جدليَّة التصوف في شعر الحداثة

منصة 2023/07/23
...

  هويدا محمد مصطفى

يعد التصوف أحد الأنماط الشعرية التي أقبل عليها الزهاد والمتورعون. فأخذوا ينظمون القصائد الصوفية ويتفننون في التغزل بالذات الإلهية، وسكب المفردات للتعبير عن مكتوناتهم، فكان الإيقاع أحد الميزات الصوتية، التي تفرد بها وقد نجد أدباء كثيرين، وجدوا أن شعر التصوف له دور المخلص من الواقع وآلامه.

يقول الكاتب والناقد أحمد علي هلال: ثمة جدلية قد تفرض ذاتها في استقصاء العلاقة بين التصوف ببنيته الفكرية، وبين أجناس الإبداع المختلفة ومنها القصيدة، ففهم الحداثة هنا، وكما فهمها المتقدمون وفي السياقات المنتجة للمعنى الصوفي رمزا ودلالة سيستقيم بفحص مرجعيات ونزوعات القصيدة الحداثية، وهي التي تقوم في مضمونها على ضرورتين فنيتين، هما الاستبطان والتخطي، وعليه فإن فهم العلاقة وبحدلية أكثر اتساعا وتعالقا وظيفيا، سيستقيم أكثر من خلال الاقتراب من تجليات الحداثة في الشعر الحديث، وبالمعنى الذي يفسر خطابا وجوديا قائما على العلاقة التأملية والمعنى المضمر في نسيج التصوف، فاستدعاء الرموز الصوفية في قصيدة، هو توليد جديد واستيعاء مختلف لحركية هذه الرموز وديناميتها في إنتاج معنى المعنى، ومن النقاد العرب يوسف اليوسف ود.جابر عصفور، هؤلاء الناقدان الراحلان قد شغلا بعلاقة التصوف أكثر بالنقد الأدبي، دون تجاوز انشغالات قصيدة الحداثة بخصوصية الرمز الصوفي، إن قراءتنا لمضمرات القصيدة الحداثية ستمكن من الولوج إلى ماتنطوي عليه هذه المضمرات، بوصفها ذات أفق حواري خالص، يستعيد الرمز من الأنساق ليعيد إنتاجه من جديد، بوعي العلاقة ما بين الصوفية والحداثة ونجد هذه الدلالة المكتنزه بإرث ابن عربي وسواه، كما سعى النقاد إلى قراءة صلاح عبد الصبور في هذا السياق، الذي يعني معاينة تلك الحضورات النصية وما فوق نصية، وبإحراز العلاقة النصية وبمقتضيات بلاغتها في الشعر الحداثي ما يقدمه الدرس النقدي العربي اليوم في مقاربة للحداثة والتصوف، هو أبعد من معاينة الأنساق الثقافية القارة في الوعي والذاكرة والتراث والتاريخ .

**الأديب منذر عيسى رئيس فرع اتحاد الكتاب بطرطوس يقول: اصطلح على تعريف الصوفية على أنها بذل الجهد في حمل النفس على خلاف هواها ومرادها المذموم، وإلزامها تطبيق شرع الله أمرا ونهيا والفلسفة الصوفية لها عدة مدارس لا ترتبط بمذهب ديني محدد، فقد تجاوزت الحدود بين المذاهب، وبقيت فروق واختلافات بين الفرق الصوفية، تقوم على المسلك الذي يعتمده شيخ الطريقة للوصول إلى أهداف صوفية، وهي المعرفة وتحديدا معرفة الحق وذوبان نفس الصوفي مع الله، وقد أجمع الباحثون على أن الفكر الصوفي قد نشأ في المنطقة الجغرافية، التي اصطلح على تسميتها الشرق الأوسط، وذلك في القرن الثامن وانتشر بكل أنحاء العالم. ومن الطبيعي أن يرافق ظهور هذا الفكر أدب يعبر عنه ويترجمه ويقدمه للمريدين، وللمهتمين بشؤون الفكر والأدب والمعرفة، وأكد الدارسون أن شعراء الصوفية يميلون إلى التلويح والتلميح والإيحاء، والإيجاز وكل أفكارهم روحية وهذا ما تحتويه الإشارة، والتي هي عندهم أبلغ من العبارة، وهذا ما يؤكد أن هناك تأثرا بأدب الصوفية، ويعتبر الفيلسوف(هيغل) أول شخص اهتم بمفهوم الحداثة، وربطها مع التطورات الفكرية، التي ظهرت في أوروبا، التي اتسمت بظهور تيارات أدبية وفنية لم تكن معروفة سابقا، وقد ظهرت مدارس عديدة ومذاهب منها الدادانية - السرياليةالرمزية ومن الطبيعي أن يتأثر الشعر العربي المعاصر بالحداثة المرتبطة بكل ماهو جديد، وأدى التجديد في الشعر إلى إعادة توهجه وحيويته وانبعاث الروح الكلاسيكية الأصلية في الشعر، وانتهاء السطحية والتكلفة واستبدال الموضوعات التقليدية ودخول تيار الرومانسية، وإيجاد طرق جديدة في التعبير، وقد رأى أدونيس أن التصوف مرتبط، بما هو خفي ونذكر شعراء ذات صلة بالتصوف/ أدونيس عبد الوهاب البياتي صلاح عبد الصبور- محمد عفيفي مطر/ التصوف الأن يكاد يكون نوعا من استعارة الزمن، ويرى الشاعر (عباس بيضون) أن ثمة صلة بين الشعر والصوفية من حيث المفهوم والوجهة والخيال، يمكنني القول وبجرأة إن الفكر الصوفي يحتل حيزا مهما في الشعر الحديث  والمعاصر.

الأديب فائز الحداد يقول: للشعر علاقة حميمية وطيدة وقوية مع الفكر الصوفي عبر نظرية الاقتراض، حيث تأسيس الفكرة بموضوعها الواسع وفي التخييل عند رسم ملامح الصورة الشعرية، وكذلك في التحليل والتأويل، فالنص الحديث نص يعبر عن موقف كوني واسع تجاوز الفرضية والشروط القديمة، فهو دينانيكي منفتح يأخذ من الفلسفات بموضوعه العميق، كون النص الحديث يقوم على الشك وتبقى جدلية الشعر قائمة ومستمرة، فالشك والتخييل الافتراضي والإيمان التجريدي المطلق، هو أهم ما تلخص العلاقة بين الشعر والتصوف . الكاتب والناقد رضوان هلال فلاحة يقول: لعل الطاقة الدلالية الإشارية على مستوى الصورة والرمز الكائن التصوف، هو المرتكز الأكثر تجاذبا للنزعة الحداثوية، والتي أجدها تضيق إذا ماقرئت بضوء الدرس النقدي، بوقوفه عند تجربة درسية شعرية بعينها تؤطر مسارات رؤيتها للمفهوم المعرفي المنتج للشعرية، وتحد من أفق تجلياتها كجوهر إبداعي شعوري فطري بالمعنى المباشر للموهبة، والقابلة بالضرورة للتنامي الإدراكي الشعوري، كما أرى وذلك كونها تجربة فردية لها خصوصيتها المعرفية البيئية المتباينة، والمرتبطة بالمكون الأنوي السايكو انفعالي، أكثر من كونها تيارا فكريا يحدث تقاطعاته لجهة التأثير والتأثر الطبيعين لعلاقة الأدب والفن بالفلسفات والمعارف الإنسانية وتعد أهم مرتكزاتها إدراكيا للمنجز نصيا، وأحد أهم مرتكزاتها اللاحقة للمنجز إبداعيا والذي يشكل هويتها إذا ماتبلورت نصيا.

الاديب الدكتور رعد البصرة يقول: ما زال الشعر الحديث يحاكي فكرة التصوف في بعض الأحيان، وذلك عن طريق استخدام بعض الرموز والمغاهيم المرتبطة بالتصوف في الشعر ومن أمثلة ذلك قصيدة (مطر/ الشاعر نزار قباني، حيث يستخدم الشاعر ألفاظا ترمز إلى تجربة الوحدة والانصهار مع الكون، وهي تجارب ترتبط بالتصوف كما بعض الشعراء الحديثين قد أعتنقوا فلسفة التصوف ونسجوا بعض المفاهيم الصوفية في شعرهم مثل الشاعر اللبناني خليل جبران خليل، الذي اشتهر بكتاباته الصوفية والتي تتضمن أفكارا عن الوحدة والحب والنور، وايضا الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي والشاعر الفلسطيني محمد درويش، ومن أمثلة ذلك قصيدة/ أيها الراحلون/ للشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، حيث يتحدث الشاعر عن التجربة الروحية والوصول إلى الله، وهي تجارب ترتبط بالتصوف ومن المهم الإشارة إلى أن استخدام المفاهيم التصوفية، في السعر الحديث قد يكون مجرد استعارة أو استخداما لبعض الرموز والأفكار المرتبطة بالتصوف دون الإلتزام بفلسفة التصوف بكل تفاصيلها المعروفة، وايضا الشاعر العراقي الراحل عادل الغرابي، الذي امتلأت قصائده بفكرة التصوف، وقد استمر التأثير التصوفي على الشعر العربي، وكان لهذا الأثر دور كبير في تطور الشعر الحديث وتنوعه وقد شجع التصوف الشعراء على التعبير عن المشاعر الروحية والتجارب الشخصية، وهذا الأسلوب الشعري أصبح جزءا لا يتجزأ من الشعر الحديث، الذي يعبر عن الحرية والعدالة الاجتماعية.