قبائل {اللواته}

الصفحة الاخيرة 2023/07/23
...

محمد غازي الأخرس
ويقولون: فلان لوتي، يعنون أنه ماكر ومحتال، أو ملعب باللهجة العراقية. ومرادف اللوتي هو "الكلاوجي"، ويبدو أن أصل الكلمة من clawn أي مهرج أو بهلوان، والكلاو هو القبعة التي يرتديها المهرج، وثمة كناية يقولها العراقي للتعبير عن تعرض أحدهم للنصب والاحتيال والخداع وهو "فلان لبسوه كلاو"، أو : لبس الكلاو، وتحتمل كناية ارتداء الكلاو مصدرين، فهي قد تكون آتية من فكرة الخداع بقرينة قبعة البهلوان، أو أنها نشأت من القصة الشهيرة التي بطلها حاكم المغول تيمورلنك حين خدع ملك الهند ذا القبعة المثقلة بالذهب والجواهر والأحجار الكريمة. 

كان تيمورلنك قد طمع بالكلاو فاستشار وزيره الماكر بشأنه فنصحه الأخير بأن يخدع ملك الهند بأن من عادة التتر إذا أرادوا التعبير عن محبتهم لشخص تبادلوا  معه الكلاوات. 

فشربها ملك الهند وبادل تيمورلنك كلاوه، وحينئذ قال أحد وزرائه: لقد لبس الكلاو، ولدى العراقيين مرادف آخر للعبارة ربما مستلهم منها وهو قولهم: فلان عكلوه، أي ألبسوه العقال، إذا تعرض لنصب، ولا سيما في البيع والشراء. بالعودة إلى مفردة "لوتي"، فإن خريطتها الجينية اللغوية زاخرة ومعقدة، فقد قيل إن أصلها من الفعل Looting بالانكليزية ويعني نهب أو سلب، وهناك من زعم أن مرجعها أكدي قديم من (Lutu ) بمعنى التنعيم أو الترطيب، وقد يكون جذر المفردة من الوحش البحري الأسطوري المسمى لوياثان أو لـِڤـَياتان، ويعني حرفياً بالعبرية ملتوياً أو ملتفاً، وقد أشارت إليه التوراة في مزامير داود وسفر أيوب وأشعياء بوصفه وحشاً بحرياً يمثل الفوضى ويبدو وكأنه صورة للشيطان، وكان قد استعار الفيلسوف توماس هوبز "اللوثيان"للدولة. 

على أن هذا قد يكون أصلاً بعيداً نوعاً ما إذا عرفنا أن هناك جذراً عربياً للمفردة لا يقبل الشك، فبحسب المعجميين، لات الرجل لَوْتاً إِذا أخبر بالشَّيء على غير وَجْهه، وهذا ما يفعله "اللوتي" ولات فلان الخَبَزَ: كَتَمَه، أو بَسَّه بالماء، وهذا أصل ما أسمعه من المصريين لإنهاء الثرثرة في سيرة الآخرين: كفايه لت وعجن. 

معلوم هنا أن صفة "لوتي"، تستخدم في الخليج أيضاً، ويعزو البعض المفردة إلى قبيلة عمانية معروفة بـ"اللواتيا" المختلف في أصلها، فهناك من يزعم أنها قبيلة عربية خالصة يرجع نسبها إلى لؤي بن الحارث بن سامة بن لؤي بن غالب بن فهر، وسميت اللوائية ثم صحف الاسم إلى اللوتية، جرياً على عادة اللغة العربية من قلب الهمزة تاء كما في اللائي التي تقلب اللاتي. وهناك من المؤرخين من يقول إن قسماً من اللوائيين هربوا من عمان أثناء حركة القرامطة واستوطنوا السند، أو الهند، وهم بنو سامة بن لؤي. 

ثم عاد أحفادهم إلى عمان قبل ستة قرون ليستوطنوا في منطقة مطرح قريباً من ميناء قابوس بمسقط، واشتهروا بالتجارة خصوصاً العطور، ووصل بعضهم إلى البصرة، فأصبح البصريون يسمون التاجر الشاطر أو الماكر بالـ "لوتي". لكن هل ثمة علاقة بين قبيلة "اللواتيا" العمانية وقبيلة الـ "لواته" البربرية، وقد سكنت ليبيا أثناء الفتح الاسلامي، وبرز منهم أول قائد إسلامي هو هلال بن ثروان اللواتي ضمن حملة حسان بن نعمان سنة 693م (74هـ). ولا ندري بعد أن كان أحفادهم هم من يتقاتلون اليوم فيما بينهم في ليبيا، كما يفعل "اللواته" في البلدان "السعيدة".