قيمة تجديد الذكرى الحسينيَّة في النفس

ريبورتاج 2023/07/23
...

 مرتضى صلاح


عاش المسلمون ردحاً من الزمن تحيطهم ظروف التضليل والتغطية على حقيقة مستوى الفساد الذي عاشته الدولة الأمويَّة بسبب معظم حكامها الفاسدين. ولذا ينبغي نفض غبار التزييف عن حقائق الحياة السياسيَّة للمسلمين خلال ذلك العهد. والبداية تكون من فائدة التذكير بحادثة وقعت قبل أكثر من ألف وأربعمئة وخمسين عاماً. ونحتاج هنا إلى دليلٍ من القرآن لإثبات أهمية إحياء ذكرى أليمة مرت عليها كل تلك العهود الغابرة. فالقرآن سرد وقائع تاريخية حدثت قبل الإسلام بمئات أو آلاف السنين، وهدف التذكير القرآني بتلك الحداث هو توضيح جانب الحق  والباطل الذي يقابله، وأهمية السعي في طريق الحق مثلما سار عليه السابقون، لذلك يجب أنْ نتأسى بالقرآن ونذكر بالحوادث الكبيرة في تاريخ الأمة، وأخذ العبرة، واتّباع الحق ونبذ الباطل. ومن هنا جاءت مشروعية التذكير بكربلاء حادثة وموقفاً وفيصلاً بين نقيضي الخير والشر.

وهي فكرة صالحة مضى معها الكثير من الشعوب التي تفتخر بقادتها وتحتفل سنويا بذكراهم، وتعيد للذاكرة مواقفهم وبطولاتهم وتنبه على سوء موقف مناوئيهم، والدول اليوم في شرق الأرض وغربها تفخر بعظمائها وتتحدث عنهم إلى شعوب الدول الأخرى للتعريف بهم وعن شأنهم الراقي في ميادين المبادئ العليا. ومن الطبيعي أنَّ في ذلك رضا الله عز وجل. كما تقف الإنسانية جمعاء مع ذكرى كربلاء وتفتخر بهذا النموذج الفكري الإسلامي الخلاق المؤثر في النفس الإنسانيَّة، المتمثل بالإمام الحسين (ع) وأصحابه.

إنَّ التذكير بعاشوراء كل سنة يمثل فرصة لتشجيع الناس على مواجهة الطغيان المتجدد في كل مكان وزمان، سواء كانت رموز الطغيان حاكماً مستبداً أو أجنبياً غازياً، أو سلطة معنوية قاهرة. ويتحدث التاريخ عن طغاة حاولوا إسكات صوت كل من يمثل صدى الإمام الحسين (ع). حتى وصل الأمر بالخليفة العباسي المتوكل (ت-246 هجرية) بحرث أرض قبر الإمام وفتح الماء على أرض المقبرة لكي ينسى ذكره، كما منع الناس من زيارته. وانتهت قصة المتوكل وبقيت قصة الحسين. ومن هنا كان من الضروري أنْ يجد عشاق الحكمة وتصحيح التاريخ أنْ يعملوا على إعادة العقل ليكون حكماً في كل التناقضات المسكوت عنها، ودعوة لإثارة روح النقد في الإرث العجيب، والذي يعدُّه البعض جميعه مقدساً لا يجب الاقتراب منه وفتحه، ومنه مأساة كربلاء. وهي فكرة حسنة لكل الأجيال، فتجد عندها مادة ثرية بقيم الإسلام الحية المرتبطة بقيم النخوة والرجولة والدفاع عن الدين والشرف والمبدأ حتى لو استشهد، ورفض الذل والدعوة للعيش الكريم، وتثبيت ركيزة مهمة في العيش وهي الصدق وحفظ الأمانة ورفض النفاق والخيانة بكل أنواعها، فمن يريد أنْ يكون حسينياً يجب أنْ تكون كل هذه الصفات فيه. ومن اتخذ طريقاً آخر سيتميز لدى الأجيال بمواقف لم يقفها الإمام (ع) في معركته مع الباطل.

لذلك فإنَّ تكرار صدى الصوت الحسيني ضرورة ملازمة لحركة الأجيال لتحذير كل من ينهج طريق الباطل، حتى وإنْ كان مدّعياً حب الحسين، في حين إنَّ منهجه يصرخ باليزيدية الحقة، فالحب ليس مجرد شعار تلهج به الألسن، وإنما مواقف نستمد قوتها من نهضة الإمام (ع) برفضه الذل والظلم، وقيامه لترسيخ العدل، فيبرز النموذج الحسيني حاضراً مع كل نزاع على قيم العدالة.

وهكذا فإنَّ التذكير المستمر بالصوت الحسيني الهادر لا بُدَّ منه لترسيخ قيم الإسلام الحقيقي في المجتمع، لأجل تربية جيلٍ صالحٍ يوجه بوصلة التربية الأسرية والمجتمعية نحو الصواب، ليكون الإمام الحسين (ع) هو المعلم الذي سار على نهج جده النبي الأعظم (ص) وأبيه علي (ع)، بدلاً من نظريات غربيَّة مستوردة يحميها طغاة مستبدون ومنتفعون، لغرض تثبيت أركان قوتهم. فعندما شاهد الإمام الحسين (ع) مستوى الانحراف تداعى للوقوف بوجهه، منادياً باتباعه الطريق الذي سلكه ولخصه بكلماته: (أسير بسيرة جدي النبي وأبي علي...) فهذه دعوة للتمثل بطريق الحسين، ورفض كل ما رفضه الحسين، فمن السوء أنْ ندعي أنَّنا حسينيون ونخالف نهجه عندما يحين وقت التجربة والاختبار. وأول محطات التجربة والاختبار هي التربية على خطى الإمام الحسين عليه السلام على القيم الأخلاقيَّة الرفيعة.