اكتشفت أختر إحساسا جديدا بالاستقلالية، إذ تقول: «أريد أن أعتمد على نفسي فقط، وأنا سعيدة حقا لأنني حصلت على هذه الوظيفة التي ساعدت في رفع ثقتي في نفسي. يجب السماح للجميع بالعمل، وخاصة النساء. نحن جميعا نسّتحق الفرصة لتحقيق إمكاناتنا التي وهبنا الله إياها، والمساهمة في بناء أفضل للمجتمع».

صحيفة الغارديان البريطانية