رافائيل رشيد
ترجمة: بهاء سلمان
"صار العمل خلال أيام العطل ونهاية الأسبوع أمرا عاديا" بحسب "لي سانغهيوك"، الذي تحدث عن ثقافة الوقت الاضافي من خلال عمله لدى شركة عملاقة للمواد الصيدلانية، تقع بالقرب من سيئول، مضيفا: "أدركت أن حياتي وصحتي تتدهور بسبب ساعات العمل المفرطة. لقد نفدت الطاقة عندي، واهملت علاقاتي الشخصية."
وتطوّرت آلام الظهر لدى لي سانغهيوك جراء جلوسه لساعات طويلة في مكتبه، موضحا إنه صار قلقا وكسولا: "خلال الأوقات القليلة التي تمكّنت فيها من إلتقاء اصدقائي، لم استطع حتى التمتّع بذلك، لأن كل ما أفكر به هو العمل. كنت اعتقد أنني أمثل المشكلة،" هكذا يقول الشاب البالغ من العمر 35 عاما.
أقدم سانغهيوك لاحقا على ترك العمل، وهو أمر كان في السابق استثنائيا مع أي موظف بخصوص ثقافة كوريا الجنوبية لساعات العمل الطويلة. لا تعد قصته منفردة، فهي تمثل حركة أوسع تتّخذ وضعها داخل البلاد ضمن جيل شباب مصمم على التمرد ضد القبضة الخانقة لثقافة العمل الصارمة في كوريا الجنوبية. ويعد الجيل المسمى (أم زد- MZ)، كما يشار إليه في كوريا الجنوبية، قلب التحوّل الجيلي المحتمل بعيدا عن ثقافة الإفراط في العمل.
قانون تعسفي
آخر حلقة لهذا الموضوع كانت خلال آذار الماضي مع اقتراح الحكومة بمراجعة نظام ساعات العمل، بتحديد 69 ساعة عمل اسبوعيا كحد أعلى. ويتيح القانون الحالي المبدأ الأساسي بأربعين ساعة إسبوعيا لتطبيقه على الشركات، مع وقت إضافي يصل إلى 12 ساعة، رغم إن الاستثناءات موجودة
بالفعل.
وقدمت الخطة كحل لتحديات سوق العمل التي وفرت مرونة للشركات عبر السماح لها باحتساب متوسط ساعات العمل على فترات طويلة من الزمن. وقبل أن يصير رئيسا للبلاد، اقترح "يون سوك يول"، السماح للأفراد بالعمل مدة 120 ساعة اسبوعيا إذا ما اقتضت الضرورة، وكان الرئيس محافظا ينظر إليه كداعم للمصالح التجارية.
وتم تعزيز هذه الاقتراحات أيضا كوسيلة لخدمة النساء العاملات من خلال تمكيّنهن بتجميع المزيد من ساعات العمل الاضافية، والتي من الممكن مقايضتها بأوقات من عدم العمل مستقبلا، لأجل الاعتناء بالعائلة ومسؤوليات الرعاية الأخرى، في بلد يشهد مسبقا النسبة الأدنى للولادات على المستوى العالمي.
بيد أن المقترح أشعل رد فعل عنيف لدى الشباب والاتحادات والمعارضين السياسيين، مرغمين الحكومة على إعادة التفكير بقرارها. وعلق المتحدّث باسم الحزب الديمقراطي، وهو حزب المعارضة الرئيس، بأن البلاد تعود إلى "تأريخ جحيم العمل".
وتظاهر الشباب ضد "سياسة متسرعة وغير انسانية لا ترتبط بالواقع"، كما انتقدت هذه السياسة بشكل واسع على وسائط التواصل الاجتماعي. وبدت الحكومة بالتراجع سريعا، مع تصريح لسكرتير الرئيس بوعود الاستماع لآراء العاملين باهتمام أكبر مستقبلا، وخصوصا جيل أم زد. ومع هذا، لم يتم بعد وضع سياسة بديلة لغاية الآن، وهناك مخاوف من عودة مقترح العمل 69 ساعة لاحقا.
ثقافة مترسّخة
وتعد كوريا الجنوبية أحد البلدان المعروفة بساعات العمل الأطول ضمن العالم الصناعي، وغالبا ما ينظر لهذا الأمر بوصفه إرثا لنموها الاقتصادي المميز. تاريخيا، يبقى الناس يعملون لدى شركة واحدة حتى مرحلة التقاعد، لأن هذا الحال وفر أمانا وظيفيا ودخلا ماليا مضمونا؛ وهذا الترتيب دائما ما يصاحبه توقعات بساعات طويلة وإخلاص للشركة.
"هذا الاعتقاد الثقافي مستمر حتى يومنا هذا،" هكذا يقول سانغهيوك عن جيل والديه، الذي لا يزال يؤمن بالتضحية الذاتية لأجل العائلة والوطن، ويضيف: "في البداية، أخبرني والداي بتحمّل أعباء العمل لكسب المزيد لمصلحة تطوير مهنتي. لكن حينما قرّرت المغادرة في النهاية، قام الوالدان باسنادي بسرعة رغم تفهمهما لمسألة اختياري الشجاع لمتابعة
حياة أفضل لنفسي."
ويتم ربط الافراط بساعات العمل مع تصاعد خطر الانتحار في كوريا الجنوبية، لأنه السبب الرئيس لوفاة الأشخاص بأعمار ما بين عشرة و39 سنة. "يدرك الشباب كم هو مؤلم العمل لساعات طويلة،" بحسب "كيم جيهيون"، رئيس قسم السياسة في اتحاد الشباب المجتمعي، وهي مجموعة ناشطة تدافع عن ظروف عمل أفضل للبالغين الشباب، ويضيف: "لقد أدركوا أنه، حتى حينما يعملون بجد في أماكن عملهم الحالية، فإن منافع وأرباح الشركة لا تصل دائما إلى
الموظفين."
وتزداد لدى الشباب حالة القلق حيال الالتزام بشركة واحدة لمدة زمنية طويلة، خصوصا أذا ما وضعنا بعين الاعتبار التكاليف المرتفعة للمعيشة. وكشف استبيان أجرته "جنوب كوريا"، وهي منفذ لمعلومات الوظائف، أن 55 بالمئة من الموظفين من جيل MZ ليس لديهم نيّة بتعقّب المناصب الإدارية، بينما أشار 47 بالمئة عن استعدادهم للانتقال إلى شركة أخرى. يقول كيم: "لربما شاهدوا أفرادا من العائلة أو الأقارب أو الأصدقاء الذين ينبغي عليهم البقاء على قيد الحياة بمجهودهم الذاتي، حتى بعد إصابتهم بالمرض جراء العمل الإضافي، ومن الطبيعي بالنسبة لهم الاحتجاج ضد أمر يعرفون أنه خطأ."
صحيفة الغارديان البريطانية