مسلسل {رحيق} في لعبتِهِ الدرامية ثـلاثُ نساءٍ وَرَجــُلٌ واحــد

منصة 2023/07/25
...

  رضا المحمداوي

يضعنا مسلسل (رحيق) لمؤلفه: أحمد هاتف ومخرجه: علي أبو سيف مباشرة في عالمه العاطفي، من خلال تايتل البداية والنهاية بطبيعته الغنائية الراقصة بين أثنين من الراقصين (رجل وامرأة) والذي صممته المخرجة اللبنانية (رندلى قديح) ليكوِّن ذلك التايتل الراقص دلالته التعبيرية الواضحة في تحديد دائرة العلاقة الدرامية بين الرجل والمرأة في المسلسل، ورسم إطارها الخاص داخل المنظومة الاجتماعية، التي شهدت غياباً تاماً لهويتها وعناصرها ومكوناتها.

وليس هنالك ما هو أكثر دلالة على تلك الثنائية وقصة الحب المطروحة فيها من حوار إحدى الشخصيات الرئيسة في المسلسل، والذي وضعتُهُ في مستهل مقالتي هذه. ولا يكتفي المسلسل بعلاقة الحب فقط، وإنما ينفذ من خلالها إلى قضية الزواج ومن ثم الطلاق وكيف يمكن للحب أن يبقى مُعلّقاً في تلك العلاقة المُعقّدة بين الحبيبين وهما يواجهان الإنفصال. 

وقد بدا المسلسل وكأنّهُ مشاريع لقصص حُبٍّ وعلاقات عاطفية تحوم حولها الشخصيات، وتقف على حافاتها العاطفية الحرجة لكنها تتهيب وتخشى الدخول إلى تلك العلاقة والانغمار بها. إنها دراما عاطفية تتبنى موضوعة الحُبّ، وكيفية نمو بذرته داخل النفس البشرية بكل إندفاعها وغموضها وحاجتها إلى الآخر، حيث تندفع لترتمي في أحضانه.  ولقد شاء المؤلف أن يكون (رحيق) مسلسلاً رومانسياً، حيث المشاعر والمخاوف والانفعالات والأفكار والعاطفة المشبوبة لتكتوي الشخصيات بنار توقها، وبسبب ذلك حضرتْ المزاجية العالية للشخصيات الرئيسة، وشهدنا تقلب الأفكار والمواقف مع شيوع التأملات الرومانسية والحوارات الداخلية (المونولوج) والشرود الذهني.


مثلّث نسائي 

وبملاحظة مهمة عامة يمكن الإشارة إلى أنَّ المؤلف أحمد هاتف لا يدفع بشخصياته للتصادم والصراع الحاسمـ لكي يكون بناؤه الدرامي أكثر احتداماً وقوةً، بل يبقيها على هامش الحدث متوجسةً، وحذرةً في الخوض بتفاصيله ومحركاته وبواعثه. فمسألة الطلاق بين باسل (سعد محسن) و(رشا) (نجلاء فهمي) لمْ نتعرفْ على أسبابها على نحو واضح ودقيق لتكون مقنعةً ومبررة للمتلقي، ولمْ نجدْ مشكلة حقيقية مُحدّدة حَدَثَ بسببها الطلاق رغم الإشارة إلى معاناة (رشا) جرّاء المزاجية العالية لـ(باسل)، الذي وَجَدَ نفسَهُ بعد ثلاث سنوات من الزواج منها يعاني من القلق والحيرة بين حريتِهِ الشخصية وقيود الزواج، وقد انتهى الأمر به إلى طريق مسدود مثلما سبق له أن خاض تجربة فاشلة سابقة في الزواج والطلاق. وعلينا هنا أن نبحث عن الخيط الواهن، الذي يفصل بين الحب والكراهية، فقد انفصل الزوجان عن بعضهما، رغم أن أحدهما يُحبُّ الآخر مثلما تعترف (رشا) بذلك وتفصح بأنها تعيش في فراغ عاطفي كبير، في حين أنَّ (باسل) يعاني من ازدواجية واضحة في عواطفه وتصرفاته وسلوكه العام، فما أنْ يختلف مع (رحيق) (آلاء حسين) وهديل (مها النمر)، حتى يرجع ويقضي ليلته في بيت طليقته (رشا)، متجاوزاً  بذلك الكثير  من المحاذير والتحفظات الاجتماعية المعروفة في هذا الجانب! وفي مثل هذا الوضع العاطفي والاجتماعي الشائك والمُلتَبس يتساءل الاثنان إن كان ما فعلاه خطأً أم صواب؟ وفي الطرف الثاني من علاقة الحب بين (باسل) والفنانة المُطلّقة (رحيق)، بدتْ لنا العلاقة وكأنها انتهتْ قبل أنْ تبدأ، فلماذا لا يخوض الاثنان علاقة الحُبّ لنتبيَّن مدى التباين والاختلاف في مستوى التفاهم والانسجام ونكتشف مشاعرهما على حقيقتها بدون مواربة أو غموض. 

وكتنويع عاطفي جديد تدخل (هديل) بعد (رحيق) و(رشا) في اللعبة الدرامية العاطفية، لتتكامل أضلع المُثلّث النسائي ويقف(باسل) وسط ذلك المُثلّث، وسوف يزيد دخول (هديل) تلك اللعبة الدرامية ارتباكاً، لا سيِّما أنها شخصية هوائية وعائمة وغير مستقرة وبدون أية جذور أو ارتباطات اجتماعية، وبظهورها أصبح المسلسل بمثلّثِهِ العاطفي عبارة عن ثلاث نساء ورجل واحد.


الأماكن.. والإيقاع

وحتى منتصف المسلسل المُتكوّن من (17) حلقة طغت الرتابة على ايقاعه، فلا حدث كبيرا يحدث ولا فعلا دراميا حاسما يُحرّك الحياة الساكنة للمسلسل، فقد تمَّ طرح جميع الشخصيات والنسائية منها على وجه الخصوص، والتي كان من الممكن أنْ تكون أكثر فاعلية وتأثيراً وتحريكاً للأحداث في هذه الدراما الناعمة والهادئة ذات الصراع الساكن، وفي  الكثير من الحلقات والمشاهد طغت الحوارات الثنائية الصوتية بين الممثلين، والتي بدتْ أقرب إلى المقاطع الإذاعية ذات الطبيعة الشاعرية .

وقد ساهمتْ محدودية الأماكن التي دارتْ فيها تلك الحلقات والمشاهد والحوارات الثنائية من ثقل إيقاع المسلسل، حيث (المول) و(الكافتيريا) أو(الكازينو) ومبنى القناة، التي تعمل بها جميع الشخصيات. 

ونتيجة لتكرار تلك المشاهد وتشابه أجوائها العامة، أصبحتْ بعض الحلقات بحاجة إلى مشاهد فاصلة تكسر توالي تلك المشاهد المتكررة وتتابعها، وهو الأمر الذي كان على المخرج أنْ ينتبه له ويجد الحلول الفنية له. 

وممّا زاد من حدّة وثقل هذه الجانب السلبي في المسلسل، هو ضعف وهشاشة بناء الشخصيات من حيث الأبعاد الاجتماعية، وقد تجسَّدتْ لنا في انقطاع الجذور الاجتماعية والبيئة العائلية لها، وقد ظهرتْ لنا الشخصيات تعيش منعزلةً ومنفردةً ووحيدةً في شقق أو بيوت فارهة وأنيقة، لكن بدون أسر فلا آباء ولا أمهات ولا أيّة امتدادات أو ارتباطات إجتماعية فـ(باسل) يعيش وحده و(رحيق) لوحدها وكذلك ( رشا) و(هديل) وميسرة (شاهنده). 


استهلال منفصل

عَمَدَ المؤلف في بداية كل حلقة إلى وضع مشهد استهلالي منفصل ومستقل عنها، فمرةً يكون ذا طبيعة مسرحية لـ(رحيق)، وهي تؤدي مشهداً مسرحياً على خشبة المسرح دون مُسّوغ درامي أو ضرورة فنية، ومرةً يتحدثُّ فيه الممثل مباشرةً إلى الكاميرا (وجهاً لوجه مع المتلقي)عن حياتِهِ وذكرياتِهِ وشؤونِهِ الخاصة، وقد تبعهُ المخرج في تنفيذ هذه المشاهدـ التي بقيتْ فائضة عن الحاجة ولمْ تحملْ معها أيّة ضرورة درامية أو مُبرّر لوضعها في بداية كل حلقة، ولمْ نتعرفْ على السبب أو الغاية من إيرادها بهذه الطريقة المباشرة.

وكان من الأفضل للمعلومات والتفاصيل الحياتية، التي أورَدَها كل ممثل في هذه المشاهد أنْ تدخل في البنية الدرامية نفسها من أجل إضاءة ولو جانباً صغيرا من حياة الشخصية إنْ كان لا بُدَّ من ذكرها. 


في التمثيل 

نجح الفنان: سعد محسن في أداء شخصية (باسل) المضطربة والحائرة والمتوزعة في عواطفها ومشاعرها المتناقضة، وَجسَّدَ على نحو بارع هذه الحيرة لدى الشخصية، وعدم معرفتها بما تريد، وبالمقابل شكّلَ ثنائياً منسجماً ومتناغماً مع كل من (آلاء حسين) و(نجلاء فهمي)، وهما تنتقلان في التعبير عن مشاعرهما وتبدلاتها المستمرة والقلقة.

وبالمقابل لمْ يكن المخرج موفقاً في اختيار المطرب (باسل العزيز)، لأداء شخصية (سعد)، خاصة أن أداءَهُ الثقيل وغير المقنع، لمْ يكنْ متفاعلاً مع الأداء الحيوي لـ (آلاء حسين).

 ولمْ أجدْ أيَّة ضرورة فنية أو مبرر درامي مُقنع لاختياره لأداء هذه 

الشخصية. ولمْ يقدمْ أو يؤخر ظهور واختفاء الممثل القدير (محمد حسين عبد الرحيم) شيئاً في المسلسل، وكان بالإمكان توظيف هذه الشخصية وخصوصية عملها في شارع المتنبي على نحو أكثر حضوراً وتأثيراً  كبديل عن ذلك المرور العابر. 

وكان على المخرج أن يكون أكثر دقة في معالجة الزمن الدرامي وضرورة مراعاتِهِ، وإعطائِهِ الأهمية التي يستحقها في رسم الشخصيات والأحداث التي مَرَّتْ بها.

خاصة في المشاهد المتعلقة بإصابة (باسل) برصاصة اخترقتْ كتفه، وسبَّبتْ له نزفاً طويلاً، لكننا وجدناهُ  قد شُفي تماماً، وعاد إلى ممارسة عملِهِ بسرعة دون أيَ أثر واضح لتلك الرصاصة القاتلة جرّاء محاولة الاغتيال الفاشلة.