الحسين «ع» في سورة الفجر

ريبورتاج 2023/07/23
...

 إعداد : وسام الفرطوسي


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)

يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾

يقول الإمام الصادق (ع): (اقرؤوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم؛ فإنَّها سورة الحسين، وارغبوا فيها رحمكم الله.. فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس: كيف صارت هذه السورة للحسين (عليه السلام) خاصة؟.. فقال: ألا تسمعْ إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾؛ إنما يعني الحسين بن علي (صلوات الله عليهما)، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية، وأصحابه من آل محمد (صلوات الله عليهم) هم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راضٍ عنهم.. وهذه السورة في الحسين بن علي (عليه السلام)؛ فمن أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين (عليه السلام) في درجته في الجنة، إنّ الله عزيزٌ حكيم).. فإذن، إن سورة الفجر لها علاقة بصاحب أيام محرم؛ الإمام الحسين (عليه السلام).

إنَّ القرآن الكريم كتاب معجز ومذهل، ففي تفسير هذه الآية المتعلقة بنبي الله سليمان (عليه السلام) ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾.

عدّ صاحب تفسير الميزان وجوه التفسير، وإذا بهذه المحتملات تزيد عن مليون احتمال.. يقول: «فهذه نبذة من الاختلاف في تفسير كلمات ما يشتمل على القصة من الآية وجمله، وهناك اختلافات آخر في الخارج من القصة في ذيل الآية وفي القصة ذاتها، وهل هي قصة واقعة أو بيان على سبيل التمثيل؟.. أو غير ذلك؟.. وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من ألف ألف ومئتين وستين ألف احتمال».. كذلك في هذه السورة، هناك كلام كثير حول هذه المفردات.

إنَّ هذه الآيات تعطينا السنَّة الإلهية في الأمم وفي الشعوب، وهي مطمئنة للإنسان المؤمن، كي لا يصاب باليأس عندما يرى مدّ الطغيان، فالذين قتلوا الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء، لم يتوقعوا ثورة التوابين، ولا ثورة المختار.. فقد جاء في كتب التاريخ: «أن المختار كان يعاقب كل إنسان حسب جريمته»؛ هؤلاء رأوا جزاء عملهم في الدنيا قبل الآخرة.

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾.. إنَّ رب العالمين وجه الخطاب مباشرة إلى النفس المطمئنة، لا عبر نبيه. ولكن هذه النفس من أين تأتي؟. يقول تعالى في سورة «الرعد»: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، أي أن الإنسان كلما رفع منسوب الذكر؛ كلما تقدم نحو النفس المطمئنة.. فالنفس المطمئنة بالدرجة الكاملة؛ هي النفس المشتغلة بذكر الله عز وجل في كل آن، وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ما غفلوا عن الله طرفة عين، وهذا الأمر ممكن؛ لأن مقام الأئمة أعلى من مقام الملائكة الذين ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾؛ فالملائكة لا تعجز عن التسبيح، لأن قوتها التسبيح، والمَلك إذا لم يُسبّح يموت؛ فكيف بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وعلى رأسهم النبي المصطفى محمد (ص)؟.

فإذن، من يريد أن يصل إلى النفس المطمئنة؛ فإنَّ الطريق إلى ذلك هو الذكر الكثير، كلما كثر الذكر؛ كلما اقترب من مقام النفس المطمئنة، الأقرب فالأقرب. ومن مصاديق النفس المطمئنة نفس الحسين (عليه السلام) الذي ما ترك ذكر الله عز وجل وهو يجود في مقتله، فكما ناجى ربه بالمناجاة المعروفة في أرض عرفة، كذلك ناجى ربه عند الزوال من يوم عاشوراء في مقتله قائلاً: (إلهي. رضا بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبود سواك، يا غياث المستغيثين)، ولعل الإمام ناجى بما لم يصل إلينا، فقد قبض الله عز وجل روحه وهو يلهج بذكر ربه.. فإذن، ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾.. إنَّ الطريق إلى النفس المطمئنة؛ هو الذكر الكثير، والرضا بقضاء الله عز وجل: فمن يُريد الاطمئنان مع الله عز وجل؛ عليه أنْ يذكره ذكراً كثيراً.. وفي ساحة الحياة؛ عليه أنْ يكون راضياً،فإن كان راضياً؛ يصير مرضياً، لأنَّ الرضا الإلهي يأتي من بعد رضا الإنسان عن الله عز وجل: كن راضياً؛ تكن مرضياً؛ أي أن العلاقة علاقة متبادلة، وهذه النفس المطمئنة لها جائزتان، هما:

﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾، إنَّ عباد الله تعالى في عالم البرزخ، ولكن ما المانع أنْ نقول: إنَّ المؤمن صاحب النفس المطمئنة، وهو في الدنيا يعيش مع جماعة المؤمنين، وروحه مع روح الأنبياء، وهو في الخلوة يعيش وكأنه مع الصالحين، وروحه مع النبي وآله (ص)، نعم، من الممكن أنْ يصل العبد وهو في الدنيا إلى درجة، أنْ يعيش المعية مع أرواح الأنبياء والمرسلين، وتكون روحه قريبة منهم.. ولهذا بعض المؤمنين ممن لا تسمح لهم ظروفهم بالذهاب إلى المشاهد، فإنَّ الواحد منهم يكتفي بإغماض عينيه -وهو في المنزل، أو في الصحراء، أو على الجبل، أينما كان- ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، وإذا به ينتقل بروحه إلى أرض كربلاء، وكأنه أمام الضريح فتجري دمعته، وإذا أراد أن يذهب للعمرة، يكفي أنْ يغمض عينيه ويقول: لبيك اللهم لبيك، وكأنه يطوف حول البيت؛ هذه المزية لا يصل إليها إلا من استذوق هذا الطريق، لذا على المؤمن أنْ يمشي في هذا الطريق، وفي يوم من الأيام قد يصل إلى مرحلة ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾.. ولهذا ورد في بعض الروايات: (كتبت إلى الهادي (عليه السلام): أنّ الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن يفضي إلى ربه، فكتب: «إن كان لك حاجةٌ فحرّك شفتيك، فإنّ الجواب يأتيك»)، فإذن، إن النفس المطمئنة تدخل في زُمرة عباد الله تعالى، وهذه هي الجائزة الأولى.

ثانياً: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.. لقد ورد ذكر الجنة كثيراً في القرآن الكريم، مثل: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾، ﴿جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾، ﴿َجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾، ﴿جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾، ﴿وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾،.. الخ، ولكن هذه السورة الوحيدة التي يقول فيها رب العالمين: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾.

يقول صاحب تفسير الميزان -رحمه الله- «وفي قوله: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ تعيين لمستقرها، وفي إضافة الجنة إلى ضمير التكلم تشريف خاص، ولا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنة إلى نفسه تعالى وتقدس إلا في هذه الآية».. يبدو أن آسيا بنت مزاحم أدركت هذه الحقيقة لذا قالت: ﴿رَب ابْنِ لي عِندَك بَيْتاً في الْجَنّةِ﴾.. والله العالم أن هناك جنة لعامة الناس؛ وهي جنات النعيم التي فيها الحور والقصور.. وهناك جنة خصوصية للبعض، هذه الجنة لا كجنة الناس؛ إنها 

﴿جنّتي﴾ هذه الجنة فيها حتى ما لا يخطر على بال أهل الجنة، فهناك من يُعبّر عنها بـ»جنّة القرب»، أو «جنة الذات»؛ المعاني هنا دقيقة، كما يقال: وصل القلم إلى هنا وانكسر، وعليه، فإن المؤمن في هذه الدنيا لا يطمع في دخول الجنة؛ لأن هذا أمر مفروغ منه، إنما يطمع في ﴿جَنّتي﴾ -وهذه هي الجائزة الثانية- فهي لا تُعطى إلا لأهل النفوس المطمئنة، قال رسول الله (ص): (اتقوا الله معاشر الشيعة، فإنّ الجنّة لن تفوتكم وإن أبطأتْ بها عنكم قبايح أعمالكم، فتنافسوا في درجاتها).. يا لها من خسارة أن يعيش الإنسان في هذه الدنيا، ولا يحوز على هذه المرتبة، فهذه محلها الدنيا، لا في البرزخ ولا في القيامة؛ لأن هناك كل شيء يكون قد انتهى، لذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).