ونحن نودّع أسخن شهر تموز في سجل درجات الحرارة، ونحن جالسون في غرف وسيارات مبرّدة، يقف تحت أشعة شمس تموز وآب ضباط مرور برتبة عقيد وعميد ولواء نزولاً إلى رتبة رائد ونقيب وملازم، وأفراد من الشرطة، ويساورنا الشك أحياناً فنحدّق في رتبهم لنتأكد من عدد النجوم البيض وإن كانوا ضباطاً أم لا، وفي العادة لم يكن الضباط الكبار يشاهدون خارج دوائرهم إلا في جولات تفتيشية أو حين يقف أحدهم تحت ظل شجرة ليراقب عن بعد، بينما يتولى أفراد شرطة المرور تنظيم سير العجلات في التقاطعات والشوارع، ومع ذلك فالضابط الكبير أوالصغير أوالشرطي الواقف تحت الشمس الحارقة يمكن أن يهان خلال أدائه الواجب ويضرب على رأسه ويتلقى الشتائم التي يعكف عن ذكرها اللسان، في مشهد بات يتكرر بين الآونة والأخرى، بينما يسارع المواطن الذي يحترم نفسه ويخاف الله والقانون في صبيحة اليوم التالي لتسديد غرامة مخالفته قبل أن تتضاعف، لكنّ منظر إهانة ضباط المرور الأكثر إيلاماً هو الذي يصدر عن صنف متنمر على المجتمع، أمِنَ العقاب فأساء الأدب وأصبح ينظر إلى الناس كحشرات، فكيف ينظر إلى ضباط ومنتسبي شرطة المرور؟
وقريباً جداً سيصبح لهذا الصنف فرصة الحصول على امتياز جديد في الشارع باستغلال قرار (تظليل زجاج السيارات) الذي أصدرته وزارة الداخلية عن ضوابط تظليل العجلات وأجورها والفئات المشمولة، فقد حددت اللجنة المختصة التظليل بنسبة 30 % مقابل تسديد مبلغ أجور قدره 2 مليون و500 ألف دينار، إذا كانت نسبة التظليل 40 % فيكون مبلغ تسديد الأجور 3 ملايين و500 ألف دينار، في حين تكون نسبة التظليل 50 % مقابل تسديد مبلغ أجور قدره 5 ملايين دينار، على أن يتم إصدار موافقة لهذه العجلات المشمولة لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد لقاء الأجور المحددة.
وحسب القرار لا يجوز منح موافقات التظليل لسيارات الأجرة والباصات وحافلات النقل العام الداخلية بأنواعها كافة، ومركبات الحمل، إلى آخر القرار الذي شمل كذلك فئة واسعة من المسؤولين في الدولة والنواب والدرجات العليا، وإذا كان هذا القرار سيدعم إيرادات الوزارة بلا شك، فهل الجدوى الوحيدة من القرارات هي العوائد المالية بمعزل عن كل شيء، ودون حساب لما يعنيه من تمييز وحصر بالفئات المقتدرة مادياً، وهل أن خلط الفئات المشمولة على اختلاف عناوينها بضوابط واحدة صحيح؟
هل ستمضي الوزارة قدماً بتنفيذه تزامناً مع الاعتداء الأخير، أم ستعيد النظر به، وهو الخيار الأنسب حتى لا يفهم المتجاوزون على القانون الرسالة بالخطأ، وأن بالأموال يمكن شراء كل شيء، خاصةً بعد الاعتداءات المتكررة على هيبة وسلطة القانون، التي يجب أن تبدأ من أصحاب القمصان البيض الممزقة.