مرقد أبناء مسلم {ع} يروي أوجاع الطف

ريبورتاج 2023/07/25
...

 عامر جليل ابراهيم

 تصوير: إعلام الأمانة العامة للمزارات الشيعية

رغم ما شهده من جريمة يندى لها جبين الإنسانية، إلا أنك عندما تصل إليه فسوف ترى مكاناً يفوح منه عبق الإيمان وعطر الشهادة. فهذا المكان ذبح فيه اثنان من أصغر أطفال بيت النبوة بعد استشهاد الإمام الحسين (ع) في العاشر من محرم. المكان يبعد عن واقعة الطف بنحو 37 كم في قرية تشرّفت وحملت اسم شهيديها الصغيرين عمراً والكبيرين إيماناً «أولاد مسلم»، إنه مكان دفن «الذبيحين» العلويين الطاهرين محمد وإبراهيم ابني مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أما استشهادهما فكان على بعد 5 كم من مكان الدفن الحالي بجانب نهر الفرات.  (الصباح) ضمن سعيها للتعريف بأماكن السياحة الدينية، زارت هذا المزار الشريف والتقت السيد علي عبد الرسول كريم، الأمين الخاص للمزار.

لجوء وضياع

يقول السيد علي عبد الرسول كريم: إن قرية أولاد مسلم سميت هكذا تيمناً بالذبيحين، وتبعد القرية عن قضاء المسيب بحدود الكيلو متر والنصف وعن مركز مدينة كربلاء المقدسة بنحو 37 كم وعن محافظة بابل بحدود 45 كم، على الضفة الشرقية من نهر الفرات.

ويضيف: هذا المكان منسوب إلى ولدي مسلم، وهو مكان مقتلهما، وأغلب الظن أنه موضع دفنهما أيضاً، حيث فُصل رأساهما عن الجسدين الطاهرين بعد مقتلهما وألقيا في نهر الفرات باستثناء الرأسين الذين حملا إلى عبيد الله بن زياد.

ويؤكد السيد الأمين الخاص للمزار: أن محمداً وإبراهيم ابني مسلم بن عقيل كانا قد فرّا بعد واقعة عاشوراء بطف كربلاء، حين هجمت خيل عمر بن سعد على مخيم الإمام الحسين (ع)، لكنهما أضاعا طريقهما حتى أُسرا وأودعا السجن، ثم هربهّما السجان ليلجآ عند امرأة، وتكررت معهما قصة أبيهما فقبض عليهما الحارث الهمداني، وقطع رأسيهما على شط الفرات وحمل الرأسين إلى عبيد الله بن زياد.


شهيدان

يخبرنا الأمين الخاص للمرقد أن (محمد الأصغر) وهو الابن الأكبر لمسلم بن عقيل (ع) كان قد ولد سنة 52هجرية، (وإبراهيم) وهو الأصغر ولد سنة 53هجرية، فيكون عمر الأول عشر سنوات والثاني تسع سنوات رضوان الله عليهما، وترتبط قصة شهادة محمد وإبراهيم (ع) بواقعة الطف في كربلاء التي حدثت سنة 61هجرية، فقد كانا صبيين صغيرين رافقا أسرتهما التي انضمت إلى موكب الإمام الحسين (ع) وقدمت معه من مكة إلى كربلاء، وفي اليوم العاشر من محرم لما انجلى غبار المعركة عن مصرع الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه، هجم الأعداء على الخيام فأحرقوها وأرعبوا النساء والأطفال، وهذا ما أجبر الأطفال على الفرار صوب الصحراء فتسلل هذان الصبيان من أرض المعركة. وبعد ترحيل الأسرى من النساء والأطفال عثر على هذين الغلامين فجيء بهما إلى ابن زياد فدفعهما إلى رجل وأوصاه بالتضييق عليهما في الطعام والشراب.

ويمضي السيد الأمين الخاص: إن الذي تولى دفن ولدي مسلم هم جماعة من القبائل الذين شهدوا مقتلهما.


قرية أولاد مسلم

يضيف السيد علي عبد الرسول الأمين الخاص: يقع المزار في منطقة تمتاز بطابعها الزراعي وتكثر فيها بساتين النخيل والحمضيات، ويمتاز أهل هذه المنطقة بخدمة الزوار الوافدين إلى مرقد ولدي مسلم بن عقيل (ع) في الزيارات العامة والخاصة مثل زيارة الأربعين، إذ تعد هذه المنطقة بوجود المرقد المقدس محطة استراحة لمناطق بغداد ومناطق الصويرة والحفرية وجبلة، ويؤم هذه المنطقة حسب الإحصائيات التي تم أخذها من وزارة الداخلية والوزارات الأخرى ما لايقل عن 10 ملايين زائر ذهاباً وإياباً، ما يجعلها منطقة ذات طابع سياحي مهم، زوارها من جميع دول العالم، لا سيما من إيران والسعودية والهند وباكستان وقطر والبحرين وعمان والإمارات وسوريا ولبنان والكويت والأردن وحتى مصر ومن السودان بحسب المتوكل، وفي إحدى المرات زارنا وفد جزيرة تبعد عن رأس الرجاء الصالح بـ 500 كم، إذ جاءنا رئيس وزرائها مع أسرته للزيارة والتبرك بهذا المرقد. ويضيف: هناك مواسم للزيارة في أعياد نوروز، إذ يؤمنا عشرة آلاف زائر إيراني إلى العتبات المقدسة ومن ضمنها زيارة أولاد مسلم لخصوصيتهم وقربهم من سيد الشهداء وآل بيت النبوة وضمن جداولهم للزيارات.


تفاصيل المزار

يقول الأمين الخاص: إن مساحة المرقد الكلية هي 7 دونمات غير متساوية الأضلاع، ومثبتة في التسجيل العقاري وديوان الوقف الشيعي، يتكون المرقد من أجزاء عدة: الأول عند الدخول من الباب الرئيس من جهة اليسار هناك مسقف بمساحة 28م مزود بوسائل الراحة كالتبريد وغيره من وسائل الراحة، أما في الواجهة فتوجد كرفانات لخدمة الزائرين وإدارة المرقد لتنظيم انسيابية دخول الزائرين، وعند دخولك الباب الرئيس يكون أمامك صحن المرقد وهو بأبعاد 30م ×30م، من الجهة اليمنى هناك أواوين بمساحة 28م وهي مخصصة لاستراحة الزائرين عند وصولهم إلى المرقد الشريف، وفي الجهة اليسرى للمرقد هنالك قاعة لإحياء المناسبات الدينية للمنطقة وللمزار الشريف بمساحة 20م × 10م، ومن الجهة الأمامية هنالك مقدمة للحضرة تسمى الطارمة المغلفة بالكاشي الكربلائي

المعرق.

ويضيف السيد الأمين الخاص للمزار: عند دخولك إلى الحضرة المقدسة يظهر أمامك شباكان مصنوعان من الذهب بطول مترين وبعرض متر وارتفاع مترين وربع المتر لكلا القبرين الشريفين، من جهة اليسار هنالك حضرة داخلية للصلاة بطول 30م وبعرض 5م لأداء مراسم الزيارة، وعند الخروج من الحضرة وخلف الحرم باتجاه اليسار هنالك غرف الهدايا والنذور وغرف الحسابات وغرف الاجتماعات، وهنالك من جهة اليسار أيضاً مجمع للصحيات وباتجاه الجهة الشمالية اليمنى هنالك مخزن داخلي للمرقد يضم المقتنيات الخاصة بالمرقد مثل السجاد وغيرها من الأمور.

للمزار بابان: الباب الرئيس هو باب القبلة وباب ثانٍ جانبي باتجاه الغرب سمي بباب الفرات، أما أبواب الحضرة فهي اثنان أيضاً وهما معمولان من الذهب.

تعلو المزار قبتان مذهبتان مساحة القبة الواحدة 160 متراً مربعاً وبارتفاع 25م، وللمزار مئذنتان بارتفاع 30 م، وساعة بنيت في سنة 2007م. 

ويؤكد الأمين الخاص للمزار: تم استملاك 2650م من الأهالي وضمها إلى المرقد وسوف يتوسع الصحن من الجهة الخلفية، ولدينا مخطط كامل لإعادة إعمار المرقد وزيادة مساحته من 8 آلاف متر إلى 22 ألف متر والتصميم معد وكامل ننتظر المصادقة عليه، ونحن الآن في قيد الاستثمار فقد أكملنا المرحلة الأولى من إنشاء محال تجارية لتكون وارداتها إلى المرقد، والآن بدأنا المرحلة الثانية لزيادة المحال إلى 75 محلاً تجارياً.


التوسعة

أما عن التوسعة الجديدة فيحدثنا المهندس المقيم احمد علاء حسين: بخصوص التوسعة من الجهة الشرقية سوف تكون بمساحة 2650م2 حيث ستكون عبارة عن أواوين ومصلى يلحق بجهة النساء يتكون من طابقين حيث يحتوي على غرف الإدارة وخدمات المزار الشريف، ونحن الآن بصدد اكمال معاملات استملاك للأراضي من الجهة الغربية بمساحة 5250م2 حيث إن المعاملات قيد الإنجاز لتكون هذه الأراضي صحناً وأواوين توسعة للمزار على غرار الجهة الشرقية، ولدينا الآن مشروع قائم قيد الإنجاز وهو إنشاء قاعة ومجموعة صحيات خارج المزار الشريف وهي قيد العمل ونسب التقدم جيدة فيها، ولدينا مشروع أكبر وهو هدم وإعادة بناء الحضرة الداخلية ومرفقاتها لكي تستوعب الزيادة الحاصلة في أعداد الزوار الوافدين للمزار

الشريف. 


مراحل البناء

يحدثنا السيد علي عبد الجبار علي نائب الأمين الخاص للمزار قائلاً: مرّ المرقد بمراحل إعمار منذ مئات السنين، وينسب بناء حرم أولاد مسلم على ما ذكر إلى الحاج محمد حسين الصدر وذلك في عام 1220هـ وكان في وسط الصحن جدار يقسم المكان إلى نصفين: الأول مدخل خصص ليكون مربطاً لدواب الزائرين، والثاني لراحة الزائرين، وفي عام 1355هـ قام جماعة من التجار بالاستئذان من المرجع السيد أبي الحسن الاصفهاني لرفع الجدار الفاصل، فأذن لهم، فرفعوه وشيدوا غرفاً لاستراحة الزائرين. ويضيف: بعدها أزيلت الغرف وجرى توسيع الصحن الشريف وبناء مئذنتين إضافة إلى فتح باب ثانٍ كما ذكر السيد الأمين الخاص وسمي باب الفرات وبدأ العمل بالتوسع من سنة 1995م وكان الإشراف عليه من قبل لجنة منتخبة من الخدام عشيرة السادة البكارة (البكيرات)، ويضيف نائب الأمين الخاص: ذكر ذلك الشيخ علي القسام نقلاً عن سادن الروضة الحاج علي الهلال أنه قام ببناء البهو (الطارمة) من جمع التبرعات عن طريق المؤمنين في العراق، وذلك عام 1352هـ وقد أشرف على بنائه المعمار حمودي البغدادي وسادن الروضة الأقدم شيخ عشيرة السادة البكارة هو الحاج علي الحاج حسين هلال عند توليته من قبل المرجع الديني السيد محسن الحكيم (قدس)، وفي عام 1381هـ قامت تلك الجماعة من التجار بتزويد مبنى الروضة بإسالة الماء الصافي لراحة الزائرين، كما تم ايصال التيار الكهربائي للمبنى عام 1384هـ وفي عام 1394هـ جدد بناء المرقد، وأقيمت فيه أقواس على الطراز الإسلامي، كما حولت المقبرة الملحقة بالمرقد بعد اندراس معالمها إلى ساحة لوقوف السيارات.

في نهاية الحديث قال السيد علي عبد الرسول الأمين الخاص: نقيم في المزار الشريف نشاطات قرآنية وثقافية على مدار السنة، لا سيما في العطلة الصيفية فنقيم دورات في الفقه وعلوم القرآن وأحكام التلاوة وهذه الدورات مخصصة للأطفال لنشغل هذه الفئة ونستقطبها ونعلمها لكي تكون بذرة صالحة في المجتمع وتتعلم

أصول دينها.