أوسمة وأنواط قبل بدء المعركة

الصفحة الاخيرة 2023/07/27
...

أ‌. د. هاشم حسن التميمي


تجتهد العديد من الجهات لتنظيم مهرجانات واحتفالات تحت شعار تكريم الرواد من المبدعين في شتى المجالات وبحضور شخصيات رسمية ومن يمثل الجهات الداعمة مالياً والتي تشاطر الطرف الأول الترويج الإعلامي لتلميع الصورة وتعظيم الموارد.

ربما تكون نوايا البعض سليمة وأخرى بدوافع مريبة، لا سيما أن فئات المبدعين تحتاج إلى رعاية حقيقية رسمية من الدولة وليس مهرجانية دعائية لضمان حياة حرة كريمة توفر الأجواء لمواصلة العطاء والإبداع حتى الرمق الأخير، لأن تكريمهم بعد الرحيل والحرمان والتهميش لا قيمة له وكذلك التكريم المهرجاني بدروع التنك وشهادات الورق هو الآخر لا قيمة له، لا سيما أنه يشمل المئات من كل تخصص وينطبق على ذلك المثل الشعبي (تساوه الكرعه وام الشعر) بل هناك من يتصدر الصفوف وهو من هزازي الدفوف لم يعرف له إبداع أو التزام بأخلاقية المهنة وتاريخه لا يشير لموقف مهني أو وطني .

 وهذا الحال يمثل إهانة للمبدعين الأصلاء وللأسف بعضهم يهرول لحضور هذه المهرجانات طمعاً بالطشة والمبلغ التافه ويا عجبي حين أجدهم يتفاخرون بهذا التكريم ويملؤون صفحاتهم بالصور المهينة وهم يتلقون أوسمة من رموز سلطوية تمثل المحاصصة والسلطة غير الشرعية التي لا تعترف بمفكر أو مثقف إلا بعد أن يصبح ذيلاً وبوقاً يمجد إنجازاتها الوهمية.

 وكنت أتمنى من رئاسة الجمهورية وجيش مستشاريها وكذلك مجلس الوزراء وأمانته العامة إيقاف هذه المهزلة والتنبيه لوجود قانون ساري المفعول وهو قانون الأوسمة والأنواط رقم (95) لسنة 1982 والذي صنف الأوسمة والأنواط وشروط منحها وسحبها وجاء في نص المادة الأولى  (يمنح الوسام أو النوط ويسترد بمرسوم جمهوري، ويمنح لمن يقوم بخدمات عامة جليلة للجمهورية العراقية او لوحدات القوات المسلحة التي تقوم بأعمال وطنية مشرفة) .

يتبين لمن لا يمتلك معرفة قانونية أن لمنح الأوسمة وامتيازاتها وشروطها قانوناً معلوماً لا يسمح لمن هب ودب بابتداع مهرجانات وإطلاق ألقاب غير رصينة ودقيقة ولا تستغرب أن تزين صدور بعض من أساء للوطن والمهنة بهذه الأوسمة، ولا بأس أن نحتفي بالمبدعين بطرق أخرى بعد تصنيفهم وتوصيفهم، والأهم أن يكون هنالك قانون لوسام الإبداع لتكريم المبدعين وشمولهم بامتيازات حقيقية وليس بوجبة غذاء ودرع فافون ومنحة استجداء توزع بمذلة.

وأخيراً توقفت وتأملت موقف الصحفي الشهير، الراحل محمد حسنين هيكل حين أرادت إحدى الجهات منحه قلادة ثمينة من الذهب الخالص تجير إعلامياً لتحسين صورة وشرعنة الجهة المانحة التي استماتت لانتزاع تصريح لمدحها وقال هيكل بعد اعتذاره من تسلم القلادة وقال كلمة الشهيرة وهي درس عظيم لكل مهني حقيقي(الصحافة رسالة يؤديها الصحفي لخدمة بلاده والإنسانية، ونحن في عالمنا العربي أمامنا العديد من المهمات وانتزاع الحريات، لا سيما أننا ما زلنا نحلق بجناح واحد والأوسمة تمنح نهاية المعركة، نحن لم نبدأ بعد معركتنا الحقيقية من أجل حرية الصحافة وحرية الأوطان).  نعم نحن لم نستكمل رسالتنا ولا نستحق الأوسمة ولهذا اقتديت بهيكل وأعتذر عن قبول الأوسمة والأنواط والألقاب الرنانة وتركتها لعشاق ورواد الطشة.

 ليعذرنا الأصدقاء لصراحتنا عكس الأغلبية التي تهمس ولا تجاهر وتنتقد في الخفاء وتجامل في العلن، قصدنا إرساء قواعد وطنية ومهنية وقانونية للتكريم تحفظ الكرامة وتجنبنا الإهانة.